كتب أنطوان سلمون في “المسيرة” – العدد 1742
من الملاحظ أن بين اللّغة والسياسة علاقة تأثير وتأثُر وتداخل وتدّخل… حتى بتنا نبحث في السياسة من خلال اللغة، كما نبحث في اللغة من خلال السياسة، كذلك دخلت المصطلحات «اللغوية – السياسية» حسب التطوّرات والحاجات لتتماشى مع الرائج أو ما درج على تسميته بالـ”تراند”.
“تراند” المصطلحات تظهَّر في الأسابيع القليلة الفائتة في ثنايا وخفايا التقاء أطراف المعارضة مع التيار الوطني الحرّ على تسمية جهاد أزعور كمرشح لرئاسة الجمهورية، فظهرت تفسيرات تبريرية بعبارات مشتقة جميعها من أصل كلمة: “قطع”. وأكثر من استعمل المصدر ومشتقاته في كلماته “المتقاطعة” هو رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ليعلن عن “التقاطع” مع المعارضة، وأن اتفاقه معها هو عـ”القُطعة”. وأخيراً ما نُقل عنه قوله لـ”حزب الله” – مطمئِناً إياه باستبعاد “القطيعة” معه – “قطعولي الأربعاء” ومُمَنِّناً الحزب بالعقوبات الأميركية التي تلقّاها نتيجة رفضه “قَطع” علاقته به.
وحدها القراءة المتأنية للأداء العوني منذ انطلاقة الحياة السياسية لمؤسس التيار الوطني الحر الرئيس ميشال عون “تَقطع” الشك باليقين بأن ما شاب عليه تياره اليوم قد شبّ وشاب عليه مؤسسه من “تقاطعات” واتفاقات “القَطعة” عـ”القُطعة” حتى مع ألد أعدائه في كل مراحل حياته.
في 21 أيلول 1988 التقى ميشال عون سمير جعجع في اليرزة اعتراضاً على مخايل الضاهر و”قطعًا” لطريق وصول هذا الأخير الى قصر بعبدا.
في 23 أيلول 1988 ميشال عون رئيسًا للحكومة الانتقالية و”يقطع” وعدًا لسمير جعجع أن يحافظ على القوات اللبنانية تمامًا كمحافظته على الجيش اللبناني، ويُقسِم بشرفه العسكري على ذلك.
في 14 شباط 1989 يُعلن ميشال عون “القطيعة” مع القوات اللبنانية ويشنّ حربه الأولى عليها بعد وعود “قطِعت” له من السوريين.
في 14 آذار 1989 يُعلن ميشال عون “القطيعة” مع سوريا الأسد ويشن حربًا عليها – اعتبرها لاحقا “تنفيسة” – بعد أن “انقطعت” أمامه السبل لرئاسة الجمهورية.
وبعد أن طالت الحرب و”انقطع” الأوكيسجين عن “التنفيسة”، لجأ بطل التحرير الى القوات اللبنانية لمساعدته عسكريًا وماديًا في حربه، وهنا كان تقرّبه عـ”القُطعة” وعـ”القَطعة”. نقرأ في هذا الإطار ما جاء في الصفحة 191 من كتاب “من ميشال عفلق الى ميشال عون” للكاتب فايز قزّي، ما يلي: “انتقل اللواء عصام أبو جمرة الى المجلس الحربي لمقابلة سمير جعجع للبحث في إيجاد حلّ للمشاكل المالية، خصوصًا أن الجيش بدأ يعاني من نقص في اللواء الطبّي واللوجستي… وتمنّى على القوات لو تقدّم المال الى الجيش”… كما نقرأ في كتاب فايز قزي في الصفحة 214 “لم يكن لميشال عون أي شريك أو حليف في حرب التحرير لو لم تبادر القوات اللبنانية الى اللحاق بموقفه دفاعًا عن المنطقة الشرقية متجاوزة الآثار السلبية التي تركتها المعركة في 14 شباط”.
وهنا نتذكّر كيف أن الرئيس عون كان قد “قَطَع” وعدًا للقوات اللبنانية بتوسيع حكومته وضم القوات إليها عند “انقطاع” أمله بالرئاسة.
وطبعًا الكل يعلم كيف عاد ميشال عون ووصل ما سبق أن “انقطع” مع السوريين بعد شنّه حربه الإلغائية من 31 كانون الثاني 1990 وصولاً الى عشية 13 تشرين الأول 1990 عندما كان أقرب المقرّبين من ميشال عون بيار رفول على موعد “قُطِع” له في يوم اجتياح قصر بعبدا..
لتنطلق رحلة المنفى متنقلة بين “القَطع” والوصل بين سلطة الطائف وميشال عون عـ”القُطعة” وعـ”القَطعة” على ما كتب جبران تويني في 30 آب 2001 في صحيفة “النهار” تحت عنوان “طعنة جنرال”: “لم تعد تعيش الواقع بعدما توقفت عقارب ساعتك عام 1989 ولن أقول 1990 وآخرها عند طلب موعد مع اللواء غازي كنعان وعلى غير علم الذين كانوا حواليك، أو ساعة توقيعك اتفاقات مع السفير الفرنسي حول الطائف، وأيضا من دون علم الذين كانوا حواليك. من دون أن نذكر المفاوضات السرّية التي كنت تجريها مع «دولة الطائف» من أجل العودة الى لبنان”…
وصولاً الى “قطعِه” الوعود للنظام السوري و”حزب الله” لقاء تسهيل عودته الى لبنان و”قطيعته” و”قطعه” مع جمهور وقياديي 14 آذار …ليبدأ مرحلة “تقطيع” الوقت مع “قطع” الطرقات ومقاطعة الجلسات النيابية والوزارية لمصلحة من هم خارج حدود الوطن والدولة… وليصل أن يتباهى هو نفسه بأنه “قَطَع” تذكرة وان واي تيكيت لسعد الحريري، وبعد “القَطعة” عاد ووصل ما “انقطع” مع الحريري لتصبح علاقتهما «زواج ماروني» لا “ينقطع”… و”القَطعة” نفسها حملته أيضًا الى معراب تحت الصقيع والثلوج ليقطع وعداً للقوات اللبنانية، كما سابقاً، على الملأ وأمام الشاشات بالتزامه بالبنود العشرة السيادية والتي «ستكون من صلب خطاب القَسَم»… كذلك حملته “القَطعة” نفسها لزيارة دارة وليد جنبلاط، وأنسته أجراس كنائس الجبل التي كان يطالب بها عـ”القُطعة”.
وبعد تبوئه سدة الرئاسة جعلته “القَطعة” مضارباً في سوق “القَطْع” ومستفيداً من الهندسات المالية، إذ طرح الرئيس ميشال عون في جلسة مجلس الوزراء تاريخ 24 أيار 2017 ومن خارج جدول الأعمال التجديد ست سنوات لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وخير مثال على “القَطْعة” التي ألمّت وتُلِمّ بالتيار العوني ليمارس سياسة “التقاطع” على “القُطعة” لعشرات المرّات، هو علاقة التيار ورئيسه جبران باسيل بالرئيس نبيه برّي وحركة “أمل”؛ فعلى الرغم من تبادل الثنائي اللدود عبارات واتهامات بحق بعضهما البعض لم يقلها مالك بن أنس في الخمرة، لم “تنقطع” هذه العلاقة في المحطات المصيرية من انتخاب نبيه برّي لرئاسة المجلس بـ”تقاطع” بعض من نواب «تكتل لبنان القوي» مع الرئيس برّي بعلم ومباركة مؤسس ورئيس التيار… وانحدارًا الى التحالف في الانتخابات النيابية والنقابية والطالبية، وطبعًا قبل به التيار العوني ولمرّات كثيرة عـ”القُطعة” بسبب “القَطعة”.
وختاماً لن نحتاج للكثير من الوقت قبل الحكم على “المقطع” الأخير من “تقاطع” التيار العوني، لأن جبران باسيل أشَّرَ في كلمته الأخيرة على أن المتغيّرات أو ما اصطُلح على تسميته “القُطعة” لا ولن تشمل سلاح “حزب الله” ولا خيار المقاومة. وكما ألمح أنه عند “القَطعة” سيعود الوضع الى ما أكده المؤسس ميشال عون في 29 كانون الثاني 2016: “أنا والسيد واحد وهناك تكامل وجودي بيننا”، علماً أن “السيّد” كان قد سبق له أن أكد ما أوردناه في المقال بقوله بتاريخ 6 تشرين الأول من العام 1989 عن أن “ميشال عون لا يرى إلا مصالحه الشخصية”!
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]