يجلس مار شربل الى كأسه، “هيك بدّك تضل سكران يا بونا”؟ يرفع وجهه الملتحي بالنعمة صوب السماء، “انا سكران بيسوع يا ابنتي”، يقول. اليوم عيدك يا بونا. “عيدي كل يوم عندما تشربون معي من كأس المسيح”، ويذهب في نشوة الصلاة. طيب ألا تتعب يا ساكن عنايا من الأعاجيب؟ لا يرتاح مبضعك من العمليات والشفاءات؟ تدور في الليالي على المتعبين المرضى المنهكين بضلالهم، وتأخذهم معك الى الشفاء والحب، الى الدرب المشعّ من نور الرب، الا تتعب يا قديس لبنان، يا جرّاحاً لا يهدأ، يا ختيار عنايا، يا شاباً لا يشيب، يا قلباً من غمر يسوع؟
والدنيا تحاصرنا بهذا الكم من الفاسدين والمتوحشين والمحتلين، بهذا الكم الهائل اللامحدود من الخوف على بلادنا وناسنا ومصيرنا وكيان لبنان، نجلس الى وجه مار شربل وكل هؤلاء القديسين العالميين القداسة، اللبنانييّ الجنسية والعذاب والمعاناة لأجل المسيح، والانتماء الى أرز الرب وشلوح العز والعنفوان والصمود، فنعرف أن لا زال الأمل موجوداً، ولبنان الى الأزل ولن يزول.
وانت تجلس تحت سنديانة عزلتك في عنايا، كأنك تحرّك الكون كلّه من حولك. كأنك تتكلم وأنت صامت، كأنك تجالس وجع الكل وتمدّ يديك وتغمسها في القلب تماماً، فتهدأ العواصف. ماذا يجري هناك؟ ونحن في دنيا متوحشة من حولنا، ما أن نطأ صومعتك في عنايا أو بيتك في بقاع كفرا، حتى نستكين، تغيرنا، تغيّرنا كثيراً يا بو سراج المي، تغيرنا وتقلّصت طلباتنا الى طموح أن نجد حبة مُسكِن، أو دواء للسرطان أو لغسيل الكلى، الا نقف في طابور الخبز والحليب وحتى الحفاضات. تصوّر! الا نضطر الى الذهاب الى المستشفى، الا ينقطع عنا البنزين. أصبحنا يا بونا مخلوقات صغيرة مرعوبة، ينتزعون منا رويداً رويداً إنسانيتنا كي نبقى في الخوف والذل، كي نبقى في الجوع والمرض، ونصغر ونصغر بحالنا وإنسانيتنا ليتمكنوا هم من إحكام سطوتهم علينا…
لكن لا، أبداً. بحياة قداستك وثوبك وقنديلك المضاء من الماء قبل الزيت، وأعاجيبك الفائقة، نقول لهم، نحن أولادك وأحفادك وأجيالك المتعاقبة على ضوء سراجك، وأنت معلّمنا البسيط بتواضعك، الفائق الحضور في لبنان والعالم، ولست بسيطاً بمعنى السذاجة كما يظن البعض، أنت ثائر كبير وعظيم، جررت شعوباً خلفك، وجعلت لبنان مركعاً للعالم كله، لذلك لا نخاف ولن نخاف وسنقاوم، فهذه أرض الشهداء والقديسين والمقاومين، هكذا كُتب علينا، ونحن يا بونا نحمل المشعل بفرح عظيم.
نريد أن نقتنع يا بونا أنك أنت السارح بين المستشفيات وغرف العمليات ووجع الأطفال والكبار، أنك قادر أن تتشفع لنا عند مسيحك، لترتد عنا وحوش السلطة، وأنياب المحتل، والعهود المتواطئة على لبنان وشعبه، واجترح بهم أعجوبة الارتداد الى الإنسانية والى وطنهم لبنان. نعرف أنك قادر لذلك لن نيأس، وأكثر من ذلك، نريد أن نقنع حالنا أنك تبحث عنا، عن الثورة التي ما زالت لم تتفجر تماماً فينا، وتنكش منا ذاك الرضوخ الرابخ على حفافي الغضب، رضوخ يشبه التواطؤ على الوطن، كي نحن وبأيدينا وأجسادنا، بنضالنا وعنادنا، بإيماننا المطلق بكأس خمرة المسيح التي أنت بها سكران، سننتشل بلادنا من أنياب الوحوش تلك، وتبقى من صوبك خبّر يسوع، نحن نخجل أن نفعل، أخبره أننا نناضل، ولتبقى يديك على رأس وطن الأرز، ولتبقى عيونك على بلادنا وأولادنا وكرامتنا وأرزنا ورزقنا وترابنا، وخلّي الدني من عيونك تسكر ومن الإيمان ما تشبع.