في آخر المواقف الأميركية المتعلقة بإعادة النظام السوري الى مقعده في #الجامعة العربية وإعادة تعويمه، أعلن البيت الأبيض أن “واشنطن لن تطبّع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وأن العقوبات الأميركية على #سوريا ستظل سارية بالكامل”. وأشار الى أننا “أبلغنا شركاءنا بعدم نيّتنا التطبيع مع الأسد، ولكننا نتفق معهم بشأن الأهداف التي يريدونها من الانفتاح مع سوريا”. وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتل، في وقت سابق، قد علق على قرار جامعة الدول العربية استئناف مشاركة وفود حكومة النظام السوري في اجتماعاتها، معتبراً أن “الأسد لا يستحق تطبيعاً للعلاقات إثر النزاع الدامي في سوريا”.
ويقول مراقبون ديبلوماسيون إن قرار جامعة الدول العربية أثار خيبة أمل واضحة لدى الولايات المتحدة فيما موقفها لا يبدو صارماً أو حازماً بالكامل استناداً الى أنه تدرّج من الرفض الكلي للتطبيع مع الأسد إلى حض الدول العربية التي كانت صارحت واشنطن بذلك خلال زيارات مسؤوليها للمنطقة أو بالعكس بضرورة الحصول على الأقل على التزامات سورية صارمة مقابل إعادة تعويم الأسد كما جاء على لسان مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف. وقد رأى البعض في الانقسام الحاصل بين الدول العربية إزاء الانفتاح على النظام مجدداً ومن بينهم حلفاء أساسيون لواشنطن التقاءً مع وجهة النظر الأميركية وحتى دعماً لها. الإشكالية في التفهّم الذي أظهرته واشنطن وتأكيدها أن العقوبات ستبقى سارية المفعول تتصل بما إن كان الانفتاح العربي سيكون متاحاً بضخ استثمارات في سوريا أم أن استمرار سريان العقوبات سيؤثر على هذا الانفتاح ويقيّده. فالعقوبات لا تزال تمنح الولايات المتحدة ورقة ضغط قوية يعتبر البعض أنها قد تساعد الدول العربية من أجل تحصيل تنازلات من النظام الذي عبّر وزير خارجيته إبان اجتماع عمان عن شروط من بينها سعي الدول العربية لرفع العقوبات الأميركية والغربية عموماً عنه. وواجهت إدارة الرئيس جو بايدن أخيراً مطالب وضغوطاً من الكونغرس لعدم التساهل بذلك وحتى بالتطبيع مع النظام فيما يرى بعض المراقبين أن لغة التخاطب المتساهلة أو المرنة التي اعتمدتها واشنطن تعود من جهة لتفهّمها ما يجري في المنطقة ولعدم قدرتها على الانخراط مباشرة في أيّ حل في ظل مشاطرتها الدول العربية القلق من أن الستاتيكو المستمر في سوريا يخدم راعيي النظام أي روسيا وإيران فحسب. واضطرارها الى التذكير بالعقوبات وسريانها يرتبط بواقع الضغوط الداخلية ولكن أيضاً بواقع أن رؤيتها للنظام وإدانة أفعاله التي اعتبرتها واشنطن ترقى الى جرائم حرب لا ينبغي أن تُترجم تساهلاً أو ضعفاً أو تجاوزاً لموقف الولايات المتحدة. فأمام عينيها كما أمام أعين دول الاتحاد الأوروبي تجري الحرب الروسية على أوكرانيا فيما ينادي قادة غربيون بمحاسبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ما ترتكبه قوّاته في أوكرانيا ومسؤوليته المباشرة عن الجرائم التي تُرتكب فيها. فإرساء قاعدة أو سابقة الإفلات من العقاب في هذا التوقيت يبدو رسالة غير مناسبة توجّهها الولايات المتحدة والدول الأوروبية ولا سيما أن الأسد ترعاه روسيا كذلك وتعتبر الانفتاح عليه انتصاراً لها كما انتصاراً له. وقد اعتبرت الصحف الروسية إعادة الأسد الى الجامعة العربية إنجازاً لروسيا وسياستها الخارجية، فيما بعض الدول الأوروبية كما الولايات المتحدة أعادت التذكير في معرض رفضها التطبيع مع النظام بأنه ارتكب جرائم حرب، وهو ما يُفترض أنه يحرج الدول العربية لتجاوزها هذا الأمر.
يرى بعض المراقبين أن تذكير واشنطن بالعقوبات يثير تحدّياً أمام الدول الخليجية الراغبة في فتح صفحة أكثر انخراطاً في سوريا من العلاقات الديبلوماسية فحسب. ويفترض أن هذه الدول ستراعي الحليف الأميركي ما لم يكن هناك غضّ نظر أميركي غير معلن علماً بأن ثمة من يقول إن التحدّي الإماراتي أو السعودي لقرار العقوبات قد يحرج الولايات المتحدة لأنه يثير إشكالية أمامها لجهة فرض عقوبات على شركات للحكومة الإماراتية أو للحكومة السعودية تخرق #قانون قيصر. ولكن شركات كثيرة ستأخذ في الاعتبار هذا الموقف الأميركي ولا يُعتقد أنها ستتجاوزه لجهة إجراء معاملات أو استثمارات كبيرة مع النظام خشية الخضوع للعقوبات. ولكن هذا يتعلق فعلاً بالرسالة التي وجّهتها واشنطن لحلفائها ومدى حزم مضمونها في هذا الإطار أو ربما مدى توزيع الأدوار بينهم كذلك. وهذا سينتظر الترجمة العملانية في المرحلة المقبلة وأي اتجاه ستسلك الأمور على هذا الصعيد.
وإزاء مسارعة سياسيين وقوى لبنانية الى التهليل لإعادة النظام الى الجامعة العربية ودعوتهم الى إعادة ترتيب العلاقات معه على كل الصعد بذريعة بحث موضوع النازحين السوريين، حتى استباقاً لأي سياسة قد يعتمدها العهد الرئاسي المقبل، يثير المراقبون تساؤلات إزاء إمكان تجاوز لبنان قانون قيصر فيما يلقي أهل السلطة فيه تبعة العجز عن الحصول على إمدادات الغاز من مصر والأردن من أجل الكهرباء على العقوبات الأميركية لا على تقاعسهم عن تلبية شروط البنك الدولي. ولكن في حال التسليم جدلاً بأن العقوبات الأميركية هي العائق، فإن هناك تسرّعاً في استباق المراحل لغايات وأهداف مختلفة بحيث سيضطر لبنان حكماً الى استظلال أي خطوة عربية انفتاحية على النظام لكي يقوم بالمثل. وقد يضطر الى الانتظار طويلاً ربطاً بمدى إصرار الإدارة الأميركية على تأكيد موقفها والضغط من أجل حجب استفادة الأسد من أي تطبيع معه قبل تطبيقه شروط الحل وفقاً للقرار 2254.