حكي صادق من البرامج الجريئة التي أتابعها خاصة أنني من المعجبين بالمعدة والمقدمة ديما صادق الجريئة المقاتلة المناضلة التي وبعد كل حلقة أقول، الله يسترها، بسبب المواضيع الخطيرة التي تطرحها وطريقة مقاربتها لها.
لكن بسبب التوقيت الجديد لبث الحلقة الأخيرة التي لم أستطع متابعتها، عدت وبالصدفة شاهدت عرض الإعادة ليلة السبت، وعلى الرغم من عدم وجود أدنى شك في النية الصافية للمذيعة وجهدها الواضح في شدّ عصب المعارضة التي يعول عليها الكثير من اللبنانيين، لكن من الضروري توضيح مقاربتها لبعض المحطات التاريخية الإستراتيجية التي تطرقت إليها والتي عيّبت على قائد القوات اللبنانية سمير جعجع كيفية التعامل معها، كما تعامله اليوم مع بعض الأحداث، بقراءة خاطئة، بحسب السيدة ديما.
أولاً، بموضوع اتفاق الطائف واجتياح صدام حسين الكويت، والرد هنا لكل مَن لا يعرف ظروف هذا الاتفاق، بمن فيهم مقدمة البرنامج.
السبب الرئيسي لاتفاق الطائف هو حرب التحرير “التنفيسة” التي أعلنها ميشال عون على سوريا وحلفائها والتي أدّت الى تدمير المناطق المسيحية، وكان الهدف الوحيد وقف قصف الطاغية السوري العشوائي التتري الجبان على كل زاوية في المنطقة الشرقية، وكان تأييد القوات والبطريرك لهذا الاتفاق، بعد كل الجهود التي بُذلت ليكون أفضل الممكن، على أمل تنفيذه فوراً، لكن عون لم يقبل بهذا الاتفاق بعدما تبين له أنه لن يأتِ به الى رئاسة الجمهورية، فعاد وأدار مدافعه الى الداخل في حرب أخرى فاشلة كحرب التحرير والتي أدّت في النهاية الى إكمال تدمير المناطق الشرقية وتقديمها على طبق من فضة الى المحتل السوري.
عندما اجتاح صدام حسين الكويت في 2 حزيران 1990، كانت حرب الإلغاء في نهايتها وكل القوى فيها مُنهكة وغير قادرة على صدّ أي هجوم كبير، وطبعاً مشاركة الطاغية السوري باجتياح العراق، رفع إمكانيته في الحسم واجتياح منطقة ميشال عون، خصوصاً بعد اغتيال الرئيس رينيه معوض الذي رفض هذا الأمر رفضاً تاماً وكان هذا سبب استشهاده، وبوجود رئيس حليف له راضخ لتنفيذ كل أوامره، كان الأمر محسوماً بدخول السوري المناطق الشرقية، ولا دخل لموضوع اجتياح الكويت لا من قريب أو بعيد، والدليل هو ما حصل مع رئيس لبنان المنتخب رينيه معوض قبل 8 أشهر من ذاك الاجتياح.
وافترضنا تسليماً للجدل أن سوريا أصبحت أقوى بعد مساندتها أميركا في اجتياحها العراق، ما كان المفروض أن نقوم به؟ أن نرضخ للعدو الهمجي البربري التتري ونسلمه رقابنا مذلولين، صاغرين، خاضعين؟ لم يكن ليتغير أي شيء.
أما سمير جعجع أيتها السيدة المحترمة، لم يتنصل يوماً من اتفاق الطائف، حتى اليوم، وإنما كان دائماً يطالب بحسن تطبيقه كما يجب، وأيضاً، حتى اليوم.
أكدتِ في بداية الحلقة على وطنية القوات اللبنانية التي لا شك ولا لبس فيها، وعلى صمودها ومقاومتها ومجابهتها لكل محتل، فكيف تُعبين عليها هذا الشيء لنفس المحتل الذي أصبح أقوى بظروف إقليمية؟
حتى ولو أصبح الطاغية المحتل أقوى دولة بالعالم، سنقوم بما يمليه علينا تاريخنا ووجداننا وعقيدتنا ووطنيتنا… تماماً كما فعلنا، وكما تحملنا كل التبعات، من دون أن ننسى فضل قسم كبير من اللبنانيين آنذاك، في حدوث كل ما حدث.
أما في ما خص دعم ميشال عون لرئاسة الجمهورية، سأختصر الموضوع قدر الإمكان.
لم يكن الخيار متاحاً بين عدّة أسماء من عدّة فرقاء، وإنما كان محصوراً بين اسمين، طبعاً بالإضافة إلى جعجع من طرف المعارضة، وكلنا يدرك تماماً أن الظروف لم تكن لتسمح بوصوله إلى سدة الرئاسة في ظل تعنُّت عون وحلفائه (حزب الله تحديداً)، بعد فراغ دام أكثر من سنتين، والذي رفض جعجع دمار البلد في ظل هذا الفراغ، فاختار، كما دائماً، مصلحة الوطن على كرسي الرئاسة.
وبالعودة إلى المرشحين الآخرين، واحد من صُلب 8 آذار، وأنت ونحن ومعظم اللبنانيين اليوم نتوجس من وصوله، وآخر حليف لـ8 آذار، وكل شعاراته منذ وجوده في الحياة السياسية تتمحور حول التغيير والإصلاح ومحاربة الفساد والسيادة والاستقلال… ووافق على النقاط العشر التي هي في صلب قيام الدولة السيدة الحرة المستقلة، علانية، على شاشات التلفزيون. فبربك، بين ذاك الذي قلت عنه في حلقتك إنه إذا وصل الى بعبدا يعني وصول النظام السوري وحزب الله الى بعبدا، وبين رجل كان كل حلمه أن يُصبح رئيساً مع كل شعاراته وموافقته على كل البنود الإصلاحية، فمن نختار لوضع حد لأزمة البلد؟
أما بخصوص عودة طاغية سوريا الى الجامعة العربية، هل قرأتِ عن تظاهرات الشعب السوري الرافضة لهذه العودة؟
طبعاً المنطق والأجواء لا تقول إن العودة كانت يجب أن تحصل، لكن حتى الآن لا أحد يعرف ما الذي يحصل وما الشروط التي وُضعت لهذه العودة، وإن كانت مشروطة أم لا.
لا يمكن أخذ كلام منذ بضعة أشهر وانتظار تبدل عوامل وظروف عدة لنأتي ونقول، أنظروا ماذا قال!
يوم قال هذا، كانت الأجواء على هذا النحو، خصوصاً أن الحكيم على تواصل دائم مع السفراء. ولو أن الأجواء لم تكن كذلك، فحتماً ما كان ليقول ما قاله. وهذا ينطبق أيضاً على الاتفاق السعودي الإيراني، وما حصل حتى اليوم وما رشح عن المعنيين بهذا الاتفاق وما صدر في بيان جدّة عن لبنان، ليس بعيداً من التحليل الذي قدّمه الدكتور جعجع عن هذا الاتفاق.
فبكل أسف أقول لك إن قراءتك وتحاليلك لم تكن واقعية وتجافي الحقيقة، لكن بكل الأحوال، نشد على يدك، وفي سبيل الحقيقة والجرأة في كل ما تقدميه في برنامجك، مستعدين أن نتحمل أن تُعيبي علينا شيئاً لسنا فيه، ولو سلمنا جدلاً أنه عيب في الآراء، لكن حتماً ليس ولن يكون عيباً في السرقات والسمسرات والصفقات والنهب والعمالة وتدمير الدولة… وسنتذكر من الحلقة ما قلتيه عن القوات والتزامها والتي أكدت عليه بتفاعلك المحبب المهضوم مع أناشيد القوات التي عرضتيها.