كتب جومانا نصر في “المسيرة” – العدد 1742
عودة النازحين إلى 2025…
إحزموا عدة الشغل!
أعباء دراماتيكية وتقصير يرقى إلى مستوى الخيانة
حسناً فعلت الدولة في مطالبة المجتمع الدولي بالتعويض عن الخسائر والأعباء التي تكبّدها لبنان منذ العام 2013 على النازحين السوريين والتي بلغت 25 مليار دولار، إذ نادراً ما تعوّدنا كلبنانيين على لغة الإحصاءات بلسان الدولة. لكن ما دام الأمر يتعلق بتعويضات وأرباح إضافية فالمسألة لا تحتاج لأي تفسير.
الأرقام وردت في الورقة – الخطة التي حملها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب إلى مؤتمر بروكسل الذي نظمه الإتحاد الأوروبي يومي 14 و15 حزيران تحت عنوان “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”. وبحسب الخطة لم يحصل لبنان من هذه التعويضات إلا على 12 في المئة. وهذا ما يفسر ارتفاع الكلفة المالية على الدولة والمرافق العامة. ولعل أهم ما في الورقة أنها ولأول مرة تعبّر عن موقف موحّد للدولة اللبنانية بمقاربة إدارة أزمة النزوح السوري بإقرار أنّ لبنان لم يعد قادراً على تحمّل تبعات النزوح السوري، بورقة عمل موحّدة باسم الحكومة.
هذا ما كُتِبَ على الورقة. أما على أرض الواقع فالجواب كان واضحًا ومباشرا “عودة السوريين إلى بلدهم بالقوة مرفوضة”، قالها مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. بكلام أوضح وأكثر مباشر انتظروا حتى سنة 2025 وليس في الكلام لغز إنما وقائع مطرزة على الاتفاق السعودي – الإيراني.
أن يأتي الحل متأخرًا أفضل من أن لا يأتي أبدًا. متفقون على هذا المبدأ لكن ليس إذا كان يتعلق بتغيير ديمغرافي نتيجة وجود مليوني ونصف مليون نازح سوري في لبنان وبكلفة تقديرية تصل إلى 5 مليارات دولار لسنة 2023 يتكبّدها الاقتصاد اللبناني بسبب النزوح السوري. والأخطر ما ردده بوريل عن رفض عودة السوريين بالقوة، مما يبشر بالأسوأ إن على المستوى الديمغرافي أو الاقتصادي – الاجتماعي.
بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، فإن عودة النازحين السوريين منوطة بضمانات يختصرها المسؤولون بكلمتين: آمنة وكريمة. وفي ما خص الغرب فالصورة أبعد مما يرسمها البعض لجهة الإبقاء على النازحين في لبنان لضمان عدم وصولهم إلى حدود بلادهم التي تعاني الأمرّين نتيجة تداعيات الحرب في أوكرانيا. “الغرب يقف أمام حقيقة واحدة مفادها أن العودة منوطة بقبول بشار الأسد بالحل السياسي وتحديدًا تنفيذ القرار الأممي 54/22 الذي يعتبر نفسه أنه نفذ بنوده في حين لا يزال حبرًا على ورق. وكل ما يُقال ويشاع في إطار حبك مؤامرة أممية من قبل الغرب على حساب لبنان يبقى في إطار التحليل والتخيلات”.
كلام الكاتب والمحلل السياسي جورج أبو صعب يتقاطع مع الموقف الأميركي والأوروبي وجزء من الدول العربية في مسألة انعدام الثقة ببشار الأسد، وعليه لا يمكن ضمان عودة النازحين، وتتمحور هذه الضمانات حول الحل السياسي. وفي السياق يشير أبو صعب إلى المحضر الذي نُشر في إحدى الصحف ويتضمن كلامًا مباشرًا لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال لقائه الأسد في القمة العربية، حيث أوضح أمامه أن ولاية حكمه تنتهي في الـ2025. وبالتالي يمكن أن نبني على هذه المعلومة حقيقة كاملة مفادها أننا أمام مرحلة انتقالية في سوريا ولن يكون فيها بشار جزءاً من الحل كما يتوهّم البعض وهو المشكلة في حد ذاتها. وما إصرار الدول العربية والخليجية على بقائه إلا للحؤول دون تكرار سيناريو الدم.
كثيرة هي الوقائع التي تثبت أن الأسد بات مجرد حاكم بلا سلطة منها تجميد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحوار الذي كان ينوي إجراءه مع الأسد عقب الانتخابات الرئاسية في تركيا وتجديد ولايته، في وقت كان مستعجلاً عليه خلال مرحلة الانتخابات، أضف إلى الرسالة التي أبلغه إياها الأميركيون ومفادها أن “هذا الرجل – أي الأسد – لن يكون على خارطة الضمانات”.
مشهد الأمير بن سلمان وبشار الأسد في القمة العربية أوحى للبعض أن الفريق الأول يسعى إلى تعويم الأخير. والصحيح أن “المعالجات تتم على القطعة منعًا لحصول أي عمليات أمنية”.
في انتظار ساعة العودة ستترتب حتمًا تداعيات تفوق قدرة لبنان الاقتصادية والاجتماعية على تحمّلها. لكن في النظر إلى مسبّبات المشكلة يبدو أن المسؤولية تقع أولاً على الدولة اللبنانية التي تجاهلت مسألة تنظيم وجود النازحين وإخضاعهم إلى القوانين المرعية الإجراء كما فعلت حكومات الدول التي استقبلت نازحين سوريين منذ اندلاع الحرب في سوريا في آذار 2011 ومنها الأردن وتركيا، وفي أحسن الأحوال يمكن اتهام الدولة بالتقصير المريع الذي يرقى إلى مستوى الخيانة العظمى بحسب أبو صعب.
النقطة الثانية تتعلّق بمسألة نفاذ القرار السياسي فلا يكون مجرد كلام على الورق كما حصل في مؤتمر بروكسيل وتحديدًا في الورقة – الخطة التي حملها بو حبيب وتلاها على أعضاء الإتحاد الأوروبي. وكان من الأجدى أن يكون ملمًا بأجواء المؤتمر بدل أن يحمل ورقة دوّنت عليها الحكومة مجتمعة سلسلة مطالب أغلبيتها تتعلق بالتعويضات، في حين لم ترَ الدولة أن ثمة واقعًا دوليًا جديدًا فإذا عجزت عن الانخراط به ستتلقى النتائج.
في ما يتعلق بالمرحلة الفاصلة عن الموعد المرتقب لعودة النازحين السوريين في 2025 يُفترض أن تكون هناك إحصاءات واقعية وتسهيل العودة الاختيارية لا أن يتم وضع المسألة في سلة واحدة. ماذا وإلا؟
دوافع عديدة قد تكون مصدر خشية لدى الكثير من المسؤولين والمعنيين في ملف النزوح السوري وتداعياته على المستويين الديمغرافي والاقتصادي. لكن ما يخشاه أبو صعب الذي يقرأ الملف من الناحية الجيوبوليتيكية أن يستمر عبء وجود النازحين السوريين حتى سنة 2025، إلا إذا حصل أي تطور على مستوى دراماتيكي يؤدي إلى قلب المعادلات في سوريا والمنطقة. وهنا يمكن أن نقرأ خلفيات قرار مناف مصطفى طلاس الذي أعلن عن العزم على إنشاء مجلس عسكري يتولّى المرحلة الانتقالية في سوريا. مما يطرح أكثر من علامة استفهام عن مصير الأسد، ويؤشر لتحضير المرحلة التي ستليه.
احتمال ضئيل؟ ربما. وقد يكون على مستوى من الأهمية والجدية. لكن الأكيد أنه قبل حلول سنة 2025 لا كلام عن عودة النازحين السوريين إلى بلادهم. إحزموا عدة الشغل!
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]