التربية على المواطنية والثقافة الديمقراطية وحسن استخدام المصطلحات السياسية هي مسيرة تراكمية في تاريخ الشعوب ومعايير تعكس التحضّر الحقيقي. لذا من يسمع الحملة الشعواء لـفريق «الممانعة» وبعض النواب «الرماديين» على استخدام مصطلح «التقاطع» لتوصيف الاتفاق بين قوى المعارضة و»التيار الوطني الحر» على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور يخال أنّ هذا المصطلح إبتكر عام 2023 ولم تعرفه الحياة السياسية في لبنان والعالم. كأنهم يصرّون على دفعنا نحو التخلّف وقصر النظر ومحو الذاكرة. لذا الوقائع بالتواريخ لتقاطع محور الممانعة وعلى رأسه إيران مع أخصامه وفي طليعتهم الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل خير جواب لوضع حدّ لهذه الحملة على «التقاطع» حول أزعور ولكشف زيفها. وهذه عينة منها:
* خلال ثورة 1958 التي خيضت ضد رئيس الجمهورية كميل شمعون شهدنا تقاطعاً بين الحزب «السوري القومي الاجتماعي» و»الكتائب» على مواجهتها. «القومي» اتخذ قراره بهدف التصدي للمدّ الناصري وعروبته وتجربة «الجمهورية العربية المتحدة» – حيث نُكّل بالقوميين – ما يتعارض مع «سوريا الكبرى» و»الهلال الخصيب» وتفوّق أبناء بلاد الشام على باقي البشر. أمّا حزب «الكتائب» فتصدى للثورة إنطلاقاً من دعمه الدائم للعهد ولمفهوم الجمهورية وسيادة الدولة وسلطة القانون. لا مشاركة «الكتائب» ولا التدخّل الاميركي العسكري يومها عبر قوات «المارينز» في بيروت منعا «القومي» من هذا التقاطع.
* التقاطع بين إيران والولايات المتحدة الأميركية «الشيطان الأكبر» وإسرائيل «الغدة السرطانية» عبر قضية «إيران كونترا» أو ما عرف بفضيحة Irangate، حيث عقدت واشنطن اتفاقاً مع طهران عام 1985 لتزويدها بأسلحة متطورة أثناء حربها مع العراق وذلك لقاء إطلاق 5 رهائن اميركيين في لبنان. كان الاتفاق بينهما الذي حضره أيضاً المندوب عن المخابرات الإسرائيلية الخارجية «الموساد» آري بن ميناش يقضي ببيع إيران عن طريق الملياردير السعودي عدنان خاشقجي ما يقارب 3000 صاروخ «تاو» مضادة للدروع وصواريخ هوك أرض جو مضادة للطائرات. انطلقت شحنات الأسلحة من إسرائيل واستعملت أموال الصفقة لتمويل حركات «الكونترا» المناوئة للنظام الشيوعي في نيكاراغوا.
* التقاطع بين إيران والولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، حيث كانت طهران تريد الانتقام من عدوّها صدام حسين والتخلص منه في العراق وتؤكد أنّها «لن تسمح أن تكون هناك دولة وهّابية في أفغانستان» بحسب قول مستشار المرشد الاعلى للثورة الاسلامية الايرانية للشؤون الدوليّة علي أكبر ولايتي. لقد أعلن نائب الرئيس الإيراني محمد علي أبطحي في 15/1/2004 خلال ختام أعمال «مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل» الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبو ظبي أنّ بلاده «قدمت الكثير من العون للأميركيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق»، مؤكداً أنّه «لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة». كلام أبطحي يتكامل مع قول رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني خلال خطبته في جامعة طهران في 8/2/2002 «إنّ القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها وأنّه لو لم تُساعد قوّاتهم في قتال طالبان لغرق الأميركيون في المستنقع الأفغاني»، مضيفاً: «يجب على أميركا أن تعلم أنّه لولا الجيش الإيراني الشعبيّ ما استطاعت أنْ تُسْقط طالبان».
* التقاطع بين «حزب الله» والولايات المتحدة الاميركية» و»الناتو» على ضرب الصرب بقيادة سلوبودان ميلوسيفيتش خلال حرب البوسنة والهرسك التي امتدت من آذار 1992 حتى تشرين الثاني 1995. فقد أعلن أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله خلال خطاب في 25/5/2013 «نحن يا إخوان ذهبنا إلى البوسنة والهرسك، خيرة شبابنا، كانت لدينا معسكرات… يمكن أن تكون هذه أول مرة نتكلم بهذا الموضوع بهذا الوضوح، قاتلنا وسقط لنا شهداء، دفاعاً عن من، عن المسلمين السنة في البوسنة».
هذه العينة من تقاطع «محور الممانعة» مع «الولايات المتحدة الاميركية» وإسرائيل برسم من يعيبون «التقاطع» على أزعور أو يستخفّون بإمكان ديمومته ومدى جدواه، فكم من تقاطع أسقط دولاً وأنظمة…