ضربات استباقية لقمة بروكسيل لفرملة عودة النازحين

حجم الخط

كتبت جومانا نصر في “المسيرة” – العدد 1741

ضربات استباقية لقمة بروكسيل لفرملة عودة النازحين

بعد 12 عاماً متى العودة؟

في اجتماع وزراء الخارجية العرب حضر ملف النازحين السوريين في لبنان، ولبنان الرسمي بشخص وزير خارجيته لم يكن حاضرًا. وفي اجتماع باريس الخماسي، أيضًا حضر ملف النازحين السوريين ولبنان لم يكن حاضرًا. وفي اللقاء الذي حصل بين الرئيسين الإيراني إبراهيم رئيسي والسوري بشار الأسد في دمشق ناقش الطرفان ملف النازحين السوريين ولبنان هنا حاضر بأطياف الممانعة و”حزب الله” بطبيعة الحال. أخيرًا وليس آخرًا حضر ملف النزوح السوري في قمة جدة و… كأنه لم يحضر! وغدًا سيكون محور قمة بروكسل المقررة في 15 حزيران. وهذه المرة لبنان حاضر بمقررات ترسم أكثر من علامة استفهام بدءا بضرب وزير في حكومة تصريف الأعمال قرار رئيس الحكومة بدولرة المساعدات وانتهاء ربما، بتعليق الأمم المتحدة تقديم المساعدات النقدية بالليرة اللبنانية والدولار للاجئين السوريين حتى شهر تموز المقبل. فهل دقت ساعة العودة بعد 12 عامًا على النزوح السوري وانتهاء الحرب في سوريا وعودة رئيس النظام إلى حضن العرب؟

على هواتف عدد كبير من النازحين السوريين في لبنان، وردت رسائل نصية تبلغهم بقرار نائب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان المنسّق المقيم ومنسّق الشؤون الإنسانية عمران ريزا، وممثّل المفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين إيفو فرايسن، وممثّل برنامج الأغذية العالمي عبدالله الوردات، بتعليق تقديم المساعدات النقديّة بالعملتين اللبنانية والدولار للنازحين طيلة شهر حزيران.

الإعلان أحدث حالة ذعر وبلبلة سيما وأنه جاء بعد مؤتمر صحفي لوزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور حجار أكّد فيه رفض فكرة دولرة المساعدات للنازحين  مستغربا كيفية اتخاذه من دون موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية المعنية بالملف غامزا بذلك من قناة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالتفرد في تبني قرار دولرة المساعدات المالية النقدية المخصصة للنازحين السوريين في لبنان، وذلك بناء على طلب المفوضية العليا للاجئين من دون مراجعة الوزارة المعنية أو التنسيق مع وزيرها.

حجة السرايا كانت أن مصرف لبنان هو من وافق على طلب المفوضية والقرار دخل حيّز التنفيذ. وبالتالي تكون كل الادعاءات حول عزم حكومة تصريف الأعمال على تحريك ملف عودة النازحين إلى سوريا قد سقطت، أكثر من ذلك كأنها رضخت لما جاهرت به دمشق على هامش قمة جدة، من أنها ترفض إملاء شروط على نظام الأسد كي يعود أكثر من مليوني نازح في لبنان لقاء مساعدات لإعادة إعمار سوريا.

حصل كل ذلك عشية انعقاد مؤتمر بروكسل في 15 حزيران الجاري والذي سيحضر فيه ملف النازحين السوريين بقوة من الناحيتين الإنسانية والقانونية خصوصا أنه لم يعد من المنطقي الحديث عن توافر صفة اللجوء للنازحين لانتفاء الشروط القانونية، إن من ناحية استمرار وجود خطر في بلدهم الأصلي، أو احترامهم للقوانين في البلد المُضيف. وخير دليل على ذلك، هو تنقّل السوريين الدائم خروجًا ودخولًا إلى الأراضي السورية عبر المعابر الحدودية غير الشرعية، على الرغم من حصولهم على المساعدات النقدية بالفريش دولار من المجتمع الدولي. حتى بات وضع السوري في لبنان أفضل من وضع المواطن اللبناني.

منذ وصولهم على دفعات إلى لبنان هربًا من الحرب التي اندلعت في سوريا في آذار 2011 وملف تنظيم وجود النازحين السوريين يسري في أقبية الغرف السوداء وأحياناً أخرى على طاولات الحوار بين المعنيين. لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، وتحوّل هذا الوجود إلى آفة اجتماعية واقتصادية على حساب وطن أقل ما يُقال فيه إنه يعيش أسوأ أزمة اقتصادية منذ قيام دولة لبنان الكبير. أما على المستوى الديموغرافي، فيكفي أن نقرأ بالأرقام أن عدد النازحين بات يقارب المليونين وعدد الولادات 90 ألفاً، مع الإشارة إلى أن الإحصاءات الأخيرة دلت على أنه مقابل 5 ولادات لبنانية هناك 15 ولادة من النازحين من دون أن يتم تسجيلها في سجلات النفوس السورية.

ثمة من يرى أن الإشكالية في ملف النزوح السوري تكمن في التوقيت، والأصح أن المنهجية التي اعتُمدت في إثارة هذه الأزمة هي محط إشكالية لأن عقارب الساعة ترتبط مباشرة بعوارض الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية وليس مسبباتها وهي محددة بثلاث نقاط تهجير الشعب السوري الذي تورَّط به للأسف فريق لبناني، فشل العملية السياسية السلمية في سوريا وهذا يُعنى به المجتمع الدولي. أما المُسبِّب الثالث فهو تخلُّف الحكومات اللبنانية المتعاقبة عن إنجاز سياسة عامة تنظم وفود النازحين ووجودهم، وتُعدّ بالتعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مسارات عودتهم إلى سوريا.

أن يأتي الحل متأخراً أفضل من أن لا يأتي أبداً، شرط أن لا يكون على حساب الأمن المهزوز أصلاً. نقول ذلك وفقا للتقارير الأمنية التي تصدر يوميًا عن حصول عمليات نشل وسلب وجرائم من قبل عصابات غالبية أفرادها من الجنسية السورية. نازحون أم «مقيمون» بطريقة غير شرعية… النتيجة واحدة. ومع تولي البلديات تنظيم وجود النازحين وتحديد مواعيد تنقلاتهم داخل الأحياء برزت ظاهرة الحوادث الفردية التي ينتج عنها سقوط جرحى. وحسناً فعلت القوى العسكرية والأمنية بالتأكيد على ضرورة تطبيق القوانين المرعية الإجراء، بما يعني كل من دخل ويدخل خلسة إلى لبنان، ولا يملك أوراقاً ثبوتية شرعية. والأهم أن أصواتاً عاقلة تنبًّهت للبروباغندا المشبوهة التي تحاول إثارة الغرائز وأعادت وضع الأمور في نصابها مع ضرورة العمل على عودة النازحين وتنظيم وجودهم في كل قطاعات العمل في لبنان استنادا إلى القوانين المرعية الإجراء وليس إلى أمر واقع.

لهذه الاعتبارات يجب أن يصبّ التركيز على مؤتمر بروكسل الذي سيناقش مع الوفد اللبناني الممثل بوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب ووزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار تداعيات الوجود السوري على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والديموغرافية. لكن المرجح أن يكون النقاش مبنيًا على الأمنيات والشعارات وأن يعود الوفد بخفي حنين، سيما وأن المجتمع الدولي على أهبة الاستعداد للاستماع إلى حقائق وأرقام عن النزوح السوري في لبنان لا مجرد خطابات فضفاضة وملفات خالية من داتا الأرقام.

في حال التزمت الدولة بترحيل من تسقط عنهم صفة لاجئ، وأيضاً من يتنعّمون بخيرات الاقتصاد اللبناني أو ما تبقّى من فتاته ومن أموال الفريش دولار، ومن عملوا على تسوية أوضاعهم الأمنية مع النظام السوري، والموقوفين في السجون بتهم وجرائم القتل والسرقة والاختلاس، حينذاك يمكن البحث في الشق المتعلق باللاجئين الذين لا يزال النظام و”حزب الله” يحتل بيوتهم وأراضيهم. وهؤلاء حتمًا لا يشكلون ربع عدد القابعين في المخيمات والمنتشرين على كافة الأراضي اللبنانية ويستحقون صفة وجود وليس نازح كما تعمّدت الدولة أو بالأحرى “حزب الله” توصيفهم لإسقاط حقهم بالعودة واستخدامهم في معسكراتهم وحروبهم في الخارج.

عام 2003 وقّع لبنان ممثَّلاً بالأمن العام اللبناني مذكرة تفاهم مع مفوضية اللاجئين على أثر أزمة لجوء عراقيين بأعداد كبيرة إلى لبنان بسبب الحرب التي كانت قائمة على أرضها. وتتحدّث المذكرة بشكل واضح في مقدمتها عن أن لبنان لا يحتمل أن يكون بلداً للتوطين، وتنص حرفياً على أنّ لبنان بلد غير مهيّأ ليكون بلد لجوء بالنظر لاعتبارات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية والحلّ في إعادة توطين اللاجئين المُعترف بهم من قبل مكتب المفوضية في بلد آخر وعبارة طالب لجوء تعني طالب لجوء إلى بلد آخر غير لبنان.

باختصار كل المؤشرات توحي بفرملة العودة. من هنا يتوجب على السياديين التعامل مع هذا الملف بكثير من الدقة والتعاون مع المجتمع الدولي على قاعدة العمل لا الشعارات التي تجهِّل الفاعلين الحقيقيين وواضعي العصي أمام قاطرات العودة ليصبح السؤال متى تاريخ العودة؟

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل