عرقتنجي يوثّق لحظة تموز 2006

حجم الخط

كتبت جوزفين حبشي في “المسيرة” – العدد 1742

عرقتنجي يوثّق لحظة تموز 2006

كنا “تحت القصف” ولم يكن يعلم

 

17 عامًا تفصلنا عن تموز 2006… يقول المخرج فيليب عرقتنجي “من الضروري أن نوثّق اللحظة، فالتاريخ لن يسامحنا”. عن أي تاريخ يتكلم ونتكلم في لبنان، ولكل منا تفسيره للتاريخ وما حدث ويحدث وسيحدث فيه؟ مهما كان التاريخ، سيظل تاريخ صيف تموز 2006، محطة عبثية جهنمية عصفت بكيان الوطن وشلّعت إستقراره ودمّرت حجره وبشره، وأعادتنا ألف عام الى الوراء، بسبب دويلة قررت أن تسرق القرار بالحرب من الدولة، فنصّبت نفسها الحاكم بأمره، وانتهى بها الأمر بالقول “لو كنا نعلم”….

نحن في تموز 2023، لا يزال قرار لبنان مخطوفاً حتى اليوم، ونحن نعلم أننا لا نزال نقف على فوهة بركان، فهل يعلم من يستقوي بالسلاح؟

من السيد المسيح نطلب السماح لتحويرنا قوله الشهير على خشبة الصليب “لا تسامحهم يا لبنان، لأنهم يعلمون ماذا يفعلون”. ولكل من نسي أو تناسى ماذا فعلوا في تموز 2006، نعيد التذكير بفيلم “تحت القصف”، على أمل أن تكون في الإعادة إفادة. من خلال هذا الفيلم نصرخ مجددًا، مندّدين بقرارات دويّلة لا تحترم الدولة والإنسان، رافضين الحرب والظروف المأسوية، وعودة ثقافة الحقد وإلغاء الآخر، الشريك في الوطن والقرار والمصير. من خلال هذا الفيلم، نضم صوتنا لصوت مخرجه فيليب عرقتنجي الذي قال يومها: “إنه فيلم ضرورة، يعيدنا الى ذكريات الماضي على أمل أن نتعلم منها الدروس والعبر، ونجد لمشاكلها العلاج الشافي، منعاً لتكرارها مستقبلاً. أوجّه تحية للجيش اللبناني، الذي نريده من دون سواه على كامل تراب الوطن، يحميه ويصون وحدته”.

يوم اندلعت شرارة حرب تموز من الجنوب اللبناني، وتحوّل الوطن فجأة، ومن دون أن يدرك اللبنانيون ماذا حدث، جحيمًا يغلي بالقذائف والصواريخ والموت والدمار والدماء والمقابر الجماعية، قرر فيليب عرقتنجي أن يطلق صرخة ضد كل ما يجري من عبثية. وبعد يومين من وقف المعارك الحربية، نزل وفريق عمله التقني، إضافة الى الممثلين الثلاثة: جورج خباز وندى أبو فرحات وراوية الشاب، الى أرض واقع يشبه كابوسًا خانقاً، وبدأوا يوثّقون الحدث من خلال شريط “دوكو-دراما” (مزيج من خيال الدراما وواقعية الوثائقي) بعنوان “تحت القصف”.

المخيّل كان قصة المرأة الجنوبية زينة (ندى أبو فرحات) تقيم في دبي وتستعد للطلاق من زوجها. وحتى تبعد ابنها الصغير كريم من أجواء التوتر بينها وبين زوجها، تقوم بإرساله الى لبنان قبل أسبوع من اندلاع الحرب العبثية، وتحديدًا الى قرية خربة سلم الجنوبية حتى يقضي الصيف لدى شقيقتها. وعند وقوع المأساة، تفقد زينة الاتصال بشقيقتها وابنها، فتقرر القدوم الى لبنان عبر تركيا. وتصل الى بيروت يوم وقف إطلاق النار، فتلتقي بطوني سائق التاكسي المسيحي (جورج خباز) الذي يوافق أن يوصلها الى الجنوب بحثاً عن عائلتها. وسط عبثية المشهد وضياع البطلين، ستنطلق قصة الفيلم وقصة صداقة ستنشأ بينهما لتتحوّل حبًا، فيحاولا مساعدة بعضهما بعضا للبقاء على قيد الحياة وإيجاد ابن زينة الضائع.

هذا المتخيّل الواقعي، أما الواقعي التوثيقي فهي هذه الرحلة الجحيمية مع كل ما يرافقها من مشاهدات دامية وكارثية لديكورات حقيقية وصادمة للدمار الهائل والموت والركام والمقابر الجماعية والمشرّدين والنازحين وعمليات إجلاء الأجانب واللبنانيين من حملة جنسيات أخرى. رحلة ممزوجة بالخوف والذهول وأمل أم بإيجاد أبنها وأختها على قيد الحياة، وإيمان بشعب حيّ لا يستحق كل ما جرى ويجري له، خصوصًا أنه ضحّى واندفع لمساعدة شقيقه الإنسان على رغم الخطر الكبير. إيمان بجيش ومنظمات دولية مثل الصليب الأحمر، لم يوفروا مجهودًا لمساعدة المنكوبين.

فيلم “تحت القصف” اسم على مُسمّى، ويليق به اسم آخر هو “المهمة المستحيلة” لصعوبة تنفيذه في ظروف أقل ما يُقال عنها في تلك الحقبة إنها كارثية. شريط انطلق بطاقة غضب ورفض لكل ما جرى، ورغبة في توثيق المأساة لتكون عبرة لمن قد يعتبر. من دون سيناريو جاهز، دخل فريق العمل الجحيم اللبناني. لم يحتاجوا لبناء ديكورات، فالحرب تكفّلت بالهدم، بأسلوب تعجز هوليوود بكافة مؤثراتها عن ابتكار مشهديات تقارب الصدمة التي رافقتنا ونحن نشاهد بعين الكاميرا أهوال الواقع. حتى الممثلون المحترفون عمدوا كثيرًا الى الارتجال، خصوصًا أن كل الشخصيات التي سيلتقي بها الثنائي ندى أبو فرحات وجورج خباز والصحفي بشارة عطالله وصاحبة الفندق راوية الشاب، هي شخصيات حقيقية من مواطنين ونازحين وصحافيين وعسكريين ورجال دين.

الفيلم حقق نجاحًا كبيرًا حيثما عرض، إن في الصالات اللبنانية، وإن في المهرجانات السينمائية الدولية التي شارك فيها، حاصدًا جوائز عديدة. منها جائزة المهر الذهبي كأفضل فيلم وجائزة أفضل ممثلة لندى أبو فرحات في مهرجان دبي السينمائي الدولي، وجائزتا “أفضل فيلم لحقوق الإنسان” و”الفيلم المفضل لجمهور الشباب” في أيام مهرجان البندقية. أيضًا شارك الفيلم في مهرجان نامور في بلجيكا عام 2007 وحاز “جائزة لجنة تحكيم الشباب”، وحصل على جائزة النفاد في مهرجان أنطاليا في تركيا.

نعلم أن الأفلام لم تنجح يومًا في تغيير مجرى التاريخ، ولكن مشاهدة آثار الحروب ومخلّفاتها في عمل سينمائي “دوكو دراما” قد تجعلنا نحن الشعب نستيقظ ونرى ونفهم. ومتى استيقظ الشعب، ينهض الوطن من كبوته.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل