تمرّد المرأة… حقّ

حجم الخط

لن أتدخّل، في هذا النصّ، بمعتقدات مذهبيّة، أو بقناعات طائفيّة، ولن أتطرّق الى قضية التزمّت، والأصوليّة، والتعصّب، لكنّني، وبعد ما جرى في واقع مفروض، أريد أن يكون كلامي هزّةً نوعيّةً على صعيدين هما: حقّ المرأة، وما ينسج للوطن، علّ إشارتي توقظ الغافلين عن التعدّي السّافر على الحريّة والمساواة، وعن نيّة الانقلاب على ثوابت البلاد الوطنيّة.

في زمن الانفتاح، والحريّات غير القابلة للقسمة والتّمييز، نرانا، وللأسف، نعود الى عصور الصّدأ، والمفاهيم الممسوخة، وتزييف البديهيّات، بثقافة محفوفة بالأخطار، تقرصن الحقوق، وتكتم أنفاس الحريّة، وترجعنا الى عهد نخاسة المرأة، وبخس إنسانيّتها حتّى الإذلال. إنّ العقل المرتدّ المتمسّك بدونيّة المرأة، والمسوّق لتعنيفها، هو نفسه الذي انبرى، وفي ظلّ حتميّات ليست حتميّة، ليمنعها من ممارسة حقّها في اختيار ما يتّفق وقناعاتها. وانطلاقاً من منطوق بعض التخرّصات والمواقف التي تعتبر المرأة جزءاً أعوج من ضلع الرّجل، شنّ عليها عنفٌ غير مبرّر، لم يظهرْ سوى سلوك مرضيّ لا يمكن تفسيره إلّا في إطار القهر، والإكراه، والتّمييز، والفوقيّة العدوانيّة.

إنّ هذا الاعتداء على حريّة المرأة، لا تقتصر مفاعيله على شخصها فقط، بل تطاول شخوص المجتمع، هؤلاء الذين يكنّون للمرأة احتراماً، وتقديراً، وإجلالاً، ويرون إهانة الجناة إيّاها عاراً يلطّخ جبين الإنسانيّة، وضمير الحضارة، ويعيد الزمن الى عهود الملل، والرجعيّة، والقوقعة، حيث المساواة رخوةٌ هشّة، والتّكافؤ بين الجنسين مفقود، وكأنّ المرأة من الرّعايا. لقد صادر المشنّجون حركة الحقوق، وغيّبوا مبدأ الحريّات، وأعادوا إنتاج استبداد ينتهك العدل، وميثاق التّساوي بين النّاس، ويشوّه وجه وطن بينه وبين كرامة الإنسان تلازمٌ تلقائيّ، من هنا، فما قام به مسيّبو حقوق المرأة، ممّن يعوّلون على الطبقيّة الرجعيّة، من إرشاد قبيح في ما يحقّ للمرأة وفي ما لا يحقّ لها، نوّموا لبنان في كهوف التعفّن، وأكّدوا إدراجه على لائحة إرهاب المرأة، وهذه جريمةٌ موصوفةٌ ينبغي الاقتصاص ممّن اقترفها.

أمّا ما ينسج للوطن، في غياب حكم يصون كرامة الشّعب، وسيادة الأرض، ويقف في وجه قرار شلّ الدولة، فحربٌ باردةٌ معروفة الخيوط والأهداف، ترمي الى إخضاع البلاد لسياق سلطانيّ يقود الى ضرب مفهوم الوطن، والكيان، والهوية، والبقاء. وإذا كانت هذه المفاهيم مقدّسةً عند البعض، ومعتبرةً ثوابت تحصّن وجود لبنان، فالبعض الآخر، بممارسات هجينة، حكم عليها بالإعدام، واختزل البلد، دولةً وشعباً وسلطةً وقراراً، به، وبذلك، لم يعدْ لوجود الدولة أيّ اعتبار.

من الواضح أنّ تسلسل الأحداث التي فرضت نفسها على الساحة، من أعمال ترهيب وتسيّب، وتعطيل لانتخاب رئيس للجمهورية، الى القبض على الأجهزة، والمؤسّسات، مروراً بإنهاك الوضع الاقتصادي، والتربوي، والاستشفائي، والسّياحي، واحتكار مقوّمات العيش والدّواء، وانتهاءً ( آنيّاً ) بحادثة صيدا، لم يكن ذلك لمصلحة المشاركة، والاستقرار، وبناء وطن، بل طريقاً لزعزعة الثّقة بالنّظام، مقدّمةً لسقوطه، لترتفع على أنقاضه شرعةٌ بديلةٌ تقضي على الوطن ومقوّماته التي لطالما اتّفق عليها، وإنْ تمويهاً.

إنّ حادثة صيدا تندرج في إطار هذا الانقلاب الخلّاب، ولكن من العيار العالي، فالخطّ البيانيّ يبيّن تطوّر الحراك الذي يثبت، بما لا يقبل الشكّ، بأنّ الوطن كيانٌ معرّضٌ للمخاطر، وأنّ المسألة اللبنانيّة هي عنوانٌ بلا مضمون، وأنّ العلاقة مع مبدأ الولاء تقف عند حدود اللّفظة فقط، وأنّ وضع اليد على مقوّمات الدولة، من جانب المستقوين، ليس بدعةً، وأنّ إفراغ السلطة بشلّها المقصود قد غزا المشهد السياسيّ بل الوطني.

لم تكن حادثة صيدا نتيجةً لانفعال ذكوريّ، بقدر ما كانت رسالةً مدبّرةً، ولكن بلا لهجة ناعمة، أو رافعةً يستشفّ منها أنّ لبنان مقسّم، أو في طور التّقسيم، ما يخلق غيتوات محظورةً على غير المنتمين اليها، دينيّاً، الآن، وطائفيّاً، بعد ذلك، وعنصريّاً بعد بعد… والانقضاض سيحدث، لا محالة، متى أصبح الظّرف مؤاتياً.

أمام هذا الواقع الذي لا يستطيع أحدٌ إنكار حيثيّاته، هل التفرّج يخرج الوطن من عنق الأزمة؟ والتفرّج يفضي الى تثبيت تبعيّة لبنان الى محور جهنّم. وهل التّصريحات الشّعبوية التي لم تعدْ تمغنط أحداً، يسري عليها غير عنوان ” الى الوراء سرْ “؟ أيّها السياديّون، وأركان المعارضة، وقبل أن تسدل السّتارة على ما بقي من لبنان، لتلوح طقوسيّةٌ بائدةٌ، غريزيّةٌ، إلغائيّة، تسلّم مفاتيح الوطن الى عرّابين مغرضين، أنطقوا عنفوانكم مواجهةً، وفتّقوا أكمام صمتكم دويّاً، واصرخوا في آذان الشّرق والغرب، وعلى منابر النّاس في كلّ مطرح، لتعود ثقة ناخبيكم بكم، وكوكبوا أقطار الدّنيا حول قضيّة لبنان، وإلّا فأبغض الحلال غصْبٌ…

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل