لعله كابوس قد نصحو منه قريباً، وننفض عنا عار تلك التجارب المدوية بمرارتها في لبنان. لو ضاعت منا الحرية ماذا يتبّقى لنا؟ لا شيء. كنا حتى اللحظة ما زلنا نملك ذاك الهامش اللبناني المتمايز عن محيطه، نملك الحرية الإعلامية، نكتب ونقول ما نشاء، لكن ذاك الهامش يخنق الفاسدين، ويزعج المحتلين، ويربك العملاء، إذ لا سلاح أقوى من الكلمة والموقف. لا ترسانة عسكرية ولا مئة ألف مقاتل، ولا أزلام ولا متواطئين ولا قوة في العالم تفوق تلك المملكة، الإعلام الحر.
فقط في لبنان يعيش المجرمون والفاسدون على هواهم أحراراً “انقياء”، وتصدر الأحكام القضائية بسجن الأحرار والإعلام الحر، لأنه “تجرأ” على انتقاد أحد جماعة المنظومة الحاكمة. والسؤال ماذا يريد بعض القضاء في لبنان من الإعلام الحر؟ ماذا تريد تلك السلطة العميلة من الإعلام؟ هل تريد إيران ثانية في لبنان؟ هل تريد قتل حرية الرأي والتعبير؟ هل تريد كمّ الافواه حتى خنقها؟
ليست الحكاية في شخص الإعلامية ديما صادق، التي تلقت حكماً، أقل ما يوصف بالجائر، وهو السجن لسنة لأنها انتقدت في تغريدة عنصرية، أو ما وصفته بنازية، التيار الوطني الحر، حين اعتدى شباب منه بالضرب المبرح على مواطن طرابلسي، واسمعوه كلاماً مؤذياً وطردوه، فرفع جبران باسيل دعوى على صادق بتهمة القدح والذم وإثارة النعرات الطائفية، ليأتي الحكم عليها بعد ثلاث سنوات بالسجن لمدة سنة كاملة.
لا ندخل في الحيثيات القضائية وتفاصيلها، لكن صلب الموضوع هو الحريات الإعلامية في لبنان. أي جرم اقترفته صادق ليصدر الحكم بسجنها لمدة عام، عدا عن الغرامة المالية الكبيرة لمن جُرح شعوره المرهف الحساس بسبب كلمة “نازية”؟ أليست النازية بعينها تفجير مرفأ بيروت والضغط على القضاء لإبقاء المجرمين أحراراً؟ أليست النازية المطلقة سرقة حسابات المودعين؟ أليست النازية الفاقعة عدم محاسبة الفاسدين المعروفين الذين نهبوا وزارة الطاقة والاتصالات والمالية والمطار والمرفأ وغيرها وغيرها؟ أليست النازية شراء الضمائر ليبقى الرذيل عفيفاً والعفيف رذيلاً؟
والحال هذه، على تلك السلطة اذن سجن الإعلام الحرّ كله، لأننا جميعاً نصفكم بالنازيين والعملاء والعنصريين ضد الشعب اللبناني تحديداً قبل الغرباء! هل تريدون إعلاماً أصفرَ كإعلام سلطة الاحتلال تلك، الذي حوّل الحرية الإعلامية الى عبودية الانحناء والذل للمحتل والفاسد؟ هل لا تريدون من الأساس إعلاماً حراً في لبنان، يكون منارة الشرق كما كان على مرّ السنين والعهود؟!
نعرف الإجابة سلفاً، ونعرف الكثير الكثير عنكم وأكثر مما تتحملون وتتوقعون، لكن حسب الإعلام الحرّ والإعلاميين الأحرار فينا وبيننا، انهم يحافظون على شعرة معاوية تلك، التي تفصل بين الحرية والفوضى، لكن يبدو أنه صار واجب على ذاك الإعلام الحر بالذات، أن يقطع تلك الشعرة ليخيّط بها تلك الاحكام القضائية الجائرة غير المسبوقة بحق الإعلام، وأن نجابه الأقلام التي تسطّر أحكاماً مماثلة بحق الإعلام الحرّ، والتي قد تكون فاتحة خطيرة لأحكام مماثلة، لتحوِل سجون لبنان الى إقامات جبرية للإعلامين السياديين الأحرار.
عظيم، اسجنوا كل صحافة حرة في هذه البلاد، ولنرى ما إذا كانت تلك السجون “رح تساع كل الناس”، فيوم يدخل إعلامي حر الى السجن، قولوا انتهت الحريات في لبنان، وقولوا ما هو أخطر بكثير بعد، قولوا اندلعت حرب الحرّيات الفعلية في لبنان، فهنا الصحافة الحرّة وهنا الاقلام المبللة بدموع ودم الشرفاء، وهنا من يغمس القلم بدم القلب حيث يتحول الحبر الى خمرة النضال لأجل الحرية.