12 عاماً تقريباً مرَّت على تعليق عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية، في تشرين الثاني العام 2011، مع فرض عقوبات سياسية واقتصادية عليه آنذاك. وذلك، بعد مقابلة بشار الأسد انتفاضة شعبه عليه وعلى ظلمه وبطشه، بالحديد والنار والقتل والتهجير، واستفحاله في تدمير مدن بكاملها على رؤوس أهلها.
ثمة نوايا صادقة كثيرة وراء الانفتاح المشروط على “نظام البراميل المتفجرة” على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ على مدى نحو 12 عاماً. ويمكن وضعها في سياق الحرص والتحسُّس بالمسؤولية تجاه آلام الشعب السوري جرّاء الأزمة، ولعب دور عربي على هذا الصعيد. لكن من السذاجة والوهم أن يجنح البعض لاعتبار ذلك شيكاً على بياض لنظام الأسد.
وتنصح مصادر سياسية متابعة، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، “بعض المتحمِّسين في لبنان لعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، بقراءة متأنية لبيان وزراء الخارجية العرب، الأحد الماضي، في القاهرة، والذي قرَّر (استعادة سوريا عضويتها واستئناف مشاركتها في اجتماعات مجلس الجامعة، اعتبارا من اليوم)، بعيداً من البطولات والعنتريات وأوهام الانتصارات الخائبة”.
وتلفت المصادر ذاتها، هؤلاء، إلى “تركيز البيان على الشروط المطلوبة من النظام، لناحية الالتزام بالحل السياسي الشامل وفق مرجعية قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومعالجة ملفات النازحين وتهريب المخدرات وغيرها”.
وتشير، إلى أن “الطريق طويل أمام النظام للتطبيع مع الدول العربية، ويبقى مشروطاً بالحلّ الشامل للأزمة السورية، وبخريطة طريق أكد البيان تركيزها على ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج حول حل الأزمة، والإصرار على مبدأ الخطوة مقابل الخطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 بمواصلة الجهود التي تتيح توصيل المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين في سوريا. ما يعني أن العرب يدركون أن النظام جزء من الأزمة في سوريا، ولا هدايا مجانية له بل سلسلة شروط ملزمة، بالتالي هو تحت المراقبة لناحية التنفيذ”.
وبرأي المصادر عينها، أن “المحرك الأساسي لبعض الدول العربية والمبادرة تجاه نظام الأسد، هو مستوى التحلُّل الذي بلغته الأوضاع في سوريا وما سبَّبته من معاناة للشعب السوري. فضلاً عن النية بلعب دور قيادي عربي في محاولة إيجاد حلول للأزمة، وعدم ترك سوريا ساحة مستباحة للمشاريع الخارجية”.
وتسأل، “إلى أي حدٍّ يملك بشار الأسد قراره وسلطته وسيادته، وفق ما يطالبه به العرب ببسط السلطات السورية سيطرتها على كامل أراضيها، في ظل خضوع سوريا لاحتلالات متعددة، إيرانية وروسية وأميركية وتركية وإسرائيلية؟ والجواب واضح لجهة ضعف الأسد تجاه هذا الأمر الواقع الذي يبقى أسيره، بالتالي (بعد بكّير ع الاحتفالات)”.
وتقول، “هل بهذه البساطة سينقلب الأسد على الـ12 عاماً الماضية، ويقوم بإخراج إيران من سوريا، في حين نرى طهران تتمدَّد بمباركته من خلال سيطرتها على مناطق واسعة وشرائها مساحات شاسعة من أراضي السوريين الذين قام الأسد وجيشه بتهجيرهم من أرضهم وفاق عددهم في بلاد النزوح الـ10 ملايين سوري، بالتواطؤ والتكافل التامَّين مع إيران وميليشياتها؟”.
وتضيف، “لعلَّ في زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قبل أيام إلى دمشق وتوقيعه مع الأسد عشرات الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية التي تقيِّده، خير جواب على مدى قوة الأسد وامتلاكه لقراره. فهذه الزيارة لرئيس إيراني إلى دمشق، والتي كانت منتظرة منذ سنوات، امتنعت طهران عن مكافأة الأسد بها، ولم تتحقَّق إلا بعد تسليم الأخير بما يطلبه الإيرانيون من نفوذ واستثمارات وسيطرة في سوريا”.
وتلفت المصادر نفسها، إلى “الموقف الأميركي الذي اعتبر أن رئيس النظام السوري بشار الأسد لا يستحق العودة إلى الجامعة العربية في هذه المرحلة، مشككاً في استعداده لحلّ الأزمة السورية. بالإضافة إلى الموقف الأوروبي المعترض وغير المرحِّب. من دون أن ننسى روسيا الموجودة بجيشها وقواها العسكرية، فهل تخرج من سوريا بهذه البساطة أو تضع فرقها العسكرية والأراضي الواقعة تحت سيطرتها بإمرة الأسد؟ ليبسط سلطته؟”.
وتنوِّه، إلى أن “دولاً عربية عدة، إما مترددة أو رافضة للهرولة إلى التطبيع مع النظام السوري”، لافتة إلى “قطر التي أعلن المتحدث باسم خارجيتها ماجد بن محمد الأنصاري، أن (موقف بلده من التطبيع مع نظام الأسد لم يتغير، ويبقى مرتبطاً في المقام الأول بالتقدم في الحل السياسي، وعليه معالجة جذور الأزمة التي أدت إلى مقاطعته وأن يعمل على اتخاذ خطوات إيجابية تجاه معالجة قضايا الشعب السوري وتحقيق تطلعاته)”.
وتوضح، أنه “حتى الأردن المتسامح نسبياً مع عودة النظام إلى الجامعة، على خلفية عبء النزوح السوري على أرضه أولاً، لم يتردد وزير خارجيته أيمن الصفدي بالتهديد بتنفيذ بلاده عملاً عسكرياً داخل سوريا لمنع تهريب المخدرات، مؤكداً أنه إذا لم نشهد إجراءات فعالة للحدّ من هذا التهديد، سنقوم بما يلزم لمواجهته، بما في ذلك القيام بعمل عسكري داخل سوريا للقضاء على هذا التهديد الخطير للغاية”.
بالتالي، “ليهدأ المتحمِّسون الواهمون”، وفق ما تقوله المصادر، مضيفةً أن “ما يحصل من تغيّرات في المنطقة تحتاج بلورته إلى سنوات. ومن الواضح أن القاطرة الكبرى هي عربية بامتياز نظراً لامتلاكها للمقدرات الأضخم، بالتالي هي الأقدر على توجيه المسار. في حين، يبقى معسكر الحروب مأزوماً، وأنظمة الاستبداد غارقة في الأزمات التي لا خروج لها منها إلا بإعادة قراءاتها ودفع أثمان معينة لانتشالها من وضعيتها”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية