يوم استدعي وزير الخارجية الفرنسية السابق جان إيف لو دريان، المستريح في تقاعده من العمل السياسي، على عجل إلى الإيليزيه، لتكليفه من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمّة متابعة الملف اللبناني خصوصاً لناحية إيجاد حلٍّ للانتخابات الرئاسية المعطَّلة، تبيَّن حينها بشكل واضح أن المقاربة الفرنسية السابقة للاستحقاق الرئاسي اللبناني “مش ماشية” ولا تمرّ.
كان لا بدَّ للرئاسة الفرنسية من أن تبدّل في طريقة تعاطيها مع القضية، إزاء المعارضة الشديدة التي وقفت في وجه مبادرتها السابقة المعروفة، وبعدما عمَّ الانطباع في لبنان أنها غير متوازنة. إلى درجة، أن فريق الممانعة لم يوارِ استغلاله لحرص فرنسا على لبنان واهتمامها بمساعدته لإخراجه من أزماته، بل حاول أن يستخدم مساعي باريس في سياق التهويل والتهديد الذي يمارسه للضغط باتجاه فرض مرشحه سليمان فرنجية بالقوة.
ولعلّ النقطة الفاصلة باتجاه تبدّل الرياح الفرنسية، كانت الزيارة التي قام بها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى باريس، إذ حمل معه رفضاً مسيحياً عارماً لفرنجية بصفته مرشحاً لمحور الممانعة، تبلَّغه مباشرة من الأحزاب المسيحية الرئيسية (القوات اللبنانية، التيار الوطني الحر، الكتائب اللبنانية)، والتي تشكل الغالبية الساحقة من الكتل البرلمانية المسيحية، فضلاً عن المستقلّين، والتقاطع مع أطراف المعارضة على دعم المرشح جهاد أزعور.
ولا يجب أن يغيب عن الحسبان في هذا السياق، الرسائل الفاتيكانية التي وصلت إلى باريس، حول عدم جواز كسر إرادة المسيحيين وفرض رئيس جمهورية عليهم بالقوة. بالتالي، كُلِّف لو دريان “الخبير العتيق” بالمهمة، وحلَّ ضيفاً على لبنان بين 21 و24 حزيران، مشيراً في بيانه المقتضب إثر انتهاء جولاته، إلى أنها زيارة أولى أراد أولاً أن يُصغي، وسيعود في القريب العاجل، وسيعمل على تسهيل حوار بناء وجامع بين اللبنانيين من أجل التوصل إلى حلٍّ يكون في الوقت نفسه توافقياً وفعّالاً للخروج من الفراغ المؤسساتي والقيام بالإصلاحات.
المحلل السياسي جوني منير، يرى، أن “الجميع اليوم في وضع انتظاري للزيارة الثانية التي سيقوم بها لو دريان إلى لبنان وما سيحمله في جعبته، بعد رفع تقريره إلى ماكرون الذي سيضمّنه بطبيعة الحال قراءته للمباحثات التي عقدها في بيروت مع معظم القيادات، حول سبل الخروج من الاستعصاء الحاصل وحلّ معضلة إنجاز الانتخابات الرئاسية”.
ويشير، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “الموفد الفرنسي سيضع استنتاجاته في الورقة التي سيرفعها إلى ماكرون، خلال الأيام القريبة المقبلة”، لافتاً إلى أن “لو دريان غادر بيروت شاعراً بثقل المهمة التي أوكلت إليه، وبتعقيدات الوضع والاصطفافات الحادة القائمة في الداخل اللبناني”.
“لكن من الواضح أن لو دريان يركّز على الخيار الثالث”، وفق منيّر، مضيفاً أن “استنتاجاته خلصت إلى أن التعقيدات القائمة تستوجب الذهاب إلى تسوية تتيح الانتقال إلى خيار مشترك، أي خيار ثالث، في ظل استحالة التوافق أو التوفيق بين الاصطفافين الحادَّين الحاصلين”.
وبرأي المحلل السياسي ذاته، أنه “يمكن القول إن عنوان المرحلة المقبلة هو الخيار الثالث، لأن الأمور مقفلة داخلياً مع الاصطفافات الكبيرة القائمة”، لافتاً إلى أن “هذه قناعة لو دريان بعدما رأى أن الأمور معقدة أكثر مما كان يتصوّره. علماً أن لو دريان متشائم أصلاً، وغادر بيروت متشائماً أكثر بعدما اكتشف أن الأمور (مسكّرة تماماً)”، ومنوِّهاً إلى أنه “سيأتي في زيارته الثانية بأفكار مفصَّلة أكثر، تحت عنوان الخيار الثالث”.
أما عن كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بالأمس، وقوله “لا نحن نستطيع أن نأتي بمرشح من دون تعاونهم ولا هم يستطيعون أن يأتوا بمرشحهم من دون تعاوننا، فما الحل؟ الحل هو أن نأتي ونجلس ونتفاهم ونقنع بعضنا بعضاً و”صحتين على قلب لبيطلع” بالتوافق والتفاهم، يعتبر منيّر، أن “رعد استخدم تعابير جديدة لم نكن نسمعها من قبل، لكن من المبكر الاعتقاد بأنها بداية انعطافة، وعلينا الانتظار لنرى”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية