كتب أنطوان سلمون في “المسيرة” ـ العدد 1741
“متلازمة ستوكهولم” هي ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال وقد اشتهرت في العام 1973 حيث تظهر فيها الرهينة أو الأسيرة التعاطف والانسجام والمشاعر الإيجابية تجاه الخاطف أو الآسر، تصل لدرجة الدفاع عنه والتضامن معه، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المختَطَف مع المُختَطِف.
أطلق على هذه الحالة إسم “متلازمة ستوكهولم” نسبة إلى حادثة حصلت في ستوكهولم في السويد حيث سطت مجموعة من اللصوص على بنك كريديتبانكين هناك في عام 1973، واتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام. خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، وقاموا بالدفاع عنهم بعد تحريرهم من قِبَل الشرطة.
لا يختلف ما جرى في لبنان إبان الاحتلالات والوصايات والسيطرات عمّا جرى في “بنك كريديتبانكين” في ستوكهولم … وما جرى من تعاطف، تعايش، تعاون وتعامل الرهائن المخطوفين الذميّين المستسلمين “المتلازمين ستوكهولمياً” قد يدفع علماء النفس الى إطلاق “متلازمة الممانعة اللبنانية” على كثيرين ممن كانوا رهائن وضحايا وسجناء تلك الاحتلالات والوصايات والسيطرات وعادوا وأصبحوا صدىً للجلاد المعتدي المحتجز.
وترجمةً لمتلازمة ستوكهولم مارس النظام السوري في سجونه “تجنيد” السجناء ليخرجوا “عملاء” محاربين بسيفه، نذكر منهم شاكر البرجاوي وهاشم منقارة وغيرهما كثيرون…
وقد مارس “حزب الله” منذ نشأته سياسة احتجاز الرهائن ـ فعلياً ـ من كل الجنسيات خدمة لسوريا وإيران وابتزازاً للدول التي ينتمي اليها الرهائن… وغالباً ما كانت الدول المذكورة تنصاع وتتفاوض وتتعامل مع سياسة الخاطف ومحرّضيه وتدفع الثمن بالمقابل. وعن هذه المرحلة تحدث توأم “حزب الله” نبيه بري من كفركلا بعد معركة إقليم التفاح في 1990، إذ قال في تسجيل صوتي: “كل المؤامرة هنا. المؤامرة كلها تنطلق من هذا الجنوب. الجنوب يُراد أن يؤخذ غنيمة يا إخوان كما يتم خطف أميركي أو فرنسي ومن ثم نبدأ التفاوض بشأنه كي نرى ما يمكننا كسبه من مال في مقابله، كذلك الأمر المطلوب أن يؤخذ الجنوب رهينة”…
تجدر الإشارة هنا أيضاً الى أن “حزب الله” كان قد مارس سياسة احتجاز الرهائن في الطائرات عامي 1984 و1988 وذلك من أجل إطلاق 16 لبنانيًا احتُجزوا في الكويت بسبب ضلوعهم بعمليات تفجيرية على أراضيها في 12 كانون الأول 1983. وعلى رأس هؤلاء كان المدعو “الياس صعب” وما هو الإ مصطفى بدر الدين الملقب بـ”ذو الفقار”. وفي ذكرى “استشهاد” بدر الدين السابعة قال نصرالله في 12 أيار 2023: “السيد ذوالفقار كان يقاتل في الصف الأمامي ونال لهذا الوسام، كما نال وسام الجريح، ونال أيضًا وسام الأسير في الإنفرادي خلف القضبان، وبعد الحرية نال وسام القيادة”. و”القضبان” طبعاً كانت بسبب ضلوعه بالتفجيرات المذكورة ونال وسام القيادة لـ”شرف” قيامه بها على ما ذكر نصرالله.
وارتكب “حزب الله” في الفترة الممتدة بين 1982 والـ1992 جرائم الخطف بحق الغربيين، وقد بلغ عدد المخطوفين 104 رهائن أجانب في لبنان يمثلّون 21 دولة. وقد نفى “حزب الله” علناً تورطه، مع العلم أن مطالب “الخاطفين” المجهولين – المعلومين كانت دائمًا تصب في صالح نظامَي سوريا وإيران وأيضًا للمطالبة والضغط لإطلاق المسجونين من الحزب في الكويت وفرنسا وألمانيا وغيرها… وأخيراً تزامن إطلاق الرهائن مع صفقة إيران كونترا والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمّدة في الولايات المتحدة والدول الغربية.
يمارس “حزب الله” اليوم دور الاحتلال السوري بالوكالة، ويقوم المصابون بـ”متلازمة ستوكهولم” مع الحزب بما قاموا به مع الاحتلال السوري من عشق الضحية لجلادها. وهنا نستذكر ما كان قد حذّر منه الرئيس ميشال عون في 18 أيلول 2003 أمام اللجنة الفرعية للعلاقات الدولية في مجلس النواب الأميركي إذ قال: «إنه لأمر معقول جدّاً أن يترك النظام السوري وراءه في لبنان بعد انسحابه منه، العديد من أدواته للإرهاب والتدمير، وأيضاً العديد من أدواته العسكرية والاستخباراتية… بناءً عليه، إنه لأمر إلزامي وملّح، أن يترافق الانسحاب السوري، مع تجريد كامل من السلاح لكل العناصر المسلّحة”.
ليؤكد الحزب لاحقاً ما توقّعه من وَقَعَ لاحقاً في أحضان “محتجز الرهائن”. ففي 18 حزيران من العام 2005، أعلن النائب نواف الموسوي يومها بتصريح نشرته الـ”دايلي ستار” أن “الحزب اتخّذ قراره بملء الفراغ الناجم عن الانسحاب السوري ووضع حدّ لقوى الغرب، لا سيما الولايات المتحدة وفرنسا من ممارسة تأثيرها على الشؤون الداخلية اللبنانية”، وليشرح نائب الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم تدرّج قرار الحزب من التسليم بالاحتلال السوري الى ملء فراغ هذا الاحتلال وتسلّمه لمهامه، وذلك في مقابلة مع وكالة “رويترز” نقلتها “السفير” في 17 آب من العام 2005 بقوله: “إن الحزب اتخذ قراراً لا رجوع عنه يقضي بعدم إشراكه بالحكومة طالما أن السوريين موجودون في لبنان، إذ إن وجودَهم يمنح “حزب الله” الحماية السياسية. كما أن التوجّه العام في لبنان، والتنسيق السوري ـ اللبناني ساعدا في تأمين هذه الحماية”.
وكما أخذ “حزب الله” بيروت والجبل رهينة بين 7 و11 أيار 2008 ليأخذ “الفدية” ثلثاً معطّلاً في الحكومة. وكما فعل بالقمصان السود في 2011 ليؤجل رئيس الجمهورية الاستشارات الملزمة لتسمية رئيس الحكومة، وليقدّم هو ووليد جنبلاط “الفدية” تسمية لميقاتي بدل سعد الحريري وغيرها من الابتزازات والتهديدات لقاء الفديات.
وها نحن اليوم مع أفضل تجلّيات المتلازمة المذكورة التي تظهر وتتظهّر بممارسة كل من “المحتجِز” و”الرهينة”… فيتماهى بعض المرشّحين للرئاسة مع الحزب سواء أيّدهم كمرشحين أو “أبّدهم” كمُبعَدين عن جنّة قصر بعبدا…
لقد سبق للمرشّح سليمان فرنجية أن نفّذ تعليمات خاطفِه بحذافيرها من مقاطعة جلسات الانتخاب لتسهيل وصول ميشال عون الى حضور الجلسة التي انتخب فيها منافسه، علماً أن قوى 8 آذار كانت بأغلبيتها تؤيد وصول فرنجية… واليوم انتظر فرنجية – الرهينة قرار خاطفه بترشيحه ليتجرّأ ويعلنه، وهو اليوم ينتظر بائساً مقايضات ومفاوضات الخاطف على رأسه… وطبعا لا يختلف وضع الرهينة – جبران باسيل عن منافسه بعدم التخلّي عن “سجن الحزب” الصغير توسلاً لـ”عطيّة” حتى الآن “عصيّة”. وغيرهما كثيرون مماثلون للمرشَّحَين… وما تخييرنا بين مرشح الحزب أو الفراغ على لسان أمين عام الحزب ونائبه ونوابه وقيادييه إلا أسلوبًا من أساليب الحجز، والتماشي معه هو من عوارض المتلازمة المرضية موضوع البحث.
واخيراً وبعيداً عن المتلازمات النفسية والذميّات الخاضعة الخنوعة، لقد قيل في دراسة للكتاب المقدّس أن عبارة “لا تخف” ومشتقاتها تكرّرت في الكتاب المقدّس 365 مرّة، أي ما يعادل مرّة لكل يوم من أيام السنة… لتكون زوّادة كل مؤمن بالحق والحرية والكرامة وعلاجاً لكل مرض وترياقاً لكل مصاب.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]