إشكالية طبعت النظام… يزبك: التسوية إما أن تكون داخلية أو لا تكون

حجم الخط

كتبت لميا شديد في “المسيرة” – العدد 1740

إشكالية طبعت النظام على توقيت خاطئ

يزبك: أي تسوية إما أن تكون داخلية أو لا تكون

يعيش لبنان اليوم ظروفاً إستثنائية لا تشبه أي ظروف في أي بلد في العالم، ويعيش اللبنانيون أزمات متعددة الأوجه وأبرزها الفراغ الذي حلّ في الكرسي الرئاسي منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول من العام الماضي في ظل عوائق وصعوبات تحول دون إنتاج رئيس تتوافق عليه القوى السياسية اللبنانية.

والمعروف أن لبنان لم يكن يوماً بمنأى عن تداعيات الصراعات في المنطقة، بل كان لهذه الصراعات، وللتسويات الخارجية  دورها في تشكيل الكيان اللبناني وفي الحفاظ على استمراريته. وعرف لبنان بأنه بلد التسويات، تسويات تنتج إستقرارًا غالبًا ما يكون هشًّا ولفترة زمنية محدودة، وكلما تبدلت العوامل التي أنتجت التسوية يدخل لبنان في مرحلة من عدم الإستقرار ريثما تتكوّن عوامل جديدة تنتج تسوية جديدة، وهذه العوامل تكون مرتبطة بموازين القوى المحلية والخارجية.

فهل لبنان اليوم أمام مفترق طرق وتغيير جذري للنظام الذي أصابه الترهل ونخره الفساد؟ ولبنان الذي يعيش أزمة إقتصادية واجتماعية حادة  منذ نحو ثلاث سنوات هل ينتظر تسوية ما لإنتاج حلول شاملة لأزماته بما فيها الأزمة الرئاسية؟

بعد اللقاء الخماسي الباريسي يتجه اللقاء الدولي الخماسي لبحث الملف الرئاسي اللبناني الى الإنعقاد في الرياض على أن يكون على مستوى وزراء الخارجية. وسيضمّ السعودية – قطر – مصر – الولايات المتحدة – فرنسا، وسيدخل هذه المرة في الأسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية.

إتفاقات وحلول… موقتة

من خلال قراءة تاريخية لتركيبة النظام اللبناني والعوامل الداخلية والخارجية التي أرست قواعده يمكن الوصول الى عدة إستنتاجات حول طبيعة التسويات والعوامل التي قد تنتجها، لا سيما بالإستناد الى تجارب ومؤتمرات سابقة، ومنها

– مؤتمر جنيف (31 تشرين الأول ـ 4 تشرين الثاني 1983)

عُقد تحت عنوان الحوار الوطني برعاية سوريا والسعودية وبمشاركة رئيس الجمهورية يومها أمين الجميل وممثلي التشكيلات السياسية والمسلّحة الرئيسية ومن بينهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حركة «أمل» نبيه بري. وشدد المشاركون على تأكيد عروبة لبنان وطالبوا بإلغاء إتفاق 17 أيار 1983 الموقع بين لبنان وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة.

ـ مؤتمر لوزان (سويسرا 12 ـ 20 آذار 1984)

أدى مؤتمر الحوار الوطني الثاني بعد مؤتمر جنيف، والذي شارك فيه الأطراف إنفسهم، الى إتفاق على إطار يعطي الأولوية لوقف النار ويقرر عودة الجيش اللبناني الى ثكنه وتشكيل هيئة لمراجعة الدستور.

ـ إتفاق الطائف (30 أيلول 1989)

هو الإسم الذي تُعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، التي وُضعت بين الأطراف المتنازعين في لبنان، وذلك بوساطة سعودية، وأُقرّ بقانون بتاريخ 22 تشرين الأول 1989 منهياً الحرب الأهلية اللبنانية، وذلك بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على اندلاعها. وقد تم تصميم الإتفاق لإنهاء الحرب، وإعادة تأكيد السيادة اللبنانية في جنوب لبنان الذي كان محتلّاً من إسرائيل، كما أن الاتفاق حدد إطاراً زمنياً للانسحاب السوري، فنص على انسحاب السوريين في غضون عامين.

حضر جلسات مؤتمر الطائف 62 نائباً لبنانياً من أصل 73، حيث تغيّب ثلاثة منهم لأسباب سياسية وهم ريمون إده وألبر مخيبر وإميل روحانا صقر، أما النواب الخمسة الآخرون فكان تغيّبهم لأسباب غير سياسية. وقد وضعت الإتفاقية مبدأ «التعايش المشترك» بين الطوائف اللبنانية المختلفة وتمثيلها السياسي السليم كهدف رئيسي للقوانين الانتخابية البرلمانية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. كما أعادت هيكلة النظام السياسي للميثاق الوطني عن طريق نقل بعض السلطة بعيداً عن الطائفة المارونية التي اعتُبِرت أنها مُنحت مركزاً متميزاً في عهد الحكم الفرنسي.

ـ إتفاق الدوحة (أيار 2008)

شكل إتفاق الدوحة نهاية لأزمة سياسية بين الموالاة والمعارضة، استمرت 18 شهرًا، وكادت تعصف بالسلم الأهلي اللبناني. وأوجد الإتفاق الذي أُنجز بين أقطاب الفريقين بضمانات عربية حلاً لانتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة وحدة وطنية والإتفاق على قانون انتخابي. كما حدد آلية لبحث قضية السلاح خارج الشرعية (يعني أساسًا سلاح «حزب الله»)، محددًا أسسها إنطلاقاً من الدوحة ويستكملها رئيس الجمهورية بمشاركة الجامعة العربية.

أنتج الإتفاق انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، بعد شغور رئاسي دام أكثر من سنتين، واجتياح «حزب الله» بيروت وساحل الشوف وسقوط مئات القتلى والجرحى. كما أشار الإتفاق إلى أن القيادات السياسية «أعادت تأكيد الإلتزام بوقف إستخدام لغة التخوين أو التحريض السياسي أو المذهبي على الفور».

المؤتمر الخماسي… الى أين؟

اليوم أعادت التركيبة اللبنانية ونهج «الممانعة» إنتاج الظروف نفسها والعقد السياسية والإضطراب العام نفسه، فحالت دون انتخاب رئيس للجمهورية عبر مقاطعة الجلسات والأوراق البيضاء والشروط العالية السقف، وسط رفض قوى المعارضة، وفي طليعتها حزب «القوات اللبنانية»، الخضوع لهذه الشروط والسماح بوصول رئيس يمدد زمن الأزمة ويعيد إنتاج عهد الرئيس عون الذي أوصل لبنان الى جهنم. فماذا ينتظر لبنان، وهل سينتج مؤتمر جديد حلاً جديدًا؟ وهل سيكون هذه المرة جذريًا، أم حل موقت كما المؤتمرات السابقة؟

يرى عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب غياث يزبك أن «التسوية الأهم والأكبر هي إتفاق الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان. هذا الإتفاق أُنجز عندما كانت كل الدول التي كانت تتقاتل على لبنان وفي لبنان وتريد السيطرة عليه كليًا أو جزئيًا وحوّلت لبنان الى مكب وساحة لكل خلافات المنطقة وأرادت منه وطناً بديلاً للفلسطينيين. وبين العام 1975 و1990 شهد لبنان سنوات حرب طويلة، وبفضل صمود «القوات اللبنانية» والمقاومة اللبنانية الحقيقية في وجه هذه المشاريع تم إفشالها. وعندها اجتمعت كل هذه الدول المختلفة والمؤتلفة في تحالف تم الإتفاق بين أعضائه على إنهاء الحرب في لبنان ووضع حد للمدفع فكان إتفاق الطائف الذي يُعتبر تسوية تاريخية منها نشأ دستور حُكم على أساسه لبنان».

ويضيف: «يُحكى اليوم عن تسوية تنهي الأزمة المستجدة في لبنان من خلال الفراغ الرئاسي وغيره. ولكن علينا أن لا ننسى أن السوري خطف إتفاق الطائف، وقبل ذلك في العامين 1975 و1976 قررت الجامعة العربية تأليف قوة ردع عربية لإنهاء الحرب في لبنان. في تلك الفترة كانت سوريا مكوّناً أساسياً من بين عدة دول مكوّنة لقوات الردع العربية، وبطريقة منظمة ومنهجية قامت سوريا بالإعتداء على كل هذه القوات ودفعتها الى الخروج، فبقيت قوات الردع العربية مشكّلة فقط من القوات السورية، ووضعت يدها على لبنان من 1977 حتى 1990. وبين 1990 و2005 واجهنا كـ»قوات لبنانية» مع القوى الحية خطة ضرب كل الأسس التي تقوم عليها الدولة اللبنانية، وصولاً الى إخراج الجيش السوري من لبنان، وإذ به يضع على طريقنا «حزب الله» الذي بقي وحده محتفظاً بسلاحه بعد تسليم كل الأسلحة للدولة اللبنانية».

ويشدد على «أننا اليوم لسنا أمام تحالف دولي، ولا نستطيع إجراء مقاربة حقيقية ما بين إتفاق الطائف والتسوية التي يتم الإعداد لها اليوم. نحن نشهد حاليًا خلافاً عميقاً وحرباً ضروساً كبرى بين روسيا ومن ورائها الصين، والولايات المتحدة الأميركية بمواجهتهما، وبذلك لا نستطيع القول إن هذين العنصرين يشكلان ضمانة لأي تسوية قد تحصل في لبنان. هذا بالإضافة الى ما تقوم به المملكة العربية السعودية من محاولة إقتراب وتقارب بينها وبين إيران سيكون له طبعًا، وبحسب بعض المتحمسين، إنعكاس إيجابي على إنهاء التسوية الرئاسية في لبنان ضمن التسوية الشاملة التي قد تحصل».

واعتبر أن «هذه القراءة هي قراءة متسرّعة وعملية حرق للمراحل قبل بلوغ هذه المرحلة لأنه، صحيح أن هناك تقاربًا ومشروعًا لتبادل السفراء وإعادة فتح للسفارات، ولكن هناك مرحلة إختبار كبرى وعظمى ستقوم بها المملكة العربية السعودية مع إيران لمعرفة مدى جديتها. والإختبار الأساسي هو في اليمن حيث تدعو إيران اليمنيين الحوثيين للذهاب الى التوافقات، وفي الوقت نفسه تدفعهم الى أن يجعلوا من عملية التفاوض مع السعوديين عملية صعبة جدًا، وهذا هو النموذج الذي علينا مراقبته ورصد تداعياته على باقي المنطقة. ولا يمكن أن ننسى أن المملكة لديها مشكلة في اليمن ومع الإيرانيين في العراق وصولا الى سوريا. هذا الى جانب موضوع إعادة سوريا الى الحضن العربي، ولكن لا يمكن التعاطي مع هذا الملف بتسرّع لأنه لا يمكن إعتبار نظام الأسد على أنه سوريا لأنه لا يسيطر على كل البلاد، وهناك 4 قوى تتقاتل في سوريا: إسرائيل، الأميركيون، الأتراك والإيرانيون، لذلك لا يمكن الإعتماد على القول إن عودة نظام الأسد الى الحضن العربي يعني عودة كل سوريا معه».

وأردف: «نوايا النظام السوري اليوم تشبه نوايا الحوثيين، وبشار الأسد يحاول إستغلال فرصة العودة للمحافظة على نظامه، وإقليميًا عينه لا تزال على لبنان، وداخليًا هو لا يريد الإعتراف بالثورة السورية، ولا يمكن بأي قوة دولية أو إقليمية أن يعطى نظام بشار الأسد صك براءة بعدما قتل شعبه بالملايين وهجر ثلث شعبه خارج الأراضي السورية. وبرأيي أي تسوية خارجية للأزمة اللبنانية لا يمكن الإعتماد عليها فقط».

التسوية الحقيقية داخلية

إنطلاقاً من كل هذه الإشكاليات، يقول يزبك: «نحن كـ»قوات لبنانية» على قناعة تامة، كما دائمًا، بأن أي تسوية إما أن تكون داخلية أو لا تكون. وعلينا أن ننتج تسويتنا الداخلية لتكون تسوية صادقة لكي نتمكن من الإنتقال بها الى الخارج وطلب المساعدة الخارجية لفكفكة التفاصيل والإشكاليات. ومن ناحية أخرى، التسوية بالنسبة للخط الممانع هي أن نأتي برئيس ممانع ونرضى به ونكمل مسارنا وكأن شيئا لم يكن، وأن يبقى «حزب الله» ممسكاً باللعبة وبقرار الحرب والسلم، ودويلته قائمة بكل مقوّماتها الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية وارتباطه بإيران وغير إيران. هذه التسوية ليست التسوية التي نريدها، بل هي إستمرار لمسار تدمير لبنان وما بقي من مقوّمات لبنان السيادية والاقتصادية والميثاقية وكل المقوّمات التي تقوم عليها دولة».

ويتابع: «التسوية بالنسبة إلينا هي أن نأتي برئيس سيادي يضع سلاح «حزب الله» على طاولة المفاوضات ويلتزم معه «حزب الله» بالتخلي عن سلاحه. نحن بحاجة لحل نهائي للأزمة الوطنية اللبنانية التي نعاني منها. نحن اليوم نعيش في ظل تسوية إتفاق الدوحة منذ 2011، وبماذا أتت إلينا هذه التسوية ونحن لم نشهد إلا تدميرًا ممنهجًا للجمهورية اللبنانية وكل مقوّماتها الاقتصادية ولصداقاتنا الدولية والعربية، لسمعة لبنان وصيته ولانهيار الليرة. وبالتالي الإستمرار بهذا المسار هو أمر مرفوض وقد خبرنا تجربة الحكم معهم ولا يمكن أن نعيدها ونستمر بها. نحن ننشد تسوية عقلاء لا ظالم فيها ولا مظلوم ولا منتصر يفرض إملاءاته على الدولة ولا خاسر يشارك في إنتاج تسوية لكي يحافظ على دور له داخل السلطة».

ويختم: «لقد تربينا واتعظنا من كل التجارب، وما نريده هو إنهاء الحالة السرطانية التي تمثلها الدويلة بسلاحها وتأثيرها على الواقع اللبناني والرئيس الذي يؤمن ويرفع هذا المنطق هو الرئيس القادر على إنتاج حكومة تشبهه، حكومة مشروع إنقاذي يحارب الفساد في لبنان وتكون ملتزمة ومنتظمة في تنفيذ ما يطلبه المجتمع الدولي ومتطلبات صندوق النقد الدولي في سبيل استعادة الثقة وهيكلة المصارف وحل أزمة الدين العام وسد الثقب الأسود الذي تمثله مؤسسة كهرباء لبنان، بالإضافة الى العديد من الأزمات التي لها مفتاح واحد هو انتخاب رئيس سيادي لا يشكل تحديًا لأحد ويسترجع سيادة لبنان وسياسة لبنان الخارجية ويستعيد قرار الحرب والسلم والاستراتيجية ومعه حكومة قوية. وعندها سيكون بإمكاننا طلب المساعدة واستعادة الثقة من مغتربينا في الخارج ومن الدول الصديقة التي تبذل كل ما بوسعها لكي يسترجع لبنان انتظامه العام. وما دون ذلك لا مكان للتسوية ولن نقبل برئيس متحوّر يشبه ميشال عون واسمه جبران باسيل أو المرشح سليمان فرنجية مع احترامنا لشخصه ولكن إلتزاماته السياسية والإقليمية واضحة جدًا».

وسط كل ذلك، تتجه الأنظار الى الحراك الخارجي وتحديدًا الى اللقاء الخماسي الذي سيُعقد في الرياض وما قد يحمل من حلول للأزمات اللبنانية بكل تشعباتها، وما إذا كانت سترضي طموحات اللبنانيين الذين تعبوا من تراكم أزماته التي لن تحلها كل التسويات الخارجية ما لم يتوصل الداخل اللبناني الى تسوية داخلية تنتج رئيسًا يريد لبنان دولة قادرة قوية لها سيادتها ودستورها ونظامها الذي يؤمّن للبنانيين الإستقرار والمستقبل المطمئن للأجيال الطالعة.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل