في غمرة الانشغال بالكباش السياسي حول الانتخابات الرئاسية والتي تأخذ الحيز الاكبر من الاهتمام السياسي والاعلامي، لم تمر زيارة وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان مرور الكرام ولكنها ايضا لم تحظ بالاحاطة السياسية الكافية والتي غالبا ما تقف عند الحدود الشكلية اكثر من المضامين. ولكن الزيارة لا تغيب عن المشهد الذي تراقبه البعثات الديبلوماسية في شكل خاص وقد لفت بعض البعثات الغربية في لبنان توقيت الزيارة وليس فقط متابعة مضمونها لا سيما انها تأتي بعد اسابيع على زيارة مماثلة قام بها الديبلوماسي الايراني . اذ لفتت ان زيارة عبد اللهيان في نيسان المنصرم هي الثانية له بعد زيارة له في كانون الثاني مطلع هذا العام والثالثة لمسؤول ايراني بعد زيارة نائب وزير الخارجية علي باقري كني في شباط الماضي ما يجعل مجموع الزيارات الايرانية العلنية على الاقل ثلاث زيارات خلال اربعة اشهر ، في حين ذكرت معلومات غير موثوقة ولم تتأكد زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري اسماعيل قآني الى بيروت كذلك. هذا التركيز الايراني على لبنان ينبغي ان يقلق مسؤوليه على الاقل على مستويات عدة وليس فقط وخصوصا في ما يتصل باستمرار توظيف لبنان ساحة مواجهة ضد اسرائيل وفق ما تترك مواقف المسؤولين الايرانيين من خلاصات . وذلك فيما افادت معطيات ديبلوماسية ان لا شيء جوهريا في مضمون اللقاءات بين المسؤولين اللبنانيين والدبلوماسي الايراني والكثير من التكرار خصوصا ان لا جديد طرأ على العلاقات الثنائية بين البلدين لكي تتم مراجعتها او تطويرها . وتزايد وتيرة هذه الزيارات يربك الحكومة اللبنانية الحالية، ولو انها حكومة تصريف اعمال، في تبرير ذلك امام الدول العربية حتى مع انفتاحها على ايران انطلاقا من ان التفاهم معها لا يلغي النفوذ وامتلاك الاوراق ، ومع حلفاء غربيين كذلك لا يزالون على خصومة كبيرة مع ايران ،لا سيما في اظهار الحكومة نفسها عاجزة عن التصرف حيال هذا الاندفاع الايراني المقلق للبنان والمربك له. ولعل ذلك التعبير عن مدى سيطرة ايران يوجه رسالة قوية الى الدول الغربية بالعجز عن تخفيف النفوذ الايراني واليأس من القدرة على تخفيف وطأة سيطرة ” حزب الله” . وهي نقطة نموذج تتمثل في المعادلة الرئاسية التي اقنع بها فرنسا مثلا نتيجة قدرته على الفيتو ومنع وصول اي رئيس لا يوافق عليه او يريده الحزب. اذ ان هذه الزيارات لا تمثل او تترجم وتيرة زيارات ديبلوماسية عادية او طبيعية بين دولتين سيدتين بل توحي بعكس ذلك. والاشكالية الكبيرة انه فيما تركز قوى المعارضة على منع وصول رئيس للجمهورية تعتبره محسوبا على ” حزب الله” في شكل اساسي وسوريا، ، فانها لا تنتبه في الوقت نفسه للمؤشرات الاخرى التي قد لا تتضاءل او تتغير حتى في حال النجاح في انتخاب رئيس غير رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه .
ثمة من ربط بين الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية الايراني للبنان ، علما ان زياراته العاصمة اللبنانية قد تجاوزت الخمس زيارات منذ بدء الحكومة الايرانية مهامها بعد انتخاب ابرهيم رئيسي للرئاسة في ايران ، والرسائل الايرانية التي يتم السعي الى تثبيتها من خارج التفاهم السعودي الايراني وعلى خلفية الاستفادة منه لتعميم عدم حصول تغييرات في موضوع لبنان وموقع ايران فيه لا بل توظيف التفاهم لتعزيز هذا الانطباع. لا بل ان ذلك يساهم في اشاعة او تثبيت الاعتقاد بان التفاهم الاقليمي يساعد ايران على تعزيز موقعها في لبنان كما في كل الملفات ذات الصلة وقد اعتبرت ان امن لبنان من امن المنطقة وايران على غرار ما ورد في تصريح عبداللهيان في مطار بيروت . وتاليا فان التوظيف الايراني في الزيارة الاخيرة هو توظيف للتفاهم الاقليمي على قاعدة ان لا يتجاوز الاعتراف بنفوذها وعدم تهديده في لبنان كما في سوريا كما ظهر بعد ذلك . اذ ان زيارة رئيسي الى سوريا كذلك سلطت اكثر الاضواء على المنحى نفسه. فالزيارة الاولى لرئيس ايران الى سوريا بعد بدء الحرب الاهلية وفي حمأة السعي الغربي لاعادة استيعاب دمشق بعد اسابيع على توقيع التفاهم السعودي الايراني تشكل تذكيرا قويا للنظام السوري ب” الانتصار ” وفق تعبير رئيسي ، الذي لم يكن ليحققه الاسد لولا الدعم الايراني له وتذكير الدول العربية التي ازدادت جراحها بالحرب الداخلية التي بدأت اخيرا في السودان ان ايران في سوريا لا بل في دمشق تحديدا وليس على الساحل السوري كما هي حال روسيا . وتاليا تبقى مساعي اعادة النظام الى الجامعة العربية وما يفترض ان يعنيه ذلك مظللة بقوة بزيارة ارادتها ايران ” نقطة تحول ” كما قال رئيسي ، وتوقيع 15 اتفاقا بطابع اقتصادي اعطي للزيارة. وفيما جلس لبنان طويلا الى طاولة جامعة الدول العربية ابان الوصاية السورية والاحتلال الاسرائيلي ووجود ” حزب الله” وكل التنظيمات الفلسطينية التي استخدمت اراضيه، فان سوريا الراهنة قد تعود لتشغل مقعدها على طاولة الجامعة في ظل واقع مشابه لذلك الذي عاشه لبنان طويلا ولا يزال يعيش الكثير من بعضه راهنا كذلك. وقد لفت مراقبين ديبلوماسيين تخصيص رئيسي اليوم الثاني من زيارته للعاصمة السورية للقاء التنظيمات الفلسطينية الموجودة هناك فيما ان اداء مماثلا كان مقتصرا على لبنان باعتباره احدى الجبهات المحتملة دوما لايران مع اسرائيل التي تركز ضرباتها في الاعوام الاخيرة على المواقع الايرانية في سوريا الموزعة راهنا بين دول عدة.