عندما أجبرت الحرب اللبنانية كل فئة على التموضع في مناطقها، كانت المناطق التابعة للقوات اللبنانية والتي أطلق عليها سويسرا الشرق، تنعم بالأمن والأمان والبحبوحة والعجلة الاقتصادية التي لا تتوقف، بفضل دعم “القوات” لمؤسسات الدولة التي كانت موجودة ضمن منطقتها، وبفضل المؤسسات التي أنشأتها والتي ساهمت مساهمة كبيرة في تأمين سبل العيش الكريم لكل سكان المنطقة الحرة.
على سبيل المثال لا الحصر، كانت “القوات” تملك أسطولاً من الباصات ضمن مشروع النقل العام الذي كان يغطي معظم المناطق، وكان بإمكان أي شخص التنقل ضمن المناطق المذكورة بكلفة زهيدة جداً.
الطبابة كان يستفيد منها غالبية سكان المنطقة الشرقية ومن كان يأتي إليها من خارجها، وأولى عمليات القلب المفتوح التي جرت في لبنان كانت بتغطية كاملة من القوات اللبنانية.
شكل التضامن الاجتماعي رافعة اجتماعية، إذ كان يؤمن المساعدات لكل العائلات المحتاجة، أضف الى ذلك، الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب الذي لا يزال في طليعة الوسائل الإعلامية حتى اليوم، ناهيك عن الأجهزة الأمنية والقضائية والعسكرية التي كانت تغطي الفجوة الكبيرة التي تركتها الدولة العاجزة، وبالتالي، كانت “الشرقية” دولة بكل ما للكلمة من معنى، فاستحقت تسمية سويسرا الشرق، التي كان يقصدها اللبنانيون من كل المناطق والطوائف للتمتع بالحرية المفقودة في مناطقهم.
هذا المقال ليس بطبيعة الحال عن القوات اللبنانية، إنما عن حزب، كلما سمع باللامركزية أو الفدرالية أو أي تسمية تفصله عن الآخرين، تعود الى ذهنه تلك الصورة الناصعة التي ستكون عليها المناطق غير التابعة لسلطته، وبالتالي هروب كل رجال الأعمال والمفكرين والشرفاء من مناطقه وقمعه وتسلطه وإيديولوجيته الى المناطق الأخرى.
المقصود هنا “الحزب”، الذي كانت تعمّ مناطقه الفوضى أيام الحرب والتي كانت بعيدة كل البعد عن واقع المنطقة الشرقية، ثم فشل بعد الحرب وحتى اليوم، فشلاً ذريعاً في إعطاء نموذج يُحتذى به، أو نموذج مغري للآخرين في طريقة عيشه، فترى الفساد والمحسوبيات والصفقات والسمسرات والمخدرات والسلاح وكل ما هو غير شرعي، منتشر في أماكن نفوذه، مانعاً الدولة من تطبيق القانون فيها.
نكاد نسمع كل يوم باشتباكات بالأسلحة الرشاشة والمتوسطة في مناطق نفوذ الحزب، عمليات الخطف التي لا تنتهي، ضبط معامل المخدرات، السيارات المسروقة، الممنوعات المعدة للتهريب، حتى أن جماعاته سرقت مستودعات الأسلحة التابعة له…
فهل هكذا يريد إغراء اللبنانيين للقبول بمشروعه؟
أذكر في أواسط التسعينيات، أن الشهيد جبران التويني، استضاف في برنامج على الـLBC عن الانتخابات الرئاسية، أمين عام الحزب حسن نصرالله، في حلقة حوارية، قال فيها نصرالله، إن لبنان بعد عشر سنوات سيصبح دولة إسلامية، “وبكرا مِنذَكِر بعضنا”. وحين سأله المضيف عن الطريقة التي سيتم فيها فرض هذه الدولة، كان جوابه أن اللبنانيين وبانبهارهم بأداء”الحزب”، هم سيطلبون منه أن يكون لبنان دولة إسلامية.
بعد 30 سنة على هذه الأقوال، نفر معظم اللبنانيين من “الحزب”، ليس فقط بسبب إيديولوجيته ومشروعه المستورد الغريب عن تاريخ لبنان، وإنما أيضاً بفضل أدائه الفاشل والتعيس في كل ما يقوم به، من دون أن ننسى ممارساته العسكرية الفاشلة، بعكس ما يحاول إظهاره هو، والحرب السورية كانت أكبر دليل على سقوطه، إذ كان عاجزاً أمام الثوار السوريين الذين قاتلوا بوسائل بدائية، ما استدعى تدخلاً إيرانياً، أثبت فشله أيضاً، حتى تدخل “الدب الروسي”، محاولاً إنقاذ الوضع، وانعكس هذا الفشل على كل لبنان ودولته المتحكم بها، في أسوا أداء عرفه التاريخ لمجموعة استولت على دولة، فشلٌ أوصله لفرض كافة أنواع الترهيب في الانتخابات النيابية الأخيرة على بيئته، خوفاً مما كان ينتظره.
هكذا، يخاف “الحزب” خوفاً شديداً من إمكانات الآخرين التي يعرف جيداً أنها ستكشف فشله الهائل في كل ما قام به، فهو ربيب النظام السوري الذي لا يعرف سوى البطش والقتل والاغتيال والاستقواء على الشباب والشابات العزل في ساحات الاعتصامات.