في هذا “البيت بمنازل كثيرة”، هذا الكيان الذي نواليه بعد الله واسمه لبنان، سلسلة تطورات حصلت منذ إعلان دولة لبنان الكبير، منها محاولات جادة لبناء الدولة العصرية بعد تأكيد الهوية. لكن المحصلة النهائية لم تكن هي المرجوّة حتى الآن.
في هذا الوطن، وقد تمّ التوافق على نهائيته، عندما تفاعلت جماعاته أنجزت تجربة حضارية فريدة، فصار منارة الشرق وجسراً بين الثقافات وساحة ريادة وإبداع، فاستحق عن جدارة بتنوعه وديمقراطيته، وهي غريبة عن أنظمة المنطقة أن يكون سويسرا الشرق حضارةً وحداثة وأن يتكرّس موطن الشجعان ومعقل الأحرار وملاذهم في كل المنطقة.
أما عندما دغدغت مشاريع من خارج الحدود ومناقضة للنسيج الوطني اللبناني أحلام بعض اللبنانيين الراغبين في ممارسة الغلبة على الآخرين، اهتز الاستقرار وصولاً إلى استعمال العنف في تلاطم المشاريع والطموحات، فكان ما كان، خاصة منذ اتفاق القاهرة ولا يزال مستمراً حتى اليوم وإن تغيّر اللاعبون وتبدل المشروع.
لن أدخل في التفاصيل وهي كثيرة، لكن كان لا بد من التذكير تسهيلاً للوصول إلى العبر والخلاصات وهي حقاً تدلنا على الطريق الإلزامي الوحيد للحل ولا بد من التنويه أن وضع إتفاق الطائف لإنهاء الحرب وبدء إجراءات بناء الدولة كترجمة دستورية لميثاق 1943 كان من المحاولات الحديثة لإنهاء الإشكالات حول الكيان والهوية والدور.
لكن ثلاثة عقود ونيف على اقراره وتجربة إعادة الإعمار وإطلاق العجلة الاقتصادية وتحقيق النمو المتوازن والازدهار، التي أطلقها وجود الرئيس الشهيد رفيق الحريري في السلطة، إضافة الى حصول الانسحاب السوري ومحاولة قوى 14 آذار التي حققت غالبية نيابية لمرتين التقدم في اتجاه بناء الدولة، باءت كلها بالفشل وصولاً إلى جهنم التي نعيش. حراك شعبي حصل، أفكار تغييرية طرحت، برامج إصلاح إداري ومالي نوقشت، لكن الأزمة تستفحل ومشروع التيئيس والاخضاع يستشري، وطبعاً المقاومة اللبنانية تتصدى وتواجه ومعها غالبية شعبية وسياسية من كل الطوائف.
لكن حان وقت الاقتناع بالفارق بين البناء على صخر والبناء على رمال. والبناء المقصود هو الدولة الفعلية القادرة والعادلة. والدولة اللبنانية لا يمكن أن تكون إلا انعكاساً لأحلام الشعب اللبناني، دولة الحرية الانسانية المسؤولة، حرية الفرد والجماعة. ولتقوم بهذه المسؤولية، يجب أن تمتلك الصلاحية.
أقانيم هذه الدولة كما بناء البيت. أساس على الصخر والأساس هو الدولة. حجر زاوية متين وسليم وهو السيادة. سقف حام لا يتجاوزه أحد هو الدستور. هذه الأسس تؤمن كل ما هو مطلوب من انتظام لعمل المؤسسات ورقابة وشفافية وصولاً إلى السعادة والرفاهية.
بهذا، نبني هذا البيت. وبدونه، وعذراً من كل المنظرين والاصلاحيين، عبثاً يتعب البناؤون.