!-- Catfish -->

ثنائيات لبنانية… الموارنة والحرية

منذ القدم وقرون مضت والى آخر مئة عام… لبنان هو هو. أرض الانسان الحرّ والمعتقدات والوطن المستقل الذي صار. أبناؤه المؤسسون يطمحون للعيش في دولة تحافظ على حريتهم وتطورهم وازدهارهم بغض النظر عن طوائفهم وانتماءاتهم السياسية.

لبنان هو أولاً فعل إيمان، والتشكيك به وفيه يقضيان على أسباب وجوده. المقاربة على بساطتها لا تحتمل التأويل والتفسير. الإيمان بلبنان يلامس الوجدان والعقل كمثل الإيمان بالله. وتكريسه يكون بالأفعال اليومية والممارسات الصحيحة للحفاظ على هويته. يكفي أن تكون إنساناً مؤمناً بالتعددية والحرية والعيش بسلام مع أقرانك على أرض واحدة وأن تحترم القانون وحق الآخر كي تكون لبنانياً.

لبنان الجغرافيا والتاريخ ملتقى الحضارات والأديان. حضن الأقليات والمضطهدين من مسيحيين ومسلمين أوائل، في جباله الوعرة وسواحله ووديانه الضيقة هرباً من الظلم والموت، فذاقوا طعم الحرية في ربوعه وتمسكوا بها وبه.

ولأن البلاد تعاني منذ وجودها من غزوات واحتلالات على مرّ العصور من كافة الاشكال، ولأنها منذ نشوئها كوطن تتعرض مداورة لتشكيك العديد من مكوناتها بفعل ميولها الفطرية وتأثرها بموجات من الأفكار والتيارات الدينية والسياسية العقائدية والأنماط الحياتية القريبة والغريبة في آن، استمرت المسألة الوجودية ملحة وضاغطة على قاطنيها. فالانصهار الوطني بين الشعوب الطوائف التي تتعايش على هذه الأرض لم تكتمل فصوله بعد، ولم تنضج ثوابته إلى حد طغيان الآمان بينها.

قضية لبنان هي قضية أبنائه وأولهم الموارنة بامتياز. والتمييز هنا ليس مجرد مزايدات وطنية أو تقليل من وطنية الآخرين، بل هو نتاج غياب عمق جغرافي وكياني مثالي لهم في أي بقعة على الأرض باستثناء لبنان.

لا كيان مستقلاً لمسيحيي الشرق عموماً، وللموارنة خصوصاً خارج لبنان. ولا وجدان لهم أو تطلعات خارج هذه الأرض، على غرار باقي المكونات، التي قد ترى في العالم الإسلامي عمقاً، فتنجذب وتميل إليه، وهي سعت أحياناً، وفي مراحل وظروف سياسية عدة، إلى العيش بظلاله وتحت رايته وحتى الانضمام إليه. فلا عوائق دينية أو اجتماعية كبرى لمعظم المكون السني اللبناني مثلاً في العيش وفق معتقداته وعاداته في أي من البلدان الاسلامية المحيطة. الحال ينطبق على شريحة واسعة من المكون الشيعي الذي يجد في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبلاد فارس، عمقه الاستراتيجي الحضاري والديني. وللموحدين الدروز أيضاً امتداد خارجي واسع في المناطق المتاخمة للحدود الشرقية والجنوبية إلى التصاقهم العضوي بلبنان.  وحده المكون المسيحي وتحديداً الماروني لا عمق جغرافياً دينياً أو قومياً – حضارياً له، ليس فقط في المنطقة المحيطة، لا بل في العالم، خارج لبنان، يمكنه من ممارسة شعائره وعاداته وتقاليده ومعتقداته، وباختصار العيش بحرية.

وثنائية المارونية – الحرية المرتبطة بلبنان عبّر عنها المفكر والفيلسوف الراحل شارل مالك أفضل تعبير حين كتب: “بإمكان الموارنة أن يتساهلوا في كلّ شيء، أو يتفاوضوا حول أيّ شيء ما عدا هذه الحرية الشخصية الكيانية. بدونها لا وجود لهم وحتى لا معنى لوجود لبنان، حتى إن وُجد. ووجوده عندئذ كعدم وجوده تماماً، وعندما يتساوى الوجود وعدمه، ينعدم. أما بوجود هذه الحرية قائمة مضمونة ثابتة، فباستطاعتهم مع الزمن أن يستعيدوا كلّ شيء، تساهلوا به أو تنازلوا عنه. أما بدونها فما يملكون، أو يظنون أنهم يملكون، سيخسرون”.

وفي السياق نفسه يقول البطريرك الراحل الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، “ونحن الذين لجأنا إلى المغاور والكهوف في عهد الظلم والظلام طَوال مئات السنين لِيسلم لنا الإيمان بالله وعبادته على طريقتنا في هذه الجبال، وعلى هذه الشواطئ، ولتَبقى لَنا الحُريّة التي إذا عُدمناها عدِمنا الحياة”.

وفي مقام آخر يعلن البطريرك الراحل رافضاً ما يلحق بلبنان والمسيحيين من تشويه وضغوط سياسية وخطر على وجودهما، كما هو حاصل الآن، “إذا خيّرونا بين العيش المشترك والحرية، نختار الحرية”.

وفي الحديث أيضاً عن ثنائية “لبنان والموارنة” هذا المقطع من مقالة للأباتي بولس نعمان، “إن الحضور الماروني في كل مناطق لبنان هو الضامن لوحدة لبنان والشرط الأساسي لديمومته. من هنا نتبين عدم حقية أو صدق الاتهام الموجه إلى الموارنة بمحاولة خلق “معزل” ماروني. إن المسكونية السياسية التي حركت الماروني لا تزال هي نفسها المحرك الأساسي وسط هذا الوضع المقلق والمرارة التي نعيش. فالموارنة لم يتخلوا عن لبنان الـ10452 كلم مربع والماروني هو الذي أطلق هذا الشعار وكان ضحيته، لا بل أكثر، فقد قدم الشهداء وصرف قروناً من الجهد والكد من أجل تحقيق هذا الهدف”.

اثبت الكيان اللبناني على مرّ التاريخ والتجارب أن سر وجوده واستمراره قائم على معادلة الثنائية المسيحية ـ الحرية. فمن دونهما لا مبرر لبقائه بالصيغة القائمة، والتي تحتاج إلى دعم وقناعة مكوناته بهذه المعادلة والتصرف على أساسها. والاحداث التاريخية القريبة منها والحديثة شواهد.

وللحديث عن الثنائية المسيحية ـ الاسلامية لزوم استمرار لبنان وقيامه بدوره الريادي… تتمة.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل