شعر اللبنانيون بالأسف والأسى لغياب مشاركة لبنان في اجتماع وزراء خارجية عرب في عمان لبحث موضوع النازحين وتهريب المخدرات من سوريا الى جانب أمور أخرى، فيما تنبه سياسيون الى هذا الغياب الذي يوجّه صفعة قوية الى أهل السلطة الممعنين في إغراق لبنان في الأزمات وعدم فتح أي أبواب حلول أمامه أو من أجل حلها. واجتماع عمان ليس الأول، فقد غاب لبنان كذلك عن أول حصل في الرياض يتعلق بسوريا ولم يُدع إليه لبنان ولكن لم يجرؤ لبنان الرسمي أو غير الرسمي على التعليق على ذلك أو يشتغل لتدارك تجاهله في اجتماع عمان مثلاً، علماً بأن لبنان هو الدولة العربية الوحيدة المجاورة لسوريا التي لم تُدع للمشاركة فيما هو يتحمّل أعباء الحرب الأهلية السورية الأكبر إن لجهة النازحين أو تهريب المخدرات عبره. أعفى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بلاده مسبقاً من تبعة المقرّرات أو عدم شموليتها دولاً لم تكن موجودة على الطاولة بالتأكيد أكثر من مرة “اننا ممثلين لأنفسنا ولأشقائنا الذين حضروا ذلك الاجتماع ولسنا ممثلين عن بقية الدول العربية” موضحاً كذلك “أن هذا الاجتماع لا يمثل جميع الدول العربية”. وثمة عتب لدى بعض الأوساط السياسية من إسقاط لبنان الضعيف والمستخدم ساحة للصراع الإقليمي من جانب دول عدة بما فيها النظام السوري، وتخشى أن يكون هذا الأخير تحفّظ أو رفض مشاركة لبنان الذي لا يراه ندّاً للدول العربية الأخرى المقرّرة في ملفات أساسية من هذا النوع ولا سيما أنها ملفات تتعلق به فيما يستمر في اعتبار لبنان حديقته الخلفية. وترى أوساط أخرى أن إغفال لبنان يتحمل مسؤوليته أهل السلطة الذين يفقدون يوماً بعد يوم هيكلية وجود دولة في لبنان فيما استحقاقاتها الدستورية تنتظر الدول الإقليمية والدولية للاتفاق على إنجازها، إذ كيف لا يتم تجاوزه لبحث ملفات مهمة وحساسة نتيجة تداعيات الحرب السورية عليه وتتطلب تعاوناً سورياً فيما خمس دول غربية وعربية اجتمعت في باريس لبحث الانتخابات الرئاسية وسبل إخراجه من أزمته وهو لم يكن مشاركاً في الاجتماع الخماسي ولا يستطيع التوافق بين قواه على وقف الانهيار وإعادة مؤسسات البلد. وتوقفت هذه الأوساط عند استدراك الدول المجتمعة ذكر القرار الرقم 2254 الصادر عن مجلس الامن الدولي حول الحل السياسي في سوريا نتيجة انتقادات وملاحظات غربية على تغييب ذلك فيما الولايات المتحدة والدول الاوروبية لا تظهر حماسة لإعادة التطبيع مع النظام السوري قبل الحل السياسي المفترض أن القرار الدولي يشكل خريطة طريق إليه. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن هذا القرار سيُنفذ ضرورة حتى لو أعيد التذكير به لاعتبارات متعددة.
لكن الاوساط السياسية الاخيرة توقفت عند أمر أساسي يُفترض أن يأخذه لبنان على مختلف مستوياته في الاعتبار من وقف ضخ الأكاذيب والأوهام إزاء القدرة على إعادة النازحين أو التوافق مع النظام السوري حول الموضوع وقبوله بذلك، إذ ذكر البيان “أن دمشق وافقت على اتخاذ الخطوات اللازمة لوقف التهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق”… علماً بأن دمشق وحلفاءها يستخدمون لبنان وحدوده أيضاً للتهريب الى الدول العربية ما يثير التساؤل: كيف يمكن أن يستوي ذلك؟ كما أشار البيان “إلى أهمية أن تبدأ حكومة النظام السوري، بالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، بتحديد الاحتياجات اللازمة لتحسين الخدمات العامة المقدمة في مناطق عودة اللاجئين للنظر في توفير مساهمات عربية ودولية فيها مع توضيح الإجراءات التي ستتخذها لتسهيل عودتهم، بما في ذلك شمولهم بمراسيم العفو العام”. وانتظار المساهمات العربية لتحسين ظروف عودة النازحين إنما يعني عملانياً اشتراط النظام بدء إعمار البنية التحتية والمؤسسات بذريعة عدم توافرها قبل إعادة هؤلاء. وهو أمر لا يعني سوى أن النظام يخضع إعادة النازحين لعملية ابتزاز ينوي منها المقايضة عربياً ودولياً، مما يجوّف كل المحاولات اللبنانية التي لا اتفاق رسمياً عليها في الأساس ولا دولة قائمة للتعاطي مع النظام السوري الذي يطالب لبنان بأكثر مما يستطيعه فيما هو لا يرغب في حل موضوع النازحين في لبنان بناءً على رغبة لبنانية فحسب. والمؤشر لذلك ما ورد في البيان أيضاً من أن الوزراء العرب المجتمعين “طالبوا بتكثيف العمل مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة للدفع نحو تسريع تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، بما في ذلك في المناطق التي يُتوقع عودة اللاجئين إليها، بما يفضي إلى تحسين البنية التحتية اللازمة لتوفير العيش الكريم للاجئين الذين يختارون العودة طوعياً إلى سوريا، وأن تُتخذ خطوات مماثلة لحل قضيّة النازحين داخلياً، بما في ذلك قضية مخيم الركبان”. وهذا يعني أيضاً السعي الى شرعنة النظام السوري مع المجتمع الدولي كذلك.
وبالنسبة الى موضوع الاتجار بالمخدرات، طالب البيان بتعزيز التعاون بين النظام ودول الجوار والدول المتأثرة بعمليات الاتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية مع دول الجوار. وفي هذا السياق، ستتعاون سوريا مع الأردن والعراق (ولبنان لا يرد هنا كذلك فيما هو يشكّل معبراً للتهريب والاتجار بالمخدّرات المهرّبة من سوريا وقاطعته دول خليجية العام الماضي على هذه الخلفية) في تشكيل فريقي عمل سياسيين/ أمنيين مشتركين منفصلين خلال شهر لتحديد مصادر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات تهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء عمليات التهريب، وإنهاء هذا الخطر المتصاعد على المنطقة برمّتها”. وهذا يعني أن لبنان لا يندرج من ضمن هذه الآلية أو يمكن أن ينضم إليها في ظل غياب رئيس للجمهورية وحكومة فاعلة تسعى لدى الدول العربية من أجل أن تحصل من النظام السوري على ما لا ولن يمنحها إياه عملانياً وفعلياً.