صدحت أصوات القداديس والزياحات والترانيم يرافقها عبق البخور والورود في بلدة بقاعكفرا، قرية مار شربل المتربّعة على أعلى تلة في لبنان والشرق الأوسط، احتفالاً بعيد ابنها القديس الذي أنار سراجه دروب الملايين في كل أصقاع العالم وأضاء قلوبهم المتعبة بروحه القدسيّة.
وتحوّلت بقاعكفرا إلى قرية سماوية زيّنتها صور وتماثيل القديس، إذ تكلَّلت منازلها الحجرية بمزارات متواضعة زيّنها أهالي البلدة بالورود والشموع لاستقبال الزياحات التي عمّت البلدة طوال الأسبوع المنصرم، ففاحت من أزقّتها رائحة البخور والزهور وملأت النفوس بعبق الطهارة والقداسة.
وعلى الرغم من التغيير الذي طرأ على برنامج العيد هذا العام بعد إلغاء جميع مظاهر الاحتفالات التي درجت العادة على إحيائها سنوياً، مثل الموسيقى والطبول و”العرس القروي”، وذلك تضامناً مع جريمة القرنة السوداء التي ألمّت بلبنان وأهالي قضاء بشري وراح ضحيتها الشابان هيثم ومالك طوق، لم تشأ البلدة والرعية أن يمرّ عيد “ابن بقاعكفرا” مرور الكرام فاقتصرت المناسبة على الصلاة والتأملات الروحية، واحتضنت قرية القديس وكنائسها آلاف المؤمنين من كل حدبٍ وصوبٍ، حاملين في قلوبهم تقديراً عميقاً وحباً صادقاً لهذا القديس العظيم.
وشهدت أعلى قرية مأهولة في الشرق الأوسط، مجموعة من النشاطات، تخللها لقاءات مع أصدقاء القربان وعائلة مار شربل، و”تسعاويات” وقداديس من أجل السلام في لبنان وعلى نية المكرسين والمغتربين من أبناء الرعية وزياحات للقربان، بالإضافة إلى تنشئة مسيحية مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الديمان.
“من رتلّ فقد صلّى مرّتين”، وفي بلدة القدّيس أبت الرعية أن يخلو برنامج العيد من الأناشيد التي تحمل بين سطورها وألحانها قصص الصبر والشفاء والمحبة، والتي تمجّد الخالق وترتقي إلى قمم الجبال متضرّعةً لقديس لبنان، فاستضافت البلدة أمسية ترانيم لامست أوتار القلوب، أحياها الأب بيتر حنا، رافقه خلالها العازف فادي سعادة في كنيسة سيدة الانتقال، بالإضافة إلى سهرة ترنيمية أحياها الأب جان عقيقي والفنان ميشال خوري، وريسيتال نظّمه أطفال الرّعية.
“وجهة سياحية تجمع الجمال الطبيعي والروحانية الدينية”، جملة رددها المؤمنون الذين توافدوا إلى بقاعكفرا السبت الفائت بزيارة حج، حيث استقبلتهم الرعية وجمعية ARD، ورافقتهم لجنة السياحة والتوجيه التي تضمّ أبناء البلدة إلى مختلف المواقع الدينية، بدءًا من كنيسة عماد مار شربل ثم كنيسة سيدة الانتقال (كنيسة السيدة) الرعائية التي بنيت في العام 1925 فوق كنيسة العماد، يليها بيت القديس شربل، الذي ولد فيه في الثامن من أيار من العام 1828، وأصبح منذ العام 1950 بعهدة الرهبانية اللبنانية المارونية، بعدها كنيسة مار سابا التي بناها شقيق القديس حنا زعرور، وأخيراً مغارة مار شربل حيث كان يتوافد للصلاة والتأمل، وتتولى إدارتها والاهتمام بها اليوم الراهبات اللبنانيات.
وبعد الجولات السياحية في القرية التي اتَّخذتها مؤسسة “ذاكرة البيوت الأوروبية” كبلدة نموذجية في العام 1994، تُوّجت محطات الصلاة بالقداس الاحتفالي الذي ترأسه البطريرك الراعي في باحة كنيسة مار حوشب (مدرسة القديس شربل)، بعد مسيرة عمّت بالمؤمنين والزوّار، عاونه فيها النائب البطريركي على الجبة وزغرتا اهدن، المطران جوزيف النفاع، وكاهن رعية بقاعكفرا الأب ميلاد مخلوف، والخوري خليل البطي، ورئيس دير مار شربل الأب شربل يوسف، بمشاركة القيم البطريركي الخوري طوني الآغا، وأمين السر البطريركي الاب هادي ضو، والخوري جورج يرق، والأب يوسف سليمان وحشد من الكهنة والآباء، في حضور نائبي بشري عضو تكتل الجمهورية القوية ستريدا جعجع ووليام طوق، والنائب السابق جوزيف إسحق، ومحافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، ورئيس اتحاد بلديات قضاء بشري ايلي مخلوف، ونائب رئيس بلدية بشري فريدي كيروز ورؤساء بلديات بزعون وبقرقاشا وحدث الجبة رامي بو فراعة وجورج البطي وجورج شدراوي والمخاتير، بالإضافة إلى رئيس اقليم كاريتاس الجبة الدكتور ايليا ايليا، وقادة الأجهزة الأمنية في المنطقة، وأمين سر حزب القوات اللبنانية في المنطقة شربل مخلوف، ومسؤولي الجمعيات والأخويات.
وبينما تختتم بلدة بقاعكفرا فعاليات برنامج العيد لهذا العام، تقيم طيلة شهر تموز، عند الساعة 4:30 يومياً، صلاة مسبحة مار شربل والطلبة والزياح في كنيسة السيدة.
كما تنظّم، نهار السبت الواقع فيه 22 تموز الحالي، مسيرة صلاة من كنيسة السيدة نحو صخرة مار شربل، عند الساعة 4:30 بعد الظهر، حيث تنتظر الزوار والمؤمنين للمشاركة في الذبيحة الإلهية، طالبين من القدّيس بركة يسوع المسيح وتضرّع أمه مريم العذراء ليحلّ السلام والأمان على بلاد الأرز العابقة بعطر القدّسين، فيخرج من جهنّم الأزمات التي تطرد أبناءه خارجها.