كتبت ميرا الخوري في “المسيرة” – العدد 1740
يُعرّف عنه بأنه “القاتل الصامت”. وهناك أكثر من نصف مليار شخص حول العالم مصابون بالسكري، أي واحد من كل عشرة أشخاص تقريبًا، وأحد مسبباته مرض “مقاومة الإنسولين”. والمشكلة أن المصاب لا يعلم بمرضه إلا بعد بلوغه مرحلة متقدمة عند ظهور المضاعفات. وما كان من أزمة كورونا إلا أن أعادت التذكير بأهمية الكشف المبكر والانتباه الى أية عوارض يمكن أن تدل الى الإصابة.
أما بما يخص اللبنانيين تحديدًا، فقد أدت عوامل التوتر والقلق والحزن والصدمات الجماعية والفردية على أنواعها الى ارتفاع أعداد المصابين بمقاومة الإنسولين وبالسكري، أو الى زيادة العوارض المرضية عند من يعانون منه أصلاً. فما هي الأسباب ومؤشرات الإصابة؟ وكيف نتجنّب المرض أو التعايش معه بأقل ضرر؟
ما هو مرض “مقاومة الإنسولين” أو ما يُعرف بـ Insulin Resistance؟ من يُصاب به؟ ما هي الأعراض والتشخيص والعلاج؟ وماذا عن تطوره، وهل يمكن التخلّص منه بالعلاج؟
الإنسولين هو هرمون في جسم الإنسان تفرزه غدّة البنكرياس ووظيفته تكمن في تعديل مستوى السكر في الدم من خلال تحفيز استهلاك خلايا الجسم لمادة الغلوكوز وتخزينها بشكل طاقة. في حال الإصابة بمرض “مقاومة الإنسولين” لا تتفاعل الخلايا ولا تستقبل السكر، ما يؤدي الى زيادة السكر بالدم. ومع مرور الوقت، يواصل البنكرياس محاولة تنظيم نسبة السكر وإنتاج المزيد من الإنسولين حتى يتلف البنكرياس ولا يعد بإمكانه إنتاج المزيد، فترتفع مستويات السكر الى درجة قد تصل الى نطاق مرحلة الإصابة بداء السكري.
ترى أخصائية الغدد والسكري الدكتورة بيريل الحج أنه “يمكن أن يتعرض أي شخص للإصابة بمقاومة الإنسولين، ويزداد خطر الإصابة لدى الأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد، كما الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي لداء السكري من النوع الثاني، بالإضافة إلى الذين تزيد أعمارهم عن الـ45 عاماً، المدخنين، والذين يتناولون بعض الأدوية مثل الستيرويدات ومضادات الذهان وأدوية نقص المناعة”. هذا وتوجد حالات طبية مثل مرض الكبد الدهني، متلازمة المبيض متعدد الكيسات، متلازمة الحثل الشحمي التي تؤدي إلى فقدان الدهون بشكل غير طبيعي.
أعراض المرض
أما عن أعراض مقاومة الإنسولين، فتجدر الإشارة بداية الى أنه يصعب تحليل مقاومة الإنسولين طالما أن البنكرياس ينتج ما يكفي منه للتغلّب على هذه المتلازمة، وبالتالي لا تظهر أية أعراض لدى الكثير من المصابين ويمكن أن يكتشفها الطبيب أثناء الفحص الصحي السنوي أو اختبارات الدم الروتينية.
الأعراض التي تظهر في الفحص المخبري، مثل بلوغ مستوى السكر بالدم من 110 الى 126 ملغ صيام و140 ملغ بعد ساعتين من اختبار الغلوكوز، مستوى الهيموغلوبين السكري بين 5,7 في المئة و6,3 في المئة وزيادة مستوى الدهون الثلاثية عن 150 ملغ، ضغط الدم عالي 130/80 ويمكن أن يزداد.
أما الأعراض التي تظهر على المريض مثل الإعياء، عدم القدرة على التركيز، الإرهاق البدني والتعب، شرب الماء بكثرة وزيادة الشعور بالعطش، التبوّل المتكرر، الجوع المستمر بعد الوجبات، الانتفاخ المعوي وعدم القدرة على الهضم، النعاس وخصوصًا بعد تناول الطعام، زيادة الوزن وصعوبة بفقدانه وتخزين الدهون أو فقدانه بشكل ملحوظ، الشواك الأسود أو ما يُعرف بزيادة التصبغ في الجلد، سرطان الثدي، سرطان عنق الرحم، الألزهايمر والاكتئاب كما يمكن للنساء أن يُصبنَ بأمراض القلب والأوعية الدموية.
كيف يشخّص المرض وكيف يُعالج؟
إذا اكتشف الطبيب الأعراض، وجب اتباعها بإجراء فحوصات بدنية واختبارات لقياس مستوى السكر في الدم وما يُسمّى الهيموغلوبين السكري واختبار غلوكوز الدم السريع، اختبارات لوحة الدهون مثل الكوليسترول الكلي وكوليسترول LDL وكوليسترول HDL والدهون الثلاثية.
أما العلاج، فمن الممكن عكس الآثار التي تحدثها مقاومة الإنسولين عبر تغيير نمط الحياة أو الأدوية أو كليهما معاً في بعض الأحيان. فالأدوية المخصصة لعلاج مقاومة الإنسولين غير موجودة، إلا أن أدوية السكري كالمتفورمين قد تساعد على خفض نسبة السكر في الدم جزئياً.
يمكن كذلك العمل على إنقاص الوزن بإتباع طرق قاسية شرط ألّا تشكل خطراً يؤدي إلى نتائج عكسية، لذلك يجب استشارة الطبيب أو أخصائية تغذية حول طرق دمج الأطعمة الصحية في الوجبات مثل الفواكه والخضروات والمكسرات والبقوليات والبروتينات خفيفة الدهن والسكر. كذلك الأطعمة الكربوهيدراتية بمقدار حصة أو حصتين مثل الحبوب الكاملة والبازلاء والعدس والفاصوليا التي تحتاج وقتاً أطول للمعالجة في الجسم وبالتالي تمنحه وقتاً أطول لمعالجة الغلوكوز، بالإضافة إلى عدم شرب الكحوليات والمشروبات الغازية والعصائر المعالجة وعدم تناول المأكولات المقلية والوجبات السريعة.
أما المكوّنات الطبيعية والأعشاب كالشاي الأخضر، خلّ التفاح، الكركم، الزنجبيل، بذور الحلبة والقرفة فتعمل على زيادة حساسية الأنسولين وبالتالي تقليل نسبة السكر في الدم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تفيد التمارين الرياضية والأنشطة الحركية اليومية لمدة 150 دقيقة في الأسبوع في تحسين الوضع ومقاومة المرض.
وبهدف تحسين مقاومة الإنسولين يمكن أيضًا تعلّم طرق لإدارة التوتر، فقد ثبت أن تخفيف الإجهاد قد يقلّل من الضغط على الغدد الكظرية ويمكن أن يساعد في الحفاظ على مستويات الإنسولين.
هل يمكن التخلّص من مقاومة الإنسولين بالعلاج؟
إن علاج مقاومة الإنسولين بشكل نهائي ليس ممكناً دائماً، فيمكن مساعدة الجسم على أن يكون أكثر تقبلاً للإنسولين عبر تلبية احتياجاته والحد من التوتر العصبي وتوفير تغذية قليلة السكر والدهون وانتظام النسبة التراكمية للسكر في الدم، كما نسبة الغلوكوز والدهون الثلاثية، بالإضافة إلى ممارسة النشاطات التي يحتاجها الجسم والانتظام في ضغط الدم وعدم ارتفاعه.
بمرور الوقت، يمكن أن تؤدي تعديلات نمط الحياة الى تحسين مقاومة الإنسولين مما يساعد على خفض مستويات السكر في الدم، خفض ضغط الدم، خفض مستويات الدهون الثلاثية، خفض الكوليسترول الضار ورفع مستويات الكوليسترول الحميد.
متى تتحوّل مقاومة الإنسولين الى سكري؟
في هذه الحالة، يفرز البنكرياس المزيد من الإنسولين للتغلّب على المقاومة مما يؤدي الى ارتفاع مستويات الإنسولين في الدم. وتحدث الإصابة بالسكري من النوع الثاني عندما يصبح البنكرياس غير قادر على إفراز كميات كبيرة من الإنسولين لإبقاء سكر الدم ضمن المعدلات الصحية.
أخيراً، يمكن التحكم في مقاومة الإنسولين بأكثر من طريقة، فبمجرد الخضوع للفحص الطبي وإجراء تحاليل مقاومة الإنسولين وبعض النصائح الطبية والأدوية وتحسين نمط غذائنا وفهم أجسادنا، وتعلُّم كيف نتعامل معها فنتجنّب تناول كميات كبيرة من الأطعمة غير الصحية ونضيف إليها ممارسة الرياضة بانتظام… عبر كل هذه السلوكيات والممارسات يمكن أن نتحكّم في مقاومة الإنسولين.
ميرا الخوري ـ رئيسة دائرة الممرضين والممرضات في مصلحة المهن المجازة
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]