تحقيق الفريق الدولي بقضايا الأموال… ماذا عن المرفأ؟

حجم الخط

كتب سيمون سمعان في “المسيرة” – العدد 1740

اضطرب الوضع، لعلعت الثورة، أقفلت البنوك لتفتح بعد أسبوعين على واقع جديد، فتبخرت الودائع وارتفعت التحويلات.. مسارٌ بدا غريبًا وتصاعديًّا حيث تحوّل الغضب الى المصارف والمصرفيين، وعلى رأسهم حاكم البنك المركزي رياض سلامه. وبعد حين بدأت الادعاءات والاستدعاءات والتحقيقات التي راحت تنبت حتى من خارج الحدود، من أوروبا. بسرعة قياسيّة تحوّل الحاكم من نجم الجوائز وحفلات التكريم المحلّية والدولية، ومن قارع جرس بورصة نيويورك، إلى متّهم وملاحق دوليًا بجرائم مالية. فجأة تبيّن أن هناك شبكة واسعة مترابطة الأطراف تضم محليًّا مصرفيين وسياسيين، وخارجيًّا مبيضي أموال وتجار وجدو في الملاذات المالية الآمنة مثل سويسرا وليختنشتاين ولوكسمبورغ وسنغفورة وهونغ كونغ وسواها أمكنة اعتقدوا أن هناك لن تعلم بها أذن ولا تراها عين ولا يطالها تحقيق!

بدأت قصة التحقيق الأوروبي ووفوده القضائية التي تزور لبنان. وكون أنَّ هناك ادعاءً أمامها في حق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويّك، فقد بدأت القصة تأخذ بعدًا آخر لدى المعنيين والمتابعين. وقد تزامن كل ذلك مع جرائم مالية وشبهات طالت متمولين عالميين ومصارف، ومنها ما اهتزّت أسُسَه فآلَ الى السقوط.

وكانت الهيئة التنظيمية المالية في سويسرا قالت إنها أجرت تدقيقًا شمل 12 مصرفا، وبدأت إجراءات ضد اثنين منها على صلة بتهم فساد موجهة إلى سلامة.

 

طلبات وادّعاءات واستدعاءات

مثل سويسرا وفرنسا، تقدّمت في وقت سابق، المحكمة الإقليمية لإمارة ليختنشتاين، بطلب مساعدة الى القضاء اللبناني ضمن إطار التحقيقات التي باشرتها بحق سلامة بتهمة اختلاس مبلغ يصل الى 400 مليون دولار. والبارز في الطلب أنه تضمّن سؤالًا عن علاقة مالية بين سلامة وشقيق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وعن تحويلات مالية بين شركتين عائدتين لهما، حصلت عام 2016 وصلت قيمتها إلى 14 مليون دولار.

وفي سياق التوسّع في القضية، يواصل القضاء الفرنسي التحقيق والادعاء على مزيد من المصرفيين اللبنانيين. وقالت مراجع قضائية إن هناك اتجاهاً فرنسياً للادعاء على سليم صفير (بنك بيروت) وسمير حنا (بنك عوده) بتهم تشابه تلك التي وُجِّهت الى خير الدين.

لكن الأمر الذي أُشكِلَ على بعض اللبنانيين هو عن كيفية تحقيق قضاء أجنبي مع مواطن دولة أخرى؟ وما إذا كان هناك من خرق للسيادة؟ وما هو طلب التعاون القضائي؟

عن ذلك يقول الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر لـ”المسيرة” إن “هناك معاهدات ترعى ما يعرف بالاستنبات القضائية أو التعاون القضائي الذي يطلبه قضاء أجنبي في قضايا عالقة أمامه. وفي هذا الطلب أو الدعوى يستنيب قاضٍ أجنبي قاضيًا محليًّا، ومن يضع الأسئلة هو القاضي الأجنبي، أما من يطرحها على المتهم فهو القاضي المحلي، أي اللبناني في القضية الحاضرة. كما يتولى في نهاية الجلسة إعداد محضر بما جرى”.

ويوضح “أن الاستنابة تحصل عندما تكون هناك دعوى عالقة أمام القاضي الأجنبي في حق مواطن لدولة أخرى، ولكن بعد أن يكون القاضي الأجنبي أعلن صلاحيته للتحقيق في القضية المرفوعة أمامه. وتبييض الأموال هو جرم دولي. ولأقول أني قضاء صالح، يجب أن تكون الأموال المغسولة قد مرّت عبر نظامي المصرفي». ويكشف أن «ما هو ملاحق به اليوم عدد من المصرفيين والسياسيين هو تهمة تبييص أموال”، لافتاً إلى أن «القضاء الأوروبي لم يكتفِ بإرسال الاستنابة بل طلب القضاة أن يحضروا، واحترامًا لمبدأ السيادة لم يوجّهوا الأسئلة. ولكن الهدف من حضورهم هو التأكّد من وضوح السؤال والجواب”.

والسؤال الشعبي الآخر: لماذا يحقق القضاء الأجنبي في قضايا ولا يحقق في أخرى كقضية تفجير 4 آب مثلًا؟

يجيب صادر بأن “القضاء الأجنبي يبت بالقضايا المقدّمة أمامه وليست له صلاحية الادعاء في قضايا خارجة عن اختصاصه ونطاق عمله”. ويضيف: “كانت هناك إمكانية لتحقيق دولي طالبت به الدولة اللبنانية، لكن رئيس الجمهورية قال إنه يرفض التحقيق الدولي. وذلك بهدف قطع الطريق على التحقيق”.

 

بين الجرائم المالية و4 آب

على رغم أن التحقيق في لبنان لم يعلِن رسميًّا حتى الساعة المسار الحقيقي لشحنة نترات الأمونيوم التي وصلت إلى بيروت وتم تخزينها في المرفأ لسنوات عديدة ثم تفجيرها، إلا أن تحقيقات نشرتها مجلة “دير شبيغل” الألمانية، ربطت مالك السفينة “روسوس”، التي نقلت “الأمونيوم” إلى مرفأ بيروت، بمصرف “FBME” البنك الفدرالي للشرق الأوسط، الذي وصفته بأنه سيِّئ السمعة ويتعامل مع “حزب الله”.

ومؤخرًا أكّد بيان مشترك صادر عن مجموعة من الدول في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، “التزام العالم بضمان العدالة في انفجار مرفأ بيروت”. ودعا “السلطات اللبنانية لإجراء تحقيق سريع ومستقل وذي مصداقية في الحادث”.

القوات اللبنانية التي تابعت المسائل الميدانية والإنسانية وصولًا إلى القانونية في جريمة المرفأ، طالبت منذ البداية بلجنة تقصي حقائق دولية وصولًا إلى تحقيق دولي، ارتقابًا منها لما يمكن أن يتعرض له التحقيق المحلي من تخريب وعرقلة، وهو ما حصل فعلًا، وها هي النتائج اليوم أبرز شاهد على ذلك. وفي هذا السياق يقول النائب جورج عقيص لـ”المسيرة” إنه “صارت هناك محاولات مع لجنة حقوق الإنسان، ولكن هذه اللجنة لا تحقق بل تطالب. أما من يحق له التحقيق فوهو مجلس الأمن”. وأوضح ألّا “فترة زمنية تنتهي معها صلاحية التحقيق في قضية المرفأ، لأنه جرم ضد الإنسانية إلا في حال اعتُبِر إهمالًا، لكنه ليس كذلك”.

وشدد “أن على اللبنانيين ألّا يخلطوا بين موضوعي التحقيقات الخارجية الجارية في قضايا مالية مرفوعة أمامها، وقضية تفجير 4 آب العالقة أمام القضاء اللبناني. فاقضيتان منفصلتان طبعًا وليس في واحدة منهما ما يستجلب الانتقال الى الأخرى. لكننا كتكل جمهورية قوية مصممون على الوصول للجنة تقصي حقائق دولية تضطلع بالموضوع”.

 

إن لم يبنِ الربّ البيت…

جاء في افتتاحية لصحيفة وول ستريت جورنال منذ مدّة أن الأموال المودعة في المصارف الاوروبية التابعة للزعماء السياسين اللبنانيين وأقربائهم منذ العام 1982 ولغاية 2019 هي 800 مليار دولار. ويرى الخبراء أنه يتعين على الدول المطالبة بأموالها المنهوبة، ولكن مع ضمان أن تكون مطالبها متفقة مع قوانين المحاكم الأجنبية.

وقالت مراجع قضائية سويسرية: “نحن مستعدون للمساعدة لكننا لا نستطيع القيام بالتحقيق لصالحهم نيابة عنهم. وبالتالي يتعين على المسؤولين القضائيين إظهار أن إجراءات جنائية محلية تُتّخذ ضد حكامهم. لكن يبقى إنَّ الدول الناشئة والنامية هي الغائب الأكبر عن الجهود المبذولة من قِبَل سويسرا لتحسين سمعة ساحتها المالية”.

 

وهنا يجدر السؤال: هل لبنان في هذا الوارد اليوم؟

تستبعد الوقائع كما التجارب السابقة وسلوكيات الطبقة الحاكمة، أن يكون اللبنانيون على موعد مع تطبيق العدالة وإحقاق الحق في ظل غياب الدولة، وتخطي القوانين من دون أي اعتبار، والاستقواء بالسلاح غير الشرعي، ما ينسف حكم القانون ويدفع أكثر فأكثر للعمل على خطين: الاستمرار في المطالبة بالقضاء الدولي، والاستمرار بمقاومة تقويض الدولة اللبنانية ومؤسساتها العاملة على العدالة والأمنين الميداني والمالي!

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل