غالباً ما تعوّدنا في دول العالم الثالث ودول وأحزاب الممانعة البائدة منها والسائدة، ان تُتَخَيَّل بطولات وانجازات كمثل اقتناع الديك أنه بصياحه تُشرق الشمس… ويحتفل هؤلاء بأنفسهم ويتباهون بأحداث لم تَحدُث أو لم يُحدثوها، فيتغنّون بصفات لا تنطبق على الموصوف. وما الاحتفال بيوم 25 أيار منذ العام 2000 وحتى اليوم الّا خير ترجمة لما نقول.
لقد سبقت “بشائر” الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان بتاريخ 25 أيار من العام 2000، كلام كثير حمله وسطاء دوليون، أميركيون وفرنسيون، عن انسحاب إسرائيلي من جزين قبل العام 1999، بما سميّ يومها “جزّين أولاً”، فرفضته الحكومة اللبنانية و”الحزب” بحجة أنه يمهّد لدخول الجيش اللبناني الى الجنوب، ويمنع عمل المقاومة. ولأن الانسحاب يجب ألا يكون مقابل إجراءات أمنية من الجانب اللبناني، وبعد الانسحاب من جزّين، ارتبكت الدولة والحزب، ليعودا ويستغلا الأمر على أنه تحرير تحت “ضربات المقاومة”. وقبل الانسحاب من بقية المناطق، تعهّد الإسرائيلي بالانسحاب، وارتبكت الدولة مع الحزب، ليعودا ويعتبرا الانسحاب انتصاراً كبيراً وتحريراً للأرض… الاّ أن الترتيبات الأمنية التي رفضت سابقاً، عادت ولحقت بالانسحاب، وتم اعتماد خط أزرق هو خط القرار الدولي الرقم 425 المرفوض من “الحزب”…
وللاحتفاظ بسلاحه، عمد “الحزب” والمحتل السوري الى “اختلاق” ذريعة مزارع شبعا.
في هذا السياق، لن نجد أوضح من مقاربات الجنرال ميشال عون، قبل أن يناقضها لاحقاً ويصبح من المُلحقين بالمحتفلين المهلّلين لفضح عدم جدوى “المقاومة” و”كذبة التحرير”. فبعد يومين على 25 أيار من العام 2000 كتب في العدد 150 من “النشرة اللبنانية”، أي في 27 أيار، مقالاً بعنوان: متى التحرير؟ ومما قال فيه، “اعتبرت الحكومة المزعومة الانسحاب فخاً أثار قلقها. بماذا تفتخر الدولة ومجتمعها المنافق بعد الانسحاب، وقد لجأ آلاف اللبنانيين الأبرياء إلى إسرائيل؟ لماذا خافت النساء وهربت الأمهات مع أطفالهن إلى المخيمات الإسرائيلية؟ أليس الذي حدث هو نتيجة خطابات بقر البطون في الأسرة؟ أن نعيّد لتحرير الجنوب شيء مبكر، لأنه انضم إلى وطن لا يزال فاقد السيادة. وعيد التحرير سيكون يوم جلاء جميع قوى الاحتلال عن أرضه، فيعود الاستقلال ومعه السيادة والحرية إلى ربوع الوطن”، ليختم صادقاً بما يقول، “وإلى أن يحين العيد الحقيقي، نرفض الاشتراك بأعياد التخدير، ونترك نشوتها للمدمنين على المخدرات”.
في 9 نيسان من العام 2002، وفي مقابلة على محطة الـ”أم تي في”، قال ميشال عون، “عمليات المقاومة في الجنوب هي عمليات انتحارية وليست استشهادية. كان هناك قرار دولي بانسحاب اسرائيل والمقاومة أطالت أمد الاحتلال”، ليعود ميشال عون ويسأل في 29 تشرين الثاني من العام 2004، “كيف يمكن للمقاومة التي لم يعد لديها هدف من مزارع شبعا أن تبقى مستقلة، وتسيطر على جزء من الأراضي وسيادة الدولة منحسرة عنها؟ أريد الإجابة عن هذه الأسئلة، وطرحتها ليجيب الحزب عنها. كيف يتمتع الحزب باستقلاليّة ولا يكون قوّة تقسيميّة”؟
المواقف التي تدور في الفلك نفسه تتوالى، ففي 3 كانون الثاني من العام 2005، يؤكد عون باتصال هاتفي مع كوادره في زغرتا، “أن الحزب اخترع قصة مزارع شبعا كي يُبقي على السلاح”.
ونقرأ في الصفحة 20 من كتاب الطريق الآخرـ او ما سميّ بالكتاب البرتقالي، الذي طبع في أيار من العام 2005، “بعد الانسحاب الإسرائيلي، تلاشت مشروعية العمل المسلح للحزب، فخلق أزمة على الصعيدين الوطني والدولي. فهو يضع لبنان في مواجهة القانون الدولي من جهة ويهدد الوحدة الوطنية من جهة أخرى، بوصفه ينم عن احتكار للقرار الوطني من قبل طرف واحد.
وليست ذريعة مزارع شبعا بالبرهان المقنع في هذا الإطار، فهي لم تنجح بإخفاء النوايا السورية الكامنة خلفها، فأراضي شبعا هي سورية من وجهة القانون الدولي، وإذا ما أرادت سوريا التنازل عنها فعليها إبلاغ الحكومة اللبنانية رسمياً بذلك، لكي تبادر هذه الأخيرة الى إعادة ترسيم الحدود لدى الأمم المتحدة. إن الحرص على السيادة الوطنية ليس حكراً على طائفة واحدة ولا تجوز مناقشة مصير “الحزب” داخل العائلة اللبنانية على أساس الوحدة الوطنية في إطار المؤسسات”.
وطبعا من الضروري هنا التنويه بأداء الحزب “المقاوم” بعد “التحرير”، من محاولات الاغتيال الى الاغتيالات، وصولاً الى حرب تموز الذي اعتبرها “الحزب” انتصاراً إلهياً. لكن، ونتيجةً للكلفة الباهظة التي دفعها لبنان، حاول أمين عام “الحزب” السيّد حسن نصرالله، “تبرئة نفسه” من دماء اللبنانيين “الصّدّيقين” بقوله لتلفزيون الجديد في 27 آب من العام 2006، “تسألينني لو كانت 11 تموز تحتمل ولو واحد بالمئة أن عملية الأسر بتوصّل لحرب كالتي حصلت بتروح بتعمل عملية أسر، بقلّك لأ قطعاً لأ… لأسباب إنسانية وأخلاقية واجتماعية وأمنيّة وعسكرية وسياسية. لا أنا بقبل، ولا الحزب بيقبل ولا الأسرى بالسجون الاسرائيلية بيقبلوا ولا أهالي الاسرى بيقبلوا”، ليقوم نائب الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم “بتجريم” حزبه وتكذيب أمينه العام في 12 شباط من العام2016 بقوله، “الحزب كان لديه تصوراً عن حرب تموز 2006 وكنّا نتوقّع السيناريو”.
فالحزب خاض حرباً معروفة النتائج، ولِمن لا يعلم فإن رقعة احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية توسعّت نتيجة حرب تموز من العام 2006، ولم تُنْهِ إسرائيل انسحابها من أراضٍ في الجنوب الا بعد ثلاثة أشهر، وتحديداً في 1 تشرين الأول من العام 2006. ولِمَن لا يعلم أيضاً، فإن اسرائيل لم تنسحب من القسم الشمالي لبلدة الغجر والتي احتلته في حرب تموز.
ومنذ تموز من العام 2006 وحتى اللحظة، لم تّتَعدَّ “مقاومة” الحزب “التحريرية” المناوشات والزكزكات والمغازلات للعدو المحتل لمزارع شبعا والقسم الشمالي للغجر بفعل القرار 1701، الذي رفض مضمونه “الحزب” في العام 1999 مع “جزين أولاً”. فـ”التحرير” المزعوم على ما تقدّم لم “يُنجَز”، لا بل سلك طريقاً عكسية بزيادة المساحات المحتلة، و”المقاومة المشروعة” لا تعمل، ليُحصَر نشاطها وأداء سراياها في بيروت والقصير وحلب وبغداد وصنعاء وغيرها من الإعمال التي لا تمُتّ الى المقاومة بأي صلة.
نختم مكرّرين مع ميشال عون، “وإلى أن يحين العيد الحقيقي، نرفض الاشتراك بأعياد التخدير، ونترك نشوتها للمدمنين على المخدرات”.