بالوقائع: “حزب أشرف الناس” يهزمه الفساد

حجم الخط

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، تقريراً مصوراً عن “حياة الثراء الفاحش لنساء رجل الأموال الأول في الحزب” محمد جعفر قصير في 6 تموز من العام 2023، وانتشر هذا الفيديو خارج وداخل بيئة الحزب التي تفاعلت بشكل ملفت مع مضمونه.

لا بد من التذكير أن المسؤولين في “الحزب” والناشطين فيه كانوا قد تطرقوا قبلاً لهذه “الحياة” وتلك “المظاهر”، مؤشرين ومحذّرين من الخطر الوجودي للفساد على الحزب و”مقاومته”.

ففي 30 حزيران من العام 2004 قال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، “الجهاد الأكبر هو عندما يمتنع الشخص عن السرقة والاختلاس”، ليقول بعدها في 4 تموز من العام 2004، “المقاومة الإسلامية تستطيع هزيمة مئة إسرائيل، لكن الفساد أقوى من مئة إسرائيل”. لاحقاً، سلّم نصرالله بأن الفساد تسلّل الى جسد الحزب ومسؤوليه ونال منهم، وذلك في لقاء مع “كوادر وسطيين” في حزبه في 12 تشرين الثاني من العام 2010، نقل حديثه الصحافي حسن عليق في صحيفة الأخبار في 16 تشرين الثاني. ومما قاله نصرالله، “…اليوم، تسللت إلى أوساطنا أجواء بعيدة عما عهدناه. صار عندنا أشخاص متمسكون بالمناصب الدنيوية. كنا في تجربة الانتخابات البلدية الأولى نضغط على محازبينا للترشح إلى رئاسة بلدية أو إلى منصب المختار، وكان عدد كبير منهم يحاول إبعاد هذه الكأس عنه. أما اليوم، فنجد الكثيرين منهم يخوضون المعارك للاحتفاظ بهذه المناصب لأنفسهم. وداخل الحزب، يرفض بعض المسؤولين تسلّم ملفات لأنهم يرون أنها لا تليق بهم. فهل هذا معقول”؟ ودعا السيد مسؤولي الحزب للعودة إلى المساجد، متوجهاً إلى المسؤولين المتخرجين، وطالباً إليهم الاهتمام بمن يعملون معهم، خصوصاً أولئك الذين يعملون تحت إمرتهم. كما دعاهم إلى تحسس آلام الفقراء في مجتمعاتهم، والالتفات إليهم، والابتعاد عن مظاهر الترف التي لا تورث سوى الشبهات، وتدفع الناس إلى طرح السؤال الطبيعي في هذه الحالة، “من أين لك هذا”؟

ومظاهر الترف هذه أشار اليها الفيديو الآنف الذكر وكذلك ما شاهدناه من بذخ و”خروج عن الدين” في زفاف كريمة نائب الحزب السابق نوار الساحلي في العام 2021. في هذا الإطار كان سبق لـ”منشد الحزب” علي بركات، أن غرّد بتاريخ 29 أيلول من العام 2015، “في هذا الزمن، كل من يدفع خُمْسه وزكاته لشيخ أو لسيد أو لمرجع أو أو… هي غير مقبولة وعلى ذمتي (…)، فتُجّار الدين فاضت جيوبهم وبطونهم من أموال الفقراء والمساكين”.

ومن وجوه الفساد التي تلبّس بها “حزب أشرف الناس”، نعدد أمثلة ذكرتها المصادر المكشوفة من وسائل إعلامية مرئية مقروءة ومسموعة والكترونية، ومنها وسائل الحزب ذاته:

1 ـ مشروع “اليسار” وهو مشروع “سوليدير” في الضاحية، تأسس في العام 1994، يتألف مجلس ادارته من سبعة أشخاص، بينهم اثنان من حركة امل والحزب، وهما كانا عند التأسيس، وزير المال السابق علي حسن الخليل عن حركة امل، والمهندس الزراعي نايف كريم عضو مجلس ادارة مؤسسة “جهاد البناء” التابعة للحزب، ومدير عام المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق وعضو الهيئة الادارية لـ”تجمع المهندسين الاسلاميين”… علماً أن غالبية المستفيدين من المشروع هم شاغلون (مصادرون) للأبنية وليس مالكين لها.

2 ـ قضية وادي ابو جميل (وادي الذهب) في 18 تموز من العام 1995. يشير رئيس الصندوق الوطني للمهجرين آنذاك، انطوان اندراوس الى أن المبالغ المرتفعة نسبياً التي تدفع لمهجري وادي أبو جميل، مردها الى هذه العائلات الفقيرة، وأن هناك شركة خاصة هي التي قررت هذا السقف، رافضاً أن يتم التعاطي مع إخلاء مهجري الضاحية كما يحصل اليوم في وادي أبو جميل، وقال، “سأقدّم استقالتي إذا تجاوز الأمر عدد العائلات الفعلية”.

وفي كلام اندراوس هنا إشارة واضحة الى تجاوز سقف الدفع المعقول وعدم التطابق مع عدد العائلات الفعلية. وكان الحزب أحضر العائلات المستفيدة قبل أيام من كشف “الشركة الخاصة” (سوليدير) لقبضهم المبالغ المتجاوزة السقوف، ولذلك سميّ وادي أبو جميل وقتها بـ”وادي الذهب”.

3 ـ في 8 أيلول من العام 2009، كتبت صحيفة الأخبار، “تتكاثر الأحاديث في القرى المتضررة من إفلاس رجل الأعمال صلاح عز الدين، وسعي بعض الجهات إلى البحث الجدي عن إيجاد سبل للتعويض على المودعين. ونقلت بعض المصادر عن تدخل ممثلي الحزب في هذه البلدات لفضّ القلق الذي يسببه الأمر لدى الخاسرين من الإفلاس. بدأ هؤلاء بالفعل في بعض القرى، بتعبئة استمارات شبيهة باستمارات المتضررين من عدوان تموز بهدف إحصائهم وإحصاء أموالهم المودَعة، وصولاً إلى التعويض عليهم بآلية تتوضح لاحقاً، وفي بلدة طورا تداول الأهالي أخباراً عن مبادرة أحد شركاء عز الدين لرد أجزاء من أموال المودعين من أمواله الخاصة استباقاً لما سيبتّه القضاء خلال سنوات ربما.

وصلاح عز الدين هو كبطل التقرير الذي بدأنا به مقالنا، “رجل الأموال الأول في الحزب”، وقد تم من خلال “إفلاسه الاحتيالي” سرقة اموال المودعين من بيئته.

4 ـ في العام 2011، اعتقل أمن “الحزب” نجل الشيخ محمد يزبك، رئيس الهيئة الشرعية في الحزب، بتهمة سرقة مخازن سلاح الحزب وبيعها لداعش، بحسب ما أعلن أحد الناشطين السوريين في 28 تشرين الأول 2011 لقناة “الجزيرة”، وبحسب ما ذكرته وثائق ويكيليكس في 20 حزيران 2015.

5 ـ في العام 2011 أيضاً، تورّط عبد اللطيف فنيش، شقيق الوزير محمد فنيش بقضية الأدوية الفاسدة، وتزوير إحالة من وزارة الصحة، وأوردت صحيفة الأخبار في عددها الصادر في 15 تشرين الثاني من العام نفسه خبراً قالت فيه، “قبل يومين أصدر النائب العام التمييزي حاتم ماضي، مذكرة بحث وتحرّ بحق كل من عبد اللطيف فنيش المعروف باسم محمود (شقيق الوزير محمد فنيش)، وفؤاد أحمد وهبي في ملف استيراد وإدخال أدوية بوثائق مزوّرة”.

6 ـ في 4 آذار من العام 2012، عنونت صحيفة “النهار”، “الحزب” يوقف شقيق الموسوي للاتجار بـ”الكبتاغون”، ليتبين فيما بعد تورط أشقاء نائب الحزب حسين الموسوي، هاشم وجهاد وعلي الموسوي بصناعة وترويج الكبتاغون. وكان سبق ما ورد في “النهار” بيان لقوى الأمن الداخلي في 2 آذار من العام نفسه، يتحدث عن مداهمات وتوقيفات في إيعات والشويفات لتصنيع الكبتاغون. وفي 20 كانون الأول من العام 2013، أشارت “النهار” أيضاً الى تورط حاتم علي الموسوي شقيق النائب المذكور، بعصابات سرقة السيارات وتهريبها الى سوريا.

7 ـ في العام 2014، استولى قريب أحد النافذين المعروفين في الحزب، على 300 ألف دولار من مؤسسة القرض الحسن، واشترى أكبر “مرقص” في نيجيريا.

8 ـ يلعب شقيق أحد أبرز قادة “الحزب” والملقب بـ”جهاد الحسيني”، دوراً كبيراً في إدارة مافيات الخوات والكهرباء والمولّدات في الضاحية الجنوبية، علماً أنه مسؤولٌ في حركة أمل، ويعتبره البعض وديعة الحزب داخل الحركة.

هذا غيضٌ من فيض الفساد الاجتماعي الذي يتآكل جسد التنظيم الإلهي النظيف، يكلله طبعاً فساد سياسي يتجلّى بإداء الحزب منذ العام 2005 وحتى الساعة، وخير من يكشف عن شكل هذا الإداء هو حليف الحزب، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، إذ قال في 18 تشرين الأول من العام 2019، “أنا وحسن نصرالله وسعد الحريري ونبيه بري، متفقين على الإصلاح ومكافحة الفساد”.

وليسَ أَعْمَى أَكْثَر منَ الّذي يَأْبَى أَنْ يَرَى.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل