“العفو”… رحلة طويلة وعودة صعبة الى يسوع الملك

حجم الخط

كنا ننتظر يوم إحقاق العدالة بفارغ الصبر. لم نشك يوماً بأن رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع سيخرج حراً منتصراً من ذاك المعتقل السياسي الذي لم يكن إلا صورة مصغرة عن لبنان في حقبة الاحتلال السوري وإحكام قبضة النظام الأمني اللبناني السوري على مفاصل الحكم ورقاب اللبنانيين. دخل جعجع بقرار سياسي وخرج بإرادة شعبية جامعة بعد 11 عاماً وأربعة أشهر من الاعتقال والمعاناة والصبر والصمود.

في 18 تموز من العام 2005، أقرّ مجلس النواب قانون العفو عن الدكتور جعجع بإجماع النواب الحاضرين الذين وصل عددهم الى المئة، فيما انسحبت كتل حزب الله وحركة أمل والقومي السوري وحزب البعث، بعد دراسة بنود القانون في جلسة اللجان التي عقدت عند الحادية عشرة إلا ربعاً صباحاً، وقبل بدء الجلسة التشريعية عند الساعة الواحدة، غادر هؤلاء. بعدها توجه النائب جورج عدوان إلى وزارة العدل للتشاور مع الحكيم، فيما تحوّلت يسوع الملك، حيث منزل جعجع الى عرس للقواتيين واللبنانيين الأحرار، بعدما عاد الحق إلى أصحابه.

رحلة صدور قانون العفو، كانت بدأت بعد 14 آذار من العام 2005 وخروج المحتل السوري من لبنان. عندها بدأ المحامون بإعداد القانون مستندين الى الأسباب الموجبة، وأبرزها تحقيق شروط الوفاق الوطني، لأنه من المستحيل أن يتحقق ذلك وسمير جعجع لا يزال معتقلاً سياسياً، علماً أن هذا الوفاق لن يكتمل الا بوجود رئيس القوات اللبنانية خارج الزنزانة، لأن اتفاق الطائف هو ببساطة اتفاق الوفاق الوطني.

استند المحامون الى أسباب موجبة وأساسية أخرى وهي:

ـ تصحيح الصياغة الملتبسة لقانون العفو الذي صدر بعد الحرب اللبنانية في العام 1991.

ـ إزالة الثغرات الموجودة في هذا القانون.

ـ صياغة قانون عفو عن جعجع لا يشمل منفذي جريمة اغتيال الرئيس الشهيد الشيخ بشير الجميّل، وبعدها أيضاً منفذي جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فتم تصحيح تلك الثغرات، وصيغ قانون العفو بنسخة العام 2005، الذي تضمن عفواً عاماً عن الدكتور سمير جعجع ورفاقه بشأن أي فعل مرتكب قبل 31/12/1994، حوكم به جعجع أو القوات اللبنانية أو قد يلاحق أي منهما به.

في ورشة إعداد القانون لعب المحامي جورج عدوان دوراً كبيراً وبارزاً، علماً أنه لم يكن قد انتخب نائباً بعد، وبعد العرس الديمقراطي في العام 2005، قام نواب القوات اللبنانية بمروحة واسعة من الاتصالات بزملائهم النواب في البرلمان. أما الدور الأكبر فأدته النائب ستريدا جعجع، وذلك منذ اعتقال الدكتور جعجع وقبل أن تنتخب نائباً وبعد ذلك أيضاً، فكانت على تواصل دائم مع كل أفرقاء 14 آذار السياسيين والذين يدورون بفلكهم، لتصبح لولب قانون العفو من إعداده مروراً بإقراره حتى توقيعه.

بعد ورشة إعداد القانون، انطلقت المتابعة على جبهتين. قام محامو القوات اللبنانية بجولات على النواب لتوقيع القانون، وزار نواب آخرون يسوع الملك للغاية نفسها، وفي 13 نيسان من العام 2005، تقدم عدد من النواب باقتراح قانون معجل مكرر أمام مجلس النواب لإصدار قانون عفو عن الدكتور سمير جعجع، فيما تولى النائبان أكرم شهيب ونعمة الله أبي نصر تسجيل اقتراح قانون العفو في قلم مجلس النواب.

سبق جلسة التصويت على إقرار قانون العفو، اجتماعاً عقدناه الأستاذ ايلي لحود وانا في مكتبة المجلس النيابي، وحضره غالبية نواب 14 آذار، لكننا أبلغنا أن الرئيس نبيه بري لن يطرح “العفو” في الجلسة المذكورة. وفي 18 تموز، عقدنا اجتماعاً حضره جميع نواب 14 آذار، في مكتبة المجلس وسمعنا تأكيداً بطرح القانون، الذي وفور إقراره، علا التصفيق في المجلس مع النواب الحاضرين.

في الخارج بدا الوضع جنونياً على امتداد الوطن. قرعت أجراس الكنائس في المدن والبلدات والقرى اللبنانية، وامتلأت الشوارع بالقواتيين الذين خرجوا للاحتفال، فأقيمت حواجز المحبة مع توزيع الضيافة والورود على المارة.

لم تكن عودتنا من مجلس النواب الى يسوع الملك مع النواب ستريدا جعجع وفريد حبيب، وإيلي كيروز، وطوني زهرا سهلة، فالحشود التي غطت الشوارع والطرقات أعاقت حركة المرور. وبين دموع الفرح ونَفَسَ اللبنانيين الذين عانوا مع الحكيم هذا الظلم، شعرنا أننا بما يشبه الجنة، لمسنا أنه مهما ظلم الظالم، لن ينتصر في النهاية الا أبناء القضية، ولن تكون الغلبة إلا لأصحاب الحق. أذكر تماماً أن النائب جعجع أصرت علينا ضرورة التوجه الى حيث يحتفل القواتيون للطلب منهم ممارسة أقصى درجات المواطنة وعدم عرقلة حركة الناس بقطع الطرقات والتضييق عليهم. من نهر الكلب الى غزير فجبيل، حيث الاحتفالات الصاخبة تنقلنا، ولمسنا تجاوباً كبيراً مجبولاً بهستيريا الفرح… لتكتمل الفرحة الكبرى بذكرى الحرية في 26 تموز.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل