لم يعد مجديا، ولا كان مجديا أساسا في أي وقت سابق، الإغراق في رتابة مملة في تظهير الانتفاخ والاستعلاء المتفجر غالبا في خطاب سياسي فوقي لفريق ما يسمى “الممانعة” عموما والمقصود به حاليا وتحديدا “الثنائي الشيعي”. هذا المنحى التهويلي صار من سمات فريق ادمن السيطرة والهيمنة الى حدود اعمته تماما عما يمكن ان ينصبه بنفسه من افخاخ وكمائن لنفسه من جراء اخطائه التي تجذبه اليها نزعة الاستقواء وها هو الآن، الثنائي الشيعي تحديدا وتكرارا، امام احدى اكبر مآثر ارتكاباته الانفعالية.
تسبب انكشاف “الثنائي” باطلاق مزايدة بين ركنيه حركة “امل” و”#حزب الله” في تسعير خطاب انفعالي عصبي لا سابق له بإزاء رؤيته لتطور لم يحسب له حسابا مع انه صاحب الفضل الأول والأخير في نشوء هذا التطور المتمثل ، بكل وضوح ، في “اجباره” الكتل المسيحية الكبرى ذات الاكثريات الساحقة في التمثيل النيابي على اجتراح “معجزة” التوحد على ترشيح جهاد ازعور في مواجهة #سليمان فرنجية. لم تعد التعمية جائزة في التعامل والمقاربة الصريحة للخطاب العصبي النزق لزعامات ومسؤولي ونواب “امل” و”حزب الله”، أيا كانت نتائج الازمة الرئاسية وايا افضت اليها أحوال البلاد تحت وطأة الاتي من التطورات. هذا “الثنائي” يتعين عليه ان يدرك من الان انه يتحمل تبعات شديدة الخطورة ليس من منطلق اتباعه نهج التعطيل مجددا والاستهانة بالانماط الانقلابية على الدستور فحسب، وانما الأخطر لانه أعاد ويعيد البلاد الى اذكاء مناخات الفرز الطائفي الخالص مع كل سيترتب على ذلك من اخطار وتداعيات.
لا نجترح جديدا اذا قلنا ان تسعيرا للعصبية الفائقة التي طبعت خطاب ابطال المنابر والاصابع والحناجر لدى “الثنائي ” في الأيام الأخيرة استولدت موجة مضادة تكاد تكتمل اوصافها في إقامة “حلف ثلاثي” مستجد بين الأحزاب والكتل المسيحية الكبرى . لن نكون من السذاجة بحيث نجزم سلفا بان مشهد “الحلف الثلاثي” الافتراضي الناشئ يمكن ان يتشلع مجددا بفعل ما من ضعف نسيجه والخصومات الموروثة بين اطرافه علما ان ما أجبر هؤلاء على التفاهم اليتيم على ترشيح جهاد ازعور لا يكفي وحده للتسرع واطلاق صفة “الحلف الثلاثي” الموضوع الان امام التجربة الحاسمة والمحك المصيري في مواجهة مرشح “الثنائي الشيعي” . ولكن في مطلق الأحوال والاحتمالات يتحمل “الثنائي” تبعة استدراج “الثلاثي” على خلفية أرضية طائفية بكل المعايير ، تماما كما يتحمل بموازاة ذلك تبعة تعريض سليمان فرنجية زعامة وشخصا ومرشحا لما قد لا يستحق ابدا بسبب افراط داعميه بهذا النزق الموصل الى اشعال عاصفة طائفية لا مصلحة فيها لا لسليمان فرنجية ولا لجهاد ازعور ولا لمطلق مرشح ولا لاي فريق سياسي ولا لمجمل اللبنانيين في خوض غمارها البغيض.
لعل اقرب المعادلات التي تفسر هذا الغرق المطرد الذي لا هوادة فيه ولا تراجع ولا مراجعة لدى الفريق الاخذ لبنان مجددا الى مواسم الفرز الطائفي وظواهره الخطيرة هو ان “الثنائي” ضاق ذرعا بانتظار صفقة إقليمية لم تأت بعد ولعلها لن تأتي. راهن هذا الثنائي مع حلفائه الميامين في محور حلفاء ايران ونظام الأسد على ان عاصفة التفاهم السعودي الإيراني ستجتاح خصومهم في لبنان بعد قمة جدة وتقيم لهم الانتصار الناجز الكاسح فورا. تهادت رياح الإقليم بل بدت اشد تعقيدا وقامت في المقابل معادلة جديدة لبنانية. انفجر الانتظار !