سلاح الموقف أقوى من ترسانات السلاح

حجم الخط

كتب شارل جبور في “المسيرة” – العدد 1741

سلاح الموقف أقوى من ترسانات السلاح

فخامة الرئيس لكل اللبنانيين

تقصّد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان أن يبدأ زيارته من مطار بيروت رافعًا معادلة “جيش وشعب ومقاومة”، وأن ينهيها من مارون الراس وهو يضع إكليلاً من الزهر على نصب قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني، وأن يؤكد أنّ “لبنان يحتل مكانة مؤثرة في المنطقة، وموجود في الخط الأمامي للمواجهة والمقاومة، وهو يحظى دائماً باهتمامنا”.

سبقت زيارة عبد اللهيان إلى لبنان زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لسوريا الذي أكد أن “إيران ستبقى إلى جانب المقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا وكل العالم، وهذه هي سياستها المؤكدة في الماضي والحاضر والمستقبل، وجبهة المقاومة أصبحت اليوم تياراً قوياً لن يتقهقر وساهمت في تغيير المعادلات في المنطقة”.

وتقصّد “حزب الله” أن ينظِّم مناورة عسكرية في جنوب لبنان غير مسبوقة أقله منذ العام 2005 بهدف إظهار قدراته العسكرية واستعداداته القتالية، وتُعدّ هذه المناورة المحطة الثالثة بعد زيارتي عبد اللهيان ورئيسي مع فارق كونها استعراض قوة ميداني.

الرسالة في هذه المحطات واحدة وهي أن الاتفاق السعودي – الإيراني لا يشمل أذرع إيران العسكرية التي تواصل دورها المعتاد بعد الاتفاق على غرار ما كان عليه قبل هذا الاتفاق. ولا يمكن فصل هذه المحطات التي تزامنت بتوقيت حصولها مع الاتفاق بين الرياض وطهران الذي فرض إيقاعه في المنطقة، فلم تكن القيادة الإيرانية مضطرة لتوجيه رسائل متلاحقة من لبنان وسوريا إلى السعودية لولا شعورها بأن التساؤلات بدأت تراود البيئة الحاضنة لهذه الأذرع عن مصيرها ومستقبلها، فأرادت توجيه رسالة مزدوجة: الأولى إلى بيئاتها بأن الاتفاق الإقليمي لا يشمل الأذرع، والثانية إلى الرياض بأن حدود الاتفاق تقف عند دور الأذرع الذي سيستمر على ما هو عليه.

ولكن “إعلان جدة” أظهر أن القراءة السعودية للاتفاق مع إيران تختلف عن القراءة الإيرانية، بدليل تضمين هذا الإعلان ما كان ورد في بيان بكين لجهة وقف التدخلات الخارجية في شؤون الدول الداخلية، ولم تقف الأمور عند هذا الحد إنما أُضيفت جملة تعكس جوهر الواقع الذي يشكل مصدر الشكوى من التدخُّل الإيراني، حيث نصَّ الإعلان بوضوح على “الرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلّحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة”.

فما ورد في اتفاق بكين و”إعلان جدة” يختلف عن مواقف رئيسي وعبد اللهيان ومناورة “حزب الله”، وهذا الاختلاف لن يؤدي إلى فرط الاتفاق، إنما يعني شد الحبال تحت سقف هذا الاتفاق، خصوصًا أن الرؤية السعودية التي تظهّرت في ختام القمة العربية قائمة على التنمية والازدهار والتطوير والاستقرار، ما يتناقض مع المشاريع الحربية التي تخوضها إيران عن طريق أذرعها العسكرية.

وفي هذا المشهد كله تدخل الانتخابات الرئاسية في لبنان التي تحصل وسط تبدُّل في الصورة الإقليمية مع الاتفاق السعودي – الإيراني، وتغيُّر في ميزان القوى البرلماني الذي لا يتيح للممانعة انتخاب مرشحها الرئاسي، وتحوّل في أداء المعارضة الرافضة لأي تسوية تقود إلى انتخاب مرشّح الممانعة ولو استمر الفراغ لشهور وسنوات، لأن التنازل بعنوان مصلحة البلد جُرِّب ونتائجه كانت كارثية، والفريق الممانع اعتاد على الابتزاز تحقيقاً لأهدافه، الأمر الذي يجب وقفه بدءًا من الانتخابات الرئاسية.

وورقة القوة التي تمتلكها المعارضة اليوم هي رفض التنازل والتسوية، وفي حال أبقت عليها وحصّنتها يعني في أفضل الأحوال قطع الطريق على مرشّح ثنائي “حزب الله” و”حركة أمل”، وفي أسوئها انتخاب على وقع إنقسام عمودي وانهيار يأخذ البلد إلى مزيد من الإشتباك والإنقسام، فيما أي انتخابات رئاسية في ظل الوضع المأسوي الحالي تتطلّب توافقاً وطنيًا عريضًا لانطلاقة عهد بمناخات إيجابية ووحدوية، وخلاف ذلك ستكون ولاية جديدة شكلاً وفي العمق استمرارا للإنهيار الحاصل وتطوّره فصولاً.

وجاء بيان القمة العربية ليصبّ في مصلحة المعارضة لجهة الدعوة إلى “انتخاب رئيس يُرضي طموحات اللبنانيين”، وطموحهم لا يتحقّق عن طريق رئيس يمثِّل فئة منهم، كما لا يتحقّق عن طريق رئيس يشكّل انتخابه غلبة لفريق واسع من اللبنانيين وانتصارًا لمحور الممانعة وكأن هناك تسليمًا لمفاتيح البلد لإيران، الأمر الذي يخالف ما جاء في اتفاق بكين وإعلان جدة»، فضلاً عن أن الزمن الحالي يختلف عن زمن تسعينات القرن الماضي إن بتوازناته الداخلية أو الخارجية، وبالتالي على الرغم من عدم وجود احتمال التسليم، إلا أن أي محاولة غلبة داخلية أو تخلٍ خارجي ستواجَه هذه المرة بمعارضة سياسية شرسة وغير تقليدية، والرأي العام يتقدّم هذه المرة على القوى السياسية، وهذه إشارة بالغة الأهمية وتصبّ في مصلحة هذه القوى، برفضه التطبيع مع الأمر الواقع ودعواته الصريحة إلى تركيبة تُحترم فيها المساواة ويستعيد معها لبنان عافيته واستقراره، والبيئة اللبنانية جاهزة لتلقُّف أي تغيير وتنتظر إشارة الانطلاق فقط لا غير.

ولا بل تعتبر المعارضة نفسها في وضعية “win win”، فإذا أسقطت مرشّح الممانعة تكون قد حقّقت انتصارا معنويًا وعمليًا وقدمت درسًا إضافيًا لجميع اللبنانيين بأن سلاح الموقف أقوى من ترسانات السلاح والمناورات الاستعراضية، وإذا نجح مرشّح الممانعة، على استحالته، تكون قد أعطيت الحجة للإطاحة سياسيًا بالتركيبة الحالية التي لم تعد صالحة، ولا بل من مصلحة المعارضة إعتماد الخيار الثاني إختصارًا للوقت والطريق، ولكن لا يمكنها ذلك إذا لم تُمنح الحجة المطلوبة.

وإذا كان أحد أوجه العرض العسكري لـ»حزب الله» توجيه رسالة للمملكة العربية السعودية على غرار رسالتي رئيسي وعبد اللهيان بأن سلاحه خارج الإتفاق السعودي – الإيراني، فإن الوجه الآخر لهذا العرض رئاسي ويتمثّل في بعدين: البعد الأول التعويض المعنوي العسكري عن عدم القدرة على انتخاب مرشحه الرئاسي، والبعد الثاني وضع الرئيس التوافقي العتيد أمام الأمر الواقع العسكري للحزب، لأنه لو كان متأكدًا من قدرته على إيصال مرشحه لما كان أربكه في عرض لا يبدِّل في ميزان القوى الداخلي وأحرجه أمام الرأي العام المحلي والخارجي بأنه مرشّح الدويلة للدولة.

ولا يكفي أن تنتظر الممانعة تبدّلات خارجية أو داخلية لأن نصف اللبنانيين أقلّه في غير وارد التسليم بانتخاب رئيس ممانع، وزمن الغلبة في تسعينات القرن الماضي لم يعد يصحّ اليوم، وارتدادات انتخاب من هذا القبيل ستتجاوز الحياة السياسية إلى جوهر النظام السياسي الذي أصبح مرادفاً للفشل ويتراوح بين التعطيل والعجز، وحتى الانتخابات الرئاسية لو حصلت على قاعدة توافقية تتطلّب ورشة إصلاحية -تشريعية للفصل بين البنية الفوقية المكّبلة بقوى سياسية تمنع أي تغيير من خلال إمساكها بمفاصل الدولة بالقوة، وبين البنية التحتية التي تستدعي فصلها عن البنية الفوقية بهدف إبقاء الناس في أرضهم في ظروف حياتية ومعيشية طبيعية.

وتزامنت الانتخابات الرئاسية هذه المرة مع أوضاع متحرِّكة في الداخل والخارج، بدءًا من غضب شعبي وتوازن برلماني وسياسي داخلي ومناورة عسكرية لإظهار تفوّق بسلاح غير شرعي، وصولاً إلى استنفار إيران لفيلقها العسكري ووضعه خارج سياق الاتفاق مع السعودية، وما بينهما “إعلان جدة” الذي جسّد في بنده السادس معاناة اللبنانيين بشقّين أساسيين: التدخُّل الإيراني، وتشكيل طهران ودعمها لميليشيا “حزب الله” من خارج نطاق الدولة اللبنانية وعلى حسابها.

ولا بدّ لهذا الوضع المتحرِّك في الداخل والخارج الذي أخرج لبنان والمنطقة من الستاتيكو من أن يقود إلى تغيير يخدم مصلحة اللبنانيين وفقا لرؤية المملكة 30/20 المناقضة تماما لرؤية ثورة 1979.

شارل جبور ـ  رئيس جهاز الإعلام والتواصل في “القوات اللبنانية”

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل