على الرغم من حملات البروباغندا المتواصلة لشيطنة القوات اللبنانية، تترسخ القوات في ضمير اللبنانيين يوماً بعد يوم في مسار تصاعدي. وبقدر ما يلفت ذلك المراقبين والمتابعين، بقدر ما يدفع خصومها الطامعين الواهمين المشتبهين، في الداخل والخارج، بالسيطرة على لبنان، إلى التوتر والتشنج إلى حد الجنون. وهذا ما نلاحظه في هذه الأيام من تصرفات فريق الممانعة خصوصاً في ما يتّصل بالاستحقاق الرئاسي.
فكل ما خطَّط له فريق الممانعة داخل غرفه السوداء ومطابخه الصفراء، وسعى إلى تنفيذه في السنوات الماضية، لضرب صورة القوات والحدّ من صعودها المتنامي، فشل فشلاً ذريعاً كما يثبت الواقع القائم.
ولا شك بالنسبة لأي مراقب محايد، أنه منذ عودة القوات برئاسة سمير جعجع إلى الانخراط في الحياة السياسية بشكل طبيعي إثر خروجها من المعتقل بعد زوال الاحتلال السوري والنظام الأمني السوري اللبناني المشترك، وعلى الرغم من كل حملات التشويه ومخططات العزل والحصار التي ينفّذها فريق الممانعة، خصوصاً حزب الله الذي يحلم بأن يكون الوصيّ الوريث، ترسّخ القوات نفسها رقماً صعباً في المعادلة السياسية لا يمكن تخطّيه.
وليس صدفة أن يرتفع عدد نواب القوات من 5 في العام 2005 ليصبح تكتل الجمهورية القوية أكبر كتلة في البرلمان اللبناني بـ19 نائباً فازوا في الانتخابات النيابية أيار العام 2022. هذا على الرغم من كل ما حصل طوال السنوات الماضية وصولاً إلى انفجار الأزمة في تشرين الأول العام 2019.
وربما يمكن تفسير هذا التمدد السياسي والوطني القواتي والثقة المتنامية التي تحوزها القوات لدى معظم البيئات والأطياف اللبنانية، خصوصاً المسيحية، بنجاحها في المواءمة بين المبدئية والواقعية في ممارسة السياسة. أي عدم المساومة بأي شكل على المبادئ الأساسية والثبات عليها والتمسُّك بها بصلابة وعناد مهما كان الثمن من جهة، والليونة والمرونة والانفتاح والتواصل في التعاطي السياسي اليومي، بما ينسجم مع قناعاتها ويخدم تحقيق المبادئ والمصلحة العامة، من جهة ثانية.
هذا المسار الذي اختَّطته القوات لنفسها بالتصدي لمحاولات الهيمنة على لبنان والحفاظ على هويته التاريخية تحت راية الحرية وكرامة الإنسان، والرسوخ في موقع المبادئ والقيم اللبنانية الصافية من دون مساومة، وممارستها للشأن العام بأعلى معايير الاستقامة والنزاهة والمناقبية والشفافية، جعلها مركز جذب للّبنانيين التوّاقين إلى هذا النموذج في السياسة اللبنانية.
أضف إلى أن ذلك سمح بتطور العلاقات بشكل مضطرد مع مختلف القوى السياسية التي تمتلك النظرة ذاتها على صعيد استعادة الدولة من خاطفيها، وإعادة بناء المؤسسات على أسس عصرية حديثة شفافة بعيداً عن الممارسة الزبائنية والمحاصصاتية التي درجت عليها المنظومة الحاكمة في السنوات الماضية بالتحالف وتحت غطاء هيمنة السلاح والتي أوصلتنا إلى الانهيار.
بالتالي، أثبتت الأحداث صوابية ما دأبت القوات على التشديد عليه، بأن سلاح الموقف والثبات عليه مهما بلغت الضغوط، يبقى أقوى من سطوة السلاح والتهديد والوعيد. والدليل الأحدث ما يحصل على مستوى المعركة الرئاسية الدائرة.
فالثابت، سقوط كل محاولات فريق السلاح لكسر إرادة اللبنانيين وفرض مرشحه الرئاسي بالقوة. وأثبتت اللا الكبيرة التي رُفعت في وجهه، أن كل تهديداته وسلاحه وصواريخه والمائة ألف مقاتل، لا تُصرف ولا تُقرَّش في مكان متى عقد اللبنانيون العزم على إشهار سلاح الموقف في وجهه.
من هنا، فإن كل القوى التي ترفض منطق الهيمنة والتسلُّط مدعوة إلى الثبات على موقفها، وتكثيف جهودها وتوسيع مروحة تلاقيها في الأيام المقبلة. والمطلوب أيضاً من القوى المناهضة لمنطق الحزب والتي لا تزال في موقع انتظاري، أن تحسم خياراتها وتغتنم الفرصة المتاحة للإنقاذ، وعدم منح الفريق المهيمن أي فرصة لالتقاط الأنفاس واستعادة توازنه. والجميع تحت الحساب في محكمة الشعب.