الانتخابات البلدية في خبر “طارت” للمرة الثانية

حجم الخط

كتب شربل زغيب في “المسيرة” – العدد 1740

الانتخابات البلدية في خبر “طارت” للمرة الثانية

التشريع غير المشروع!

يستمر “مسلسل” تعطيل الحياة الديمقراطية في لبنان بأجزائه التي لا تُعد ولا تُحصى على يد سلطة ترهب شعبها وتعاديه وتمنع عنه ممارسة حقوقه القانونية والدستورية، حيث تعمّدت تكريس الفراغ الرئاسي والتمديد للمجالس البلدية والاختيارية، ضاربةً عرضَ الحائط بقدسية أحكام الدستور التي تحفظ تداول السلطة باعتبار الشعب هو مصدرها ومقرّر بقاءها وزوالها في بلدٍ “ينعم” و”يتغنى” بنظامٍ ديمقراطيٍ وغير محظيّ بأدنى مقومات الديمقراطية.

في التاسع والعشرين من شهر آذار من العام الماضي أقرّ المجلس النيابي بهيئته التشريعية التمديد للمجالس البلدية والاختيارية المنتخبة في العام 2016 الى 31 أيار من العام الحالي، بناء على طلب من الحكومة اللبنانية. وفي الثالث من نيسان 2023 دعا وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام المولوي الهيئات الناخبة وفقاً للأصول القانونية، وعيّن موعد إجراء العملية الانتخابية في كل المحافظات اللبنانية في 7 أيار و14 و21 و28 منه. لكن الرياح لم تأتِ كما تشتهي السفن، فاصطدم الوزير المولوي بذريعة المعوقات اللوجستية والمادية من جهّة، وعرقلة السلطة الحاكمة والمتحكمة من جهّة أخرى.

بعدما تعمّدت هذه السلطة تعطيل جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية، اجتمعت هي نفسها في الثامن عشر من شهر نيسان 2023 خلافاً للأصول الدستورية وعطّلت إجراء العملية الانتخابية للمجالس البلدية والاختيارية بإقرار قانون التمديد لهذه المجالس لمدة أقصاها سنة أي لتاريخ 31/5/2024، وذلك بحجّة عدم توفّر التمويل اللازم لإجراء الانتخابات، على الرغم من إدراج بند التمويل على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، وتصريحات الحكومة بأن التمويل سيؤمّن من حقوق السحب الخاصة أو من مصادر أخرى.

فإن كانت الأمور اللوجستية ونقص التمويل هما العائق الأساس لعدم إجراء الانتخابات، لماذا لم تتدارك السلطة هذا الأمر مسبقاً وتقرّ في موازنة العام 2022 إعتمادات لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، علماً بأن موعد إجرائها معلوم ومعروف؟!

ولماذا تمّ تعطيل جلسة اللجان النيابية المشتركة المولجة ببحث البند المتعلّق بفتح اعتماد في موازنة العام 2023 لتغطية نفقات إجراء الانتخابات؟!

وأكثر من ذلك، هل التمويل مؤمّن للانتخابات النيابية الأخيرة وغير مؤمّن للانتخابات البلدية والاختيارية التي لا تقلّ أبداً أهمية عنها؟!

في قراءة عامّة حول تاريخ الاستحقاقات الانتخابية المتعلّقة بالمجالس البلدية والاختيارية، نرى أن لبنان شهد ستة إستحقاقات انتخابية وذلك في الأعوام 1952 و1963 و1998 و2004 و2010 و2016. وأطول تمديد عرفته البلديات كان بين عامي 1963 1998 بسبب أحداث الحرب اللبنانية، وقد صدر خلال هذه المدة حوالى 21 قانوناً قضت بالتمديد للبلديات والمخاتير وبعضها بمفعول رجعي.

وفي الرابع والعشرين من تموز من العام 1997 سُجِّلت سابقة تتعلق بالطعن بتأجيل الاستحقاق الانتخابي للمجالس البلدية والاختيارية، حيث صدر آنذاك القانون رقم 654 الذي يمدد ولاية المجالس البلدية والاختيارية حتى تاريخ 30/4/1999 بذريعة إجراء تعديلات على قانون البلديات من قبل رئيس الحكومة، لكن بعد الطعن بدستورية هذا القانون صدر قرار عن المجلس الدستوري قضى بإبطال قانون التمديد بحجة غياب الظروف الاستثنائية. فالظرف الاستثنائي هو ظرف غير متوقع ولا يمكن منعه مثلاً في حالة الحرب أو الاجتياح من قبل دولة أجنبية.

التأجيل الثاني حصل عام 2022 بناء على اقتراح من الحكومة اللبنانية بسبب عدم الجهوزية المادية والبشرية، ولتزامن الانتخابات البلدية والاختيارية مع الانتخابات النيابية، لكن للمفارقة أن هذا التمديد قد صدر عن المجلس النيابي بهيئته التشريعية وليس الانتخابية.

الأكيد أن واقعة تأجيل إجراء العملية الانتخابية للمجالس البلدية والاختيارية الى 31 أيار من العام 2024 تحت حجّة “التمويل” ليست إلّا فصلاً من “مسرحية” أحداثها معلومة مسبقاً ومخطّط لها خوفاً من نتائجها التي يمكن أن تكون صادمة لبعض مقرّبي الأحزاب الحاكمة، وقد يكون هذا هو السبب الأساس بتأمين النصاب لجلسة تشريعية «غير شرعية» تمنح التمديد لحوالى 108 مجالس بلدية و3018 مختاراً.

فهذه الواقعة هي شكل من أشكال الدولة البوليسية والديكتاتورية المقنّعة التي تفرض إبقاء الأشخاص بمناصبهم مدة طويلة من دون محاسبتهم والمجيء بأعضاء ورؤساء بلديات جدد بحسب ما تشتهي الإرادة الشعبية. فالتأجيل يُعدّ ضربة قاضية لمفهوم تداول السلطات التي لحظها الدستور اللبناني ونصت عليها المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية الموقّعة من قبل الدولة اللبنانية.

إن التمديد بشكله الحالي يُعتبر مخالفة صارخة وفادحة للدستور ومبادئه العامة، كون أن مدة ولاية المجالس البلدية محددة بنص تشريعي ولا يمكن تمديده إلا بنص تشريعي آخر، شرط أن يكون التمديد صادرًا عن المجلس النيابي بهيئته التشريعية وليس الناخبة كما هي الحال اليوم، في ظلّ الشغور الرئاسي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق أحكام المواد 73 و74 و75 من الدستور اللبناني.

بالتالي، يُعتبر هذا القانون قابلاً للطعن أمام المجلس الدستوري المخوّل مراقبة دستورية القوانين وفق المادة 19 من الدستور اللبناني والمادة الأولى من قانون إنشاء المجلس الدستوري والمادة الأولى من نظامه الداخلي. وعليه، اتخذت بعض الكتل النيابية منها “الجمهورية القوية”، و”الكتائب اللبنانية”، و”تجدد”، وبعض النواب المستقلين والتغييريين قرار الطعن بقانون التمديد الأخير أمام المجلس الدستوري، ويفترض أن تُقدَّم المراجعة خلال مهلة خمسة عشر يوماً تلي نشر القانون في الجريدة الرسمية أو في إحدى وسائل النشر الرسمية الأخرى المعتمدة قانوناً، ويتطلب لتقديمها توقيع عشرة نواب على الأقل.

مختارة ذوق مكايل جوزيان خليل أوضحت أهمية دور المختار والتي تفوق في بعض الأحيان الأهمية البالغة للبلديات، والقانون يفرض متابعة الأعمال التي تسيّر المرفق العام وتسهّل أمور المواطنين، كما أن الواجب الإنساني يحتّم على المختار الاستمرار بعمله سواء في حال الفراغ أو التمديد، لأن صلاحيات المختار واختصاصاته كثيرة ومهمة وأساسية في حياة المواطن اليومية، فهو الذي يمنح طلب جواز السفر ويُصادق عليه، وكذلك بالنسبة الى إخراج القيد وبطاقة الهوية ووثيقة الولادة والزواج والوفاة وإفادة السكن وغيرها من المعاملات والأوراق الرسمية والضرورية التي تستوجب على المواطن ان يستحصل عليها، على سبيل المثال في حال كان هناك ولادة جديدة يجب تسجيلها في دائرة النفوس في نطاق البلدة التابع لها المولود الجديد، ومن الضروري والإلزامي الاستحصال على إفادة ولادة صادرة عن مختار البلدة التي يتبع لها المولود ليُصار الى تسجيله في دائرة النفوس.

وطالما أن السلطة التشريعية أقرّت قانون التمديد، يستمر المخاتير والمجالس البلدية بمتابعة أعمالهم بشكل طبيعي، لكن المشكلة تكمن في حال الطعن به وإبطاله أمام المجلس الدستوري والدخول في حال الفراغ، آنذاك، وعلى الرغم من الواجب الذي يفرض على المختار متابعة انجاز معاملات المواطنين وتسهيلها، قد تكون الإفادة أو الورقة الصادرة عن المختار أو البلدية قابلة للبطلان بسبب صدورها بعد انتهاء مدة الوكالة الشعبية المعطاة من الشعب.

إن هذا التمديد غير الدستوري وغير المبرّر في ظلّ إمكانية تأمين التمويل لإجراء العملية الانتخابية في مواعيدها المحدّدة قانوناً، وفي ظلّ غياب أي ظرف استثنائي يحتّم التأجيل، يهدف الى منع اللبنانيين من ممارسة حقوقهم المشرّعة في اختيار ممثليهم والتعبير عن آرائهم بطريقة سلمية في صناديق الاقتراع، ويزيد من مشهدية الفوضى في المجتمع اللبناني بسبب تعمّد البعض ارتكاب مخالفات دستورية وقانونية متكرّرة، فهذا الأمر يفرض على الكتل المعارضة المضي قدماً بهذا الطعن ليُصار الى إبطاله وإجراء انتخابات في أسرع وقت ممكن. مع الإشارة الى أن الانتخابات النيابية الأخيرة حصلت في ظلّ الوضع الاقتصادي نفسه، كما أن الانتخابات البلدية والاختيارية أجريت عام 2016 في عهد حكومة الرئيس تمام سلام التي كانت بحالة تصريف أعمال وفي ظّل شغور في سدّة الرئاسة كما هو وضع حكومة الرئيس ميقاتي اليوم.

شربل زغيب ـ باحث قانوني

 

هوامش:

• مرسوم إشتراعي رقم 118 تاريخ 30/6/1977 وتعديلاته.

• حقوق السحب الخاصة هي أصل احتياطي دولي استحدثه صندوق النقد الدولي عام 1969 ليُصبح مكملاً للأصول الرسمية الخاصة بالبلدان الأعضاء. تسلّم لبنان عام 201 مبلغ 1,135 مليار دولار أميركي بدل حقوق السحب الخاصة وأنفق حتى الآن حوالى 375 مليون دولار منها لدفع مستحقات القروض الخارجية وشراء الأدوية للأمراض المستعصية والمستلزمات الطبية وحليب ومواد أولية والقمح والطحين وصيانة معامل الكهرباء ومنشآت ضرورية في مطار بيروت الدولي وإزالة مواد كيماوية من منشآت النفط في طرابلس وغيرها من النفقات.

• بحسب أرقام حديثة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي «UNDP» يوجد في لبنان 1059 بلدية فيها 12 ألفاً و741 عضوًا. وبعد الانتخابات البلدية الأخيرة عام 2016، أصبحت 108 بلديات، بعضها منحلة يديرها القائمقام أو المحافظ، أي بنسبة 10 في المئة من عموم البلديات.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل