أولادنا أسرى الغضب السريع… حذار!

حجم الخط

كتبت ساسيليا دومط في “المسيرة” – العدد 1740

عدوانية، سلوكيات سلبية، فشة خلق سريعة

أولادنا أسرى الغضب السريع… حذار!

 

تتجنب سميرة التوجّه بالحديث إلى ابنها الأصغر جورجي، البالغ من العمر عشرين عاماً، «ما حدا يحكي معو، بعد في هالطاولة، بلا ما يعصب ويفش خلقو فيا ويكسرا»، فهو كلما طلب أحد منه شيئاً أو أعطاه ملاحظة، يتوتر ويصرخ وينفعل تخريباً وتكسيراً، حتى أصبح الجميع يتجنبونه. “متل بيو، يعيش وياخد عمرو” تقول الوالدة، “كل الناس كانوا يخافوا منو، ضارب نص الناس اللي كانوا بالحي وقتا بسبب وبلا سبب”. غضب غير موصوف، فهل يكون نتيجة جينات متوارثة أم واقع إجتماعي مهزوز؟

يجد معظمنا ما ورد سابقا، مألوفاً، فالغضب والعدوانية يكادان يصبحان أمراً طبيعياً تخاوينا معه كلبنانيين في حياتنا اليومية. ما هو الغضب؟ ما هي العدوانية؟ هل هما توأمان لا ينفصلان؟ هل من الطبيعي العيش مع هذه الانفعالات؟ ما أسبابها؟ ونتائجها على الصعيد الصحي والنفسي والعلائقي؟ وهل من الممكن التحكّم بها؟

الغضب من المشاعر والانفعالات الطبيعية التي نعيشها، مثل الحب والكره والفرح والحزن، ولا بد أن نكون جميعاً قد اختبرناه في ظروف ومراحل مختلفة من حياتنا، لكننا نتعاطى معه بطرق مختلفة، بحسب قدرتنا على التحكّم، سيطرة المنطق لدينا، الموضوعية والبيئة التي عشنا ونعيش فيها.

نشعر بالغضب في داخلنا كاستجابة لسبب معيّن، قد يكون معروفاً أو مخفياً علينا، متعلقاً بنا شخصياً أو بالآخر، أو بالظروف المحيطة أحياناً. قد نغضب بسبب انفصال أو طلاق أو فقدان أحد الأشخاص العزيزين، كما بسبب حاجتنا للحب والاهتمام، أو بسبب الوحدة والفراغ. كما قد نعاني من الشعور بالغضب بسبب طول معاناة نفسية أو صحية أو اجتماعية واقتصادية. قد نغضب عندما نفقد الأمل بوظيفة مناسبة، عندما نحاول أن ننجح مراراً وتكراراً، وعندما تعاكسنا الظروف من دون أسباب منطقية، وقد نكتسب الغضب ممن تربينا على أيديهم أو أثروا بنا، أو حتى من البيئة التي نحيا فيها في الوقت الحاضر.

للبنانيين حالة خاصة

لو تأملنا بأسباب الغضب لوجدنا بأننا كلبنانيين نعاني منها جميعاً، فمن منا لم يغضب بسبب العجز المادي؟ تراجع قيمة الليرة ووضع المصارف والغلاء الفاحش المترافق مع غياب فرص العمل وتدني المعاشات؟ من منا لا يعيش صراعات علائقية في العائلة والعمل ومع الزملاء والأصدقاء، في ظل الضغوط النفسية القاهرة؟

نعيش غالباً مشاعر الغضب مترافقة يداً بيد مع العدوانية، التي قد نعكسها على أنفسنا أو على الآخر أو على المكان والأشياء. إن العدوانية سلبية كما الغضب، مهما كانت أشكالها. فلو أخفيناها داخلنا وصمتنا ظهرت من خلال أعراض جسدية ومرضية، كما إحباطاً وقلقاً واضطرابات في النوم والشهية، وارتدّت خلافات وصراعات شخصية مع الجميع. إلا أن العدوانية على الآخر من إهانات وتجريح وضرب، أو على الأشياء والمقتنيات كالتكسير والتحطيم، لا تحمينا من الأعراض الجسدية المترافقة، من ضربات قلب سريعة، ضيق تنفس، ارتفاع ضغط الدم، ارتفاع مستوى السكر، ارتجاف جسدي…

نلاحظ أحياناً أطفالاً يعانون من الغضب ومن ردود فعل عصبية، فما الذي قد يتسبب بذلك لدى طفل بريء؟ قد يعاني الطفل من الإهمال والحرمان، على صعيد العاطفة والاهتمام من قبل الأهل، أو قد يكرر بشكل أوتوماتيكي ما يمارسه الأهل من تصرفات وانفعالات معه وأمامه من باب التشبّه بهم.

أما المراهقون والشباب، فتحاصرهم الأزمات في وطننا من كل حدب وصوب، يفهمون هموم الحياة ويعانون مشاكل الأهل وصراعاتهم، كما عدم الاستقرار على المستوى التعليمي والاقتصادي، بالإضافة إلى الشعور بالذنب بسبب عدم قدرتهم على المساعدة، والشعور بأنهم أعباء على الأهل من جهة، ومرفوضون وغير مفهومين من جهة أخرى. لو تأملنا جيداً، لوجدنا أن الشباب والمراهقين يعانون من كثرة الإنفصالات مع أبناء جيلهم، وعدم الثبات والاستقرار في العلاقات، ما قد نربطه بردود الفعل العصبية والانفعال السريع.

ويضيع الآباء والأمهات بين الكبت والصمت والصبر والانفعال في وفرة من الضغوط التي لم يعودوا قادرين على استيعابها وحلها لكثرتها، فتتزايد الخلافات الزوجية بشكل دراماتيكي، الإنفصالات داخل العائلة الواحدة، فقدان الطاقة الإيجابية وغيرها…

خطوات لتخفيف التوتر

ينتج عن الغضب والعصبية كبت، جرح، إهانات، تكسير، تدمير، أذى نفسي وجسدي قد يصل إلى درجة القتل المباشر أو الانتحار، فكيف نتعامل مع الغضب؟ كيف نخفف من تأثيره المدمّر على أنفسنا وعلى الآخرين؟

ترتبط مشاعرنا بشكل مباشر بشخصية كل منا، طباعه، بيئته، حالته النفسية والجسدية، وغير ذلك من عوامل، إلا أننا نستطيع إدارة مشاعرنا وردود أفعالنا، أياً كانت، وذلك من خلال الوعي وتحكيم العقل والمنطق، كما اللجوء الدائم للتفكير الإيجابي والسلوك المسالم والمتعاون؛ فلو أخذنا بالاعتبار بأن الغضب شعور سلبي، سوف يقود إلى سلبية نفسية وسلوكية وعلائقية، ندرك أن علينا التحكّم به، خصوصاً عندما نتأكد من أن ذلك ممكن، عن طريق:

عدم التعامل مع الضغوط بشكل سلبي.

الثقة بأن بإمكاننا دائماً إيجاد حلول ولو كانت جزئية.

الإدراك بأن الغضب والعدوانية لا يحملان إفادة أبداً.

التدرّب والتعود على رؤية الأمور انطلاقاً من العقل والمنطق.

عدم الاستسلام للغرائز، ومنها الغضب.

التركيز على ما نملك وليس على ما خسرنا.

كبت جنوح “الأنا” وتقبّل وجود الآخر.

التسليم بأنه لا بد من الطوارئ في الحياة.

قبل القيام بردود فعل، التفكير بسبب تصرّف الآخر على هذا النحو، وليس فقط التفكير بالذات.

سرعة التأقلم مع المتغيّرات للتمكّن من التعاطي معها.

نقع جميعاً أسرى لمشاعر الغضب، لكن علينا أن نبذل أقصى جهدنا كي لا تحوّلنا إلى وحوش كاسرة، تجتاح صحة الغير النفسية والجسدية. فلنعِ خطورة اجتياح الغضب لمشاعرنا وسلوكياتنا، ولنتخذ القرار الفوري بعدم السماح بذلك، لنترك الإنسانية في داخلنا تنعم بالسلام والهدوء والمسامحة، كلنا نستحق أن نعيش المشاعر الإيجابية من رضا وتقبّل، ما يسمح بالتفكير السليم ويثمر علاقات ود على مستويات العمل والعائلة والحب.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل