ليس سرّاً أن حزب الله غير مرتاح في هذه الأيام لوضعيته العامة. والحزب واعٍ تماماً لحالته المأزومة على المستوى الداخلي والإقليمي، على الرغم من كل “البروباغندا المملّة” التي يتوسّلها مستميتاً في محاولة نفي فقدانه هالة القوة الساحقة الماحقة التي لا تُردّ، والتي لطالما استخدمها كواحدة من عدّة الشغل الرئيسية لتحقيق سيطرته وهيمنته الكاملة على البلد، من خلال محاولة كسر إرادة اللبنانيين المقاومة وإحباطهم ودفعهم للتسليم بمشروع الغلبة.
ولا شك أن حزب الله فوجئ بحجم المقاومة التي تتصدَّى له في الفترة الأخيرة، والتي لم تنفع معها كل محاولات الترهيب والتهديد، من أعلى قياداته ومسؤوليه وصولاً إلى “أبواقه الصغيرة”. بل إن دائرة مواجهة مشروع الحزب تتوسَّع باضطراد ملحوظ لتطاول قوى سياسية وكتلاً برلمانية متعددة، توافقت على الرغم من التباينات في ما بينها على الوقوف في وجهه والتصدِّي له.
ولعلّ معركة الرئاسة تُعدُّ من أبرز مظاهر المواجهة المفتوحة مع الحزب، الذي يسجّل خطوات تراجعية متتابعة في هذا السياق مقابل تقدُّم بارز لقوى المعارضة فمن الواضح أن المعارضة نجحت في وقف تقدُّم مخطط حزب الله لاستكمال هيمنته بعدما استفحلت في عهد الرئيس السابق ميشال عون، وكان يأمل في تثبيتها في الاستحقاق الرئاسي المنتظر الذي يمنع تحقيقه منذ نحو 8 أشهر في انقلاب واضح على الدستور.
من هنا، تصبح مفهومةً علامات التوتر والبلبلة التي يعيشها الحزب والممتدة منذ أشهر، والتي بدأت بالتمظهر أكثر فأكثر في العلن منذ مرحلة انتهاء عهد عون، وهي لا تزال في طور التوسُّع مع انسداد الأفق أمام الحزب لتحقيق غاياته، تبعاً لإدراكه أن هذه المرة ليست ككل المرات طوال العقود السابقة. ولم تكن محاولاته الأخيرة باستخدام “خيم شبعا التذكيرية” للهروب من هذا المأزق أفضل من سابقاتها.
فالواضح والأكيد أن حزب الله لا يتقدَّم. والتاريخ يعلّمنا أن عدم التقدُّم بالنسبة للأحزاب الراديكالية ذات العقيدة الشمولية المنغلقة الجامدة، هو “موت مؤجَّل” محتوم، والبقاء والاستمرار هو للمقاومين في سبيل الحرية والتقدُّم والازدهار في مواجهة “قوى الظلام”.
المحلل السياسي علي حمادة، يشير، إلى أن “كل المحاولات التي قام بها حزب الله منذ نحو 8 أشهر، أي منذ خلوّ سدة الرئاسة ولغاية اليوم، من أجل فرض مرشحه الرئاسي، فشلت”، لافتاً إلى أن “الحزب كان يعتمد على فائض القوة ووهج السلاح والتهديدات المتنوعة، من أجل أن تتلاشى أي مقاومة أمام مشروعه”.
ويشدد حمادة، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، على أنه “من الواضح أولاً، أن تركيبة المجلس النيابي أسهمت في مكان ما بإفشال مخطط الحزب. وثانياً، صلابة الموقف المعارض، بدءاً من النواة المسيحية الصلبة، وصولاً إلى المعارضة المتنوعة والعابرة للطوائف والأحزاب، والتي بالرغم من كل التهويل لم تتراجع عن موقفها الرافض للإملاءات وللفرض”.
ويؤكد، أن “رئاسة الجمهورية نقطة ثقل مركزية، نظراً للتداعيات المنتظرة في حال نجح حزب الله بفرض مرشحه. ففي حال حصول ذلك، يكون الحزب قد أنهى أو استكمل دائرة السيطرة على لبنان بأكمله. ومن الواضح أن القوى المعارضة تدرك خطورة مسألة الرئاسة، لذلك هي متمسكة بموقفها الرافض والمقاوم للفرض والإملاء”.
وينوّه حمادة، إلى أن “حزب الله، على الرغم من التهويل بالسلاح، وبالوضعين الأمني والسياسي، وعبر المنابر والحملات الإعلامية والتشويش، فإن الأطراف اللبنانيين الذين كان يعوِّل على تقديمهم تنازلات، لم يتراجعوا ولم يفعلوا، وفشل في تحقيق غايته”، مشدداً على أن “المشهد ليس بالقتامة التي يحاول الحزب الترويج لها، بل مختلف تماماً”.
ويضيف، “صحيح أن القوى السيادية لم تحقق انتصاراً في معركة الرئاسة حتى الآن، غير أن صمودها هو الانتصار بحدِّ ذاته. والواضح، أن حزب الله وصل إلى حائط مسدود، وذلك حتى باعتراف الفرنسيين الذي اضطُّروا للتراجع عن طرحهم السابق، أي معادلة (فرنجية ـ سلام)، إما تمّام أو نوّاف”، معتبراً أن “الفرنسيين كأنهم أرادوا من خلال تعيين الموفد الرئاسي جان إيف لو دريان، أن يرسلوا رسالة مفادها أن الموقف تغيَّر وعاد موقفاً متوازناً”.
ويلفت حمادة، إلى أنه “في ما يتعلَّق بروافد الموقف الضاغط لحزب الله، أي محاولة استعمال الجنوب كمنصة، واستخدام أزمة الخيم داخل مزارع شبعا ورفع جدار عازل حول بلدة الغجر الجنوبية، كل ذلك بقي تحت سقف التفاهم الإيراني الإسرائيلي بعدم الاصطدام في جنوب لبنان”.
ويوضح، أن هناك “هدنة إسرائيلية إيرانية في الجنوب اللبناني واضحة المعالم. فحتى عندما أُطلقت (الصواريخ اللقيطة) من الجنوب في بداية نيسان الماضي ونُسبت إلى حركة حماس، أُطلقت تلك الصواريخ الـ35 في حينه على أراضٍ مفتوحة في منطقة الجليل. بالتالي كانت رسالة للقول، نحن هنا لكننا لا نريد إشعال المعركة”.
ويجدِّد حمادة التأكيد، على أن “الحائط مسدود أمام حزب الله وليس لديه أي قدرة على التهويل، لا بحرب أهلية داخلية ولا بحرب إقليمية في موضوع الاستحقاق الرئاسي، وسائر الاستحقاقات الداخلية. من هنا، ضرورة تمسُّك القوى المعارضة على تنوّعها بصلابة الموقف، فسلاح الموقف هنا أقوى من سلاح الحديد والنار”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية