الاتفاقات الدولية ترعى وجودهم وإلّا… الترحيل واجب!

حجم الخط

كتب شربل زغيب في “المسيرة” – العدد 1741

“الأخطار التي تهدّد لبنان عديدة: منها خطر غرقه في خضم الأغراب. أصبح قبالة كلّ 100 لبنانيّ 64 غريباً”

سعيد عقل، الجريدة 1970

 

في كل عصر يحتل لبنان عددٌ هائلٌ من الغرباء، ويشكل خطراً داهماً على المواطن اللبناني وعلى عيشه بحريّة تامّة ورفاهٍ وكرامة. أما اليوم وبعدما حل ما حل في سوريا من تطورات سياسية وأمنية واقتصادية، أدت الى تشرّد شعبها ولجوئه الى لبنان ودول المنطقة.

أرقامٌ كبيرة وهائلة أكبر من أن يتحمّلها لبنان “الكبير”، الصغير جغرافياً، تضعنا أمام الأمر الواقع.

فبحسب التقدير النهائي والأخير للمديرية العامة للأمن العام اللبناني، إن عدد السوريين المقيمين في لبنان يبلغ حوالي مليونين و80 ألف نازح، معظمهم لا يملكون أوراقاً نظامية. وبحسب بيانات المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين أن المسجلين لديها يبلغون 840 ألف لاجئ، ويوجد نحو 3100 مخيمٍ عشوائي على الأراضي اللبنانية، ومعظمها في البقاع والشمال. أي أصبحت أعداد النازحين تبلغ حوالى نصف عدد الشعب اللبناني وهذا مؤشر خطير وفق علم الديموغرافيا الذي يفرض ألا يزيد عدد الغرباء في أي بلد عن 6 في المئة من عدد المواطنين.

إن معالجة المشكلة الراهنة تحتّم على المعنيين إعادة النظر في تقييم الواقع وتصنيف المواطنين السوريين الذين نزحوا الى لبنان إبان الثورة السورية والتأكد من أحقية استمرارهم باستعمال صفة “النزوح”، وإجراء دراسة شاملة وحديثة وواضحة حول المشاكل التي تعانيها البلدان المجاورة من جرّاء هذا النزوح، لا سيّما لبنان الذي استقطب وتحمّل أعدادًا هائلة من النازحين الذين ألزمتهم الظروف السياسية والأمنية ترك وطنهم واللجوء الى بلدان أخرى ليقطنوا في مخيماتها والتغلغل في شوارعها وأحيائها.

عرّفت اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 الخاصة بوضع النازح، بأنه “الشخص الذي اضطُر للفرار من بلده بنتيجة خوف له ما يبرره من التعرّض لاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه الى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، ولا يستطيع أو لا يرغب بسبب ذلك الخوف في أن يظل بحماية ذلك البلد”. وأضافت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأنه في حال لم ينطبق على الفرد تعريف النازح فلن يتم منحه صفة اللجوء. وإذا كانت لديها أسباب ورئيسية تدعوها للاعتقاد بأن شخصاً ما قد ارتكب جرائم خطيرة، فقد لا يكون مؤهلاً للحصول على صفة اللجوء.

من مضمون هذا التعريف الذي وضعته الأمم المتحدة، يقتضي ربط تعريف صفة اللاجئ (النازح) بمسألة الوجود السوري في لبنان الذي يلقى معارضة شديدة وصارمة من معظم اللبنانيين، فيتبيّن بأن عددًا كبيرًا من السوريين المقيمين في لبنان، لا تتوافر لديهم صفة النازح، خصوصًا أن الأزمة السورية قد انتهت وأصبحت معظم المناطق السورية آمنة وبمنأى عن أية حروب وانتهاكات وأزمات أمنية، وهناك سوريون يغادرون الأراضي اللبنانية ويعودون إليها متى شاؤا. بحسب وزير العمل مصطفى بيرم هناك 37 ألف سوري دخلوا سوريا خلال فترة عيد الفطر، ثم عادوا الى لبنان بعد انقضاء عطلة الأعياد بما ينفي عنهم صفة النازح. أكثر من ذلك، هناك أعداد هائلة من السوريين في لبنان الذين أدلوا بأصواتهم لبشار الأسد في الانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة، مما يحتّم إزالة صفة النازح عن هذه الفئة أيضاً لعدم وجود ما يبرره.

إن ترددات الأزمة اللبنانية، وانتهاء الحرب السورية، أعادتا مشكلة النزوح الى الواجهة من جديد، فعلَت الأصوات التي تطالب بترحيل النازح السوري لتأثيره المباشر وغير المباشر على اليدّ العاملة اللبنانية وأخذه معظم فرص العمل في البلاد، واستحصاله على امتيازات خدماتية وصحية ومالية من معظم الجمعيات العاملة في لبنان. إضافة الى ارتكاب “البعض” عدداً من الجرائم والمخالفات التي يُعاقب عليها القانون اللبناني والاتفاقيات الدولية.

إن كل هذه الأسباب الرئيسية دفعت بالدولة اللبنانية الى اتخاذ قرار بترحيل كل مواطن سوري دخل لبنان بطريقة غير قانونية وغير نظامية وذلك للحدّ قدر الإمكان من مشكلة النزوح.

وبدأت الحكومة اللبنانية تفكّر جدياً بترحيل المسجونين والموقوفين من التابعية السورية الى بلدهم بغية استكمال إجراءات محاكمتهم هناك بعد أن وصل عددهم الى نحو 30 في المئة من أعداد السجناء في لبنان، هذا الأمر اعتبره البعض غير سهل وغير مباح قانوناً إلا في حال كانت لدى السجناء السوريين ملفات قضائية في سوريا، وفي حال استجابت الدولة السورية لمطالب لبنان. علماً بأنه يوجد بين لبنان وسوريا اتفاق قضائي موقع عليه في دمشق عام 1951، يجيز تسليم المحكومين والموقوفين بين البلدين وتنفيذ الأحكام الجزائية الصادرة عن قضاء إحدى الدولتين في الدولة الأخرى وفقا لأحكام هذا الاتفاق. وبالنسبة للأحكام غير الجزائية نصت المادة 17 من هذا الاتفاق على أن كل حكم مقرر لحقوق مدنية وتجارية أو تعويضات شخصية بدعوى جزائية أو صادر عن محكمة شرعية أو مذهبية قائمة قانوناً في إحدى الدولتين المتعاقدتين وله فيها قوة القضية المقضية يكون لها في الدولة الأخرى قوة القضية المقضية نفسها ويكون قابلاً للتنفيذ فيها وفقا لأحكام هذا الاتفاق.

قرار “الترحيل” زاد من استياء بعض المنظمات الدولية المعنيّة بحقوق الانسان باعتبار أن المواطن الذي يتم ترحيله قد يكون عُرضة للتعذيب على يدّ النظام السوري. لكن إذا كانت حقوق الإنسان لا سيما النازح مقدّسة، فمن الواجب أيضاً على المجتمع الدولي أن يساند لبنان ويساهم بإيجاد حلّ جذري لهذه المشكلة التي أصحبت تشكّل عبئاً كبيراً على القطاعات والخدمات كافة.

وفي هذا السياق، جاء في ديباجة اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 وبروتوكول عام 1967 الخاصين بوضع النازحين “أن الأطراف الساميين المتعاقدين يعتبرون أن منح الحق في الملجأ قد يلقي أعباء باهظة على عاتق بلدان معينة، وأن ذلك يجعل من غير الممكن، من دون تعاون دولي، إيجاد حل مرضٍ لهذه المشكلة التي اعترفت الأمم المتحدة بأبعادها وطبيعتها الدولية”. وجاء أيضاً “إذ يعربون عن الأمل في أن تبذل جميع الدول، إدراكا منها للطابع الاجتماعي والإنساني لمشكلة النازحين، كل ما في وسعها للحيلولة دون أن تصبح هذه المشكلة سببًا للتوتر بين الدول”.

إن لبنان لم يعد قادرًا على استيعاب هذا العدد الهائل من النازحين واحتضانهم لسنوات إضافيّة، فالحلّ يكمن بمتابعة عملية ترحيل كل من يدخل خلسة الى لبنان بطريقة مخالفة للقانون، خصوصًا أن اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالنازحين ألزمت النازح بأن ينصاع الى قوانين وأنظمة البلد الذي يوجد فيه، وأن يتقيّد بالتدابير المتخذة فيه للمحافظة على النظام العام. ونصت على عدم الإجازة بطرد نازح موجود بصورة نظامية إلا لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو النظام العام. إضافةً الى نزع صفة النازح عن كل مواطن سوري يدخل ويخرج من سوريا متى شاء، وضرورة توفير عودة آمنة لجميع النازحين وحمايتهم وتقديم التسهيلات المالية والخدماتية لهم في بلدهم الأم من خلال مساعدات الأمم المتحدة، وإلا سنكون أمام مزيدٍ من التوترات والمشاكل والأعباء التي ستقع تداعياتها على الجميع.​

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل