جاء في الخبر، مما جاء فيه، أن عضو المكتب السياسي لتحرير فلسطين المدعو غازي دبور، “يرفض”… كشف عدد مقاتلي الجبهة الشعبية في بلدة قوسايا ـ البقاع الغربي على اعتبار أنها معلومات عسكرية. يملك الرجل حق الرفض والقصف وقيام قواعد عسكرية ومتاريس ومواجهات مع اسرائيل وما شابه. يملك الرجل “رفاهية” الوقت والمناورة ليفعل ما يشاء على أرض لبنان، فهل تقبل دولة في العالم، يا عالم، دولة من المفروض أنها تحترم نفسها وكيانها وسيادتها، هل تقبل بهذا المنطق الميليشياوي الصادر عن “قائد”، المفروض به أن يحترم سيادة هذه الأرض، بدل أن يقيم حواجز عسكرية وقيادة شعبية ومتاريس وما شابه في البقاع الغربي، أو في أي منطقة من لبنان؟! لن نسأل ما إذا كانت الدولة اللبنانية تقبل، إذ أن الضرب في الميت حرام، لكن ألم يتفق قادة لبنان العظيم في الحوار الكبير على “ضبضبة” أسلحة المخيمات وعدم إنشاء أي قواعد عسكرية، وعدم استعمالها في أي مكان من لبنان؟ أم لعل المواقع العسكرية للجبهة محسوبة على أرض فلسطين وليس لبنان؟! هذا الكلام يأتي بعد الغارات التي قيل إن الجيش الإسرائيلي شنها على مواقع الجبهة الشعبية في قوسايا والتي أدت الى مقتل خمسة اشخاص في الموقع المذكور، عدا عن الأضرار المادية الجسيمة، ولعل أفضل ما أجاب قائد الجبهة، أن “معركتنا مفتوحة مع هذا العدو حتى تحرير فلسطين”!
متى سيقتنع المسلحون الفلسطينيون و”حراس” فلسطين تحديداً، لبنانيون وفلسطينيون مقيمين في لبنان، في ذاك الموقع العسكري وسواه، أن تحرير فلسطين لا يمر ولن من لبنان، لا من جونيه كما كان وعد ياسر عرفات، ولا من البقاع ولا من أي منطقة في لبنان ولا حتى في العالم، فتحرير فلسطين لن يكون الا من أرض فلسطين بالذات.
متى سيقتنع أيضاً “الحزب” تحديداً، أن لا المناورات العسكرية تحت علم إسرائيل وعلى مرمى بالكاد حجر منها، يحقق العودة والعبور، ولا دعم القواعد العسكرية للفلسطينيين وتحريكها ساعة يشاء، ولا الترسانة العسكرية التي يتحجج بها لتحرير فلسطين، ولم تستعمل حتى الساعة لهذه الغاية، بل وجهت الى صدور اللبنانيين وحدهم، ستحقق تحرير فلسطين كما يدّعون ويتحججون.
من يريد تحرير الأرض عليه أن يتوجه الى قلب الأرض والناس، ومن هناك فقط تعلن الحرب وترفع الرايات والدبابات حتى إعلان النصر.
وفي سياق مشابه تماماً للتفلت ولاستباحة الدويلات والأسلحة غير الشرعية لكرامة سلاح الجيش اللبناني الشرعي أولاً، ولمنطق الدولة عموماً، ها هو الحزب القومي السوري جناح ما يسمى ربيع بنات، يجول في منطقة الجنوب، ويقوم بعراضة إعلامية للإيحاء بأنه موجود وبقوة على الساحة العسكرية، وأن له ما له من عسكر وسلاح وتنظيم وما شابه، وأكثر بعد، يعلن أن وفداً قيادياً زار أحد المواقع، إذ يتمتع الشباب بمساحات جغرافية واسعة تنتشر فوقها المواقع العسكرية “الضخمة” ولديهم كامل الحرية لزيارة وتفقد تلك المواقع “الخطيرة” في الجنوب وكل لبنان، والتي تقلق راحة العدو الصهيوني وتكاد تجعله في حال هلع دائم، إذ أنها على “مسافة صفر من فلسطين” كما قال بيان ما يسمى بنسور الزوبعة، وذلك بعد جولة قام بها عدد من هؤلاء الى إحدى الوحدات المقاتلة في الحزب.
وحدات مقاتلة لمن يا حلوين، أو لعلّكم تقاتلون ولا أحد يسمع ويرى ويعلم؟! لعلها مقاتلة طواحين الهواء تلك التي لا تترك خلفها ضجيجاً، قتال صامت شاعري حزين. وأحلا ما في الخبر أن الوحدات المقاتلة تلك، أعادتها القيادة الى الميدان منذ فترة ضمن عودة الحزب الى مكانه الطبيعي في ساحات الجهاد. أي ساحات تلك، أي جهاد هذا، أي منطق ميليشياوي فاقع يغرق لبنان ذاك البائس المسكين في منطق أحزاب تحمل الهوية اللبنانية وتعمل لأجل غير أوطان، لأجل غرباء جعلوا من لبنان ممرات الدماء والفوضى والذل والعار؟
مجاهدون في الساحات؟ هذا جهاد صحيح، جهاد مستميت لقتل لبنان الدولة والكيان. هناك قيادة شعبية، وهنا “مجاهدون” وفي الدويلة “مقاومة” تدعي تحرير فلسطين وهي تحتل لبنان لأجل إيران. هذا منطق الأرض السائبة والدولة الغائبة المرتخية المتواطئة على كرامة البلاد والعباد معاً. هذا منطق اللا ـ منطق في دولة مجنونة مسحورة، امتهنت إذلال الشعب، وانتهاك عرض الأرض وشرفها لتكبر فيها مساحات الدخلاء والعصابات ومدعيي المقاومة والوطنية وهم منها براء. مسكين لبنان، مسكين بائس خاضع لدويلة جعلت من مناصريها أحجار شطرنج تحركهم حينما تشاء وساعة تشاء وجعلت من السلطة تلك عبداً ذليلا لها، نسيت على مرّ سنين الاستعباد، فضيلة الصراخ والرفض والمقاومة.