جيسي عيراني لرمزي: “دايماً بشتقلك”

حجم الخط

على خطى رمزي. هكذا عنون رفاق الشهيد يومهم في الطبيعة، وهناك في الجرد العالي غرزوا في الوعر أرزة على اسمه، ليعلنوا على الشهيد الوفاء والبقاء في قلب القضية. 21 عاماً مرت على استشهاد رمزي عيراني، ومذذاك الوقت وهم يمشون على خطاه، ويزرعون الدرب من حضوره القوي، وحضور رفاقه الشهداء.

كيف يحضر شهيد أوغل في غيابه كل تلك السنوات ولم يغب بعد يوماً؟ “كأن اليوم، كأن الـ21 سنة مبارح” تقول جيسي عيراني زوجة الشهيد، “بحب لقبي، زوجة رمزي عيراني، قلبي بيكبر بس يندهولي أو يكتبوا عني هيك”، تقول جيسي، التي لا تزال مذ تلك اللحظة المدمرة التي اختطف فيها رمزي وعاد اليها شهيداً، تعيش في حضوره القوي من حولها، يحاصرها في كل الأوقات، يخاطبها، يرافقها في كل الخطوات. “في شي أقوى من الصلا في روح بترافق من تحب، رمزي يرافقني دائماً، روحو معي موجودة لم تفارقني لحظة. قبل أن أعيش التجربة كنت أقول كيف لم ينس الناس بعد الشيخ بشير؟ مات منذ سنين وكل سنة يستذكرونه بالقداس؟! ولما استشهد رمزي وعشت التجربة إياها فهمت لماذا لا ينسى الرفاق شهيدهم، وفهمت معنى كلمة حي فينا. بشير حي في نضال آلاف المناضلين، ورمزي حي في قلوب رفاقه وفي ضمير القضية التي استشهد بسببها ولأجلها”، تقول ام جاد وياسمينا.

21 عاماً مرت على اختطاف الجهاز الأمني اللبناني السوري للمهندس المناضل في “القوات اللبنانية”، الذي لم يتحمّل عملاء بشار الاسد نشاطه بين الطلاب والمهندسين، خافوا منه ومن تأثيره القوي ومن تلك الشخصية الآسرة بحضورها في القضية لأجل “القوات” ولأجل تحرير المعتقل سمير جعجع، فخطفوه وقتلوه وبدأوا مع زوجته جيسي مسيرة تضليل متوحشة بهدف تغطية جريمة اغتياله وتحوير مسار نضاله وتشويه سمعته. “وحوش بكل ما للكلمة من معنى، حاولوا تضليلي للتغطية على جريمتهم، حاولوا تشويه سمعته ونشر إشاعات كاذبة عنه، ما بنسى الـ15 يوم الجحيم ولحظات التحقيق، جرجروني مرات ومرات الى التحقيق للإيحاء بأنهم يقومون بعملهم، بينما كان رمزي اغتيل وانتهى الموضوع”، تقول السيدة الشجاعة المقاومة، والتي لا تزال حتى اللحظة تنتظر العدالة.

المفارقة أن القتلة الأحياء هم أموات في عيون الناس وضميرهم، يسكنون قعر الاحتقار، بينما، أين رمزي؟ “ما يفرحني أن رمزي لا يزال نابضاً في قلوب الرفاق والناس تفكر به دائماً، استشهد من هم أهم منه بالتأكيد، لكني لا أشعر بقوة وجودهم كما هو رمزي موجود، يفاجئني حضوره القوي المتواصل، ومن هنا أشعر بقيمة شهادته، شهادة صافية نقية لأجل قضية كبيرة صافية، لست أنا من أكرّمه، فهو موجود دائماً معي، إنما القوات اللبنانية هي من يفعل، هي التي جعلت من رمزي قضية لا تموت ولن تموت”، تقول جيسي بفخر كبير.

في كل أيار من كل سنة، وقبل انتشار وباء كورونا، خصص قطاع المهندسين في “القوات اللبنانية” جائزة سنوية على اسم رمزي عيراني، كانت تُمنح لعدد من الطلاب المتفوقين، وكانت جيسي مع عدد من أصدقاء رمزي المقربين، ومن بينهم النائب القواتي نزيه متى، يهتمون بالتفاصيل كافة، “قبل ما يوصل أيار كنت أشعر بضيق كبير لأني كنت أخشى أن يحصل تقصير ما في حفل تكريمه وما شابه، لكن طبعاً كانت دائماً المناسبة تليق بذكرى رمزي وبالقوات اللبنانية، وكل سنة كانت لتكون أفضل من سابقاتها، هيدا فائض حب للشهيد، لأن اصرار القوات ورفاقه على تكريمه يجعله حاضراً وبقوة، ولولاهم لانطفأت شعلة رمزي. يوم دفنه كان 21 أيار أي عيد القديسة ريتا، للتاريخ رمزيته الكبيرة بالنسبة الي، هي شفيعة الأمور المستحيلة ومن المستحيل ان ننسى رمزي وان تنسى العذراء قضية لبنان، أنا هيك اؤمن”.

لماذا لم تتزوج جيسي عيراني الأرملة الصبية الأم لطفلين؟ “أتزوج؟ مستحيل. أنا ما طلعت من رمزي بعد، وأنا فخورة أني بقيت كما أنا، زوجة مغرومة بزوجها الغائب الحاضر دائماً، وأولادي هم فخري الكبير وقوتي الكبيرة، بيكبر قلبي بتفكيرهم الرائع وبانتمائهم اللامتناهي لوالدهم. ربي أخذ منا رمزي بالجسد لكنه منحني اولاداً كل منهما رمزي آخر، علماً أن أولادي يشجعونني على الزواج، وأعلم أن إشاعات كثيرة تدور من حولي أحياناً، ولكني لا أكترث، أنا زوجة رمزي عيراني وانتهى الموضوع”.

جاد وياسمينا، عيون رمزي وقلبه النابض بالحياة، مين خلّف ما مات؟ تضحك جيسي، “أكيد أكيد، أنا وولادي كتير أصحاب، ربيتهما على الفرح والعنفوان، أبعدتهم قدر الإمكان عن الحزن، أردت أن يعيشوا ذكرى رمزي بعنفوان وإقبال على الحياة، هم أولاد رمزي ويجب أن يكونوا مثله، كبار في المحبة والإيمان والعنفوان وفي الفرح ايضاً. لما كانوا اطفالاً كنت أرفض مشاركتهم بالقداس على نية رمزي كي لا أغرقهم بالأسى، ولما كبروا صاروا يشاركون، حاولت أن أبقى دائماً القوية بنظرهم، أولادي هم أفضل أصدقائي، يحملون قلب والدهم الشجاع، وكل قيمه الرائعة”.

وبعد 21 عاماً على الغياب، ماذا تقول جيسي لرمزي؟ “مشتاقة كتير لرمزي، خصوصاً أني أتحاور معه كثيراً في هذه الأيام، ودائماً اسأله لماذا تركتنا. ضيعانو رمزي كان إنساناً لا يتكرر، إنسان كبير في كل شيء، في أخلاقه في قيمه في تعاطيه مع عائلته، كان رائعاً، ضيعانو لبيته لأصدقائه لقضيته لوطنه”.

وأين العدالة لرمزي؟ “لبنان وعدالة؟! شوي صعبة، لكن ولو بقي من عمري نهار سأعيشه لأجل تحقيق تلك العدالة المفقودة، لأجل رمزي ولأجل كل من اغتيلوا مثله بسبب انتمائهم لقضية عادلة”، تقول جيسي.

هل مات رمزي عيراني؟! انظروا الى عيون جيسي وجاد وياسمينا وجورج العاقوري ونزيه متى وسعيد الاسمر ودانييل سبيرو ورفاق ورفاق، تعرفون أن رمزي لا يموت، وأن شهداءنا لا يموتون مرتين، مرة بالاغتيال وأخرى بالنكران، هم أحياء للأبد فينا.​

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل