هذه حرية سمير جعجع!!

حجم الخط

كتبت فيرا بو منصف في “المسيرة” – العدد 1742

جمهورية قوية، رئيس سيادي، دولة مؤسسات

هذه حرية سمير جعجع!!

26 تموز2005، يوم مضرّج بالحرية. أطلّ علينا وجه الحكيم من غياب 11 عاماً وثلاثة أشهر. خي الحمدلله بعدو بخير، صحتو منيحة، قلنا لما رأينا وجهه من طول غياب. نحيل جداً لكن قوي صامد ثاقب النظرات والنبرات، مصمم على مواصلة مشوار مشاوير الحرية.

بالنسبة إلينا، كانت الـ2005 عام الأعوام، كانت سنة النضال الشعبي الرائع الموحّد، الذي أثمر جلاء الاحتلال السوري عن لبنان، وتحرير سمير جعجع من الاعتقال. كان عام الحصيدة، والحصيدة المبللة بدماء الشهداء، جاءت بعد طول احتلال بغيض حاقد حوّل أيامنا الى مهرجان موت وذل وعار، مذيّل بسلسلة اغتيالات مدمّرة، وجاءت الـ2005 لتنطلق في خلالها أجمل الثورات على الإطلاق، ثورة الأرز، وإعلان حرية لبنان على العالم بأسره…

يوم رأيت وجه سمير جعجع يطل من جديد على العالم، قلت خي عاد لبنان. اعتقدنا لوهلة أن الزمن المرّ انتهى، وأن الحرية ستعود موسم المواسم، وأن وجه سمير جعجع النحيل وإعلانه خروجه من السجن الصغير، هي بداية الدني مش أقل، بداية لبنان، بداية الجمهورية الكبيرة الصغيرة القوية، بداية بدايات الوطن الحر الحلو المحرر. وإذ، وحتى قبل أن يصل الحكيم الى مقره في الأرز حينذاك، بدأت تنقلب علينا الأيام، لم يتحمّلوا خروجه من الاعتقال ولم يظنوا لحظة أنه سيخرج حيًّا بالأساس، كانوا يريدون له أن يتخّ في تلك الغرفة الضيقة تحت سابع أرض، وإذ به يحوّل الزنزانة الى أكبر واحة للحرية، لأنه اعتبر أنه في المساحة الضيقة مارس حريته وقناعاته وإيمانه كما لو أنه فوق الأرض وعلى مساحة 10452 كيلومترًا مربعاً، وهذا ما أضناهم. سجنوه ولم يتمكنوا من تقييد حريته. اعتقلوه وإذ به يدخل مع شعبه الحر الى أصغر زنزانة حرّة لمقاوم كبير في تاريخ لبنان.

خرج الحكيم يومذاك من السجن الصغير، ليدخل لبنان على أثر تحريره ومن جديد في سجن، ارتأوا أن يكون أقسى وأصعب، ليقولوا للحكيم وللبنانيين الأحرار جميعاً، بأن القيم التي أُسر بسببها الحكيم، سيدفع ثمنها غالياً خارج الأسر، وهذا ما حصل، إذ اعتقلونا من جديد في سجن الاغتيالات المتلاحقة، فحصدوا جبران التويني وبيار الجميل وسمير قصير ووليد عيدو وغيرهم وغيرهم من المناضلين الأحرار، وتحكّمت بنا سلطة فاسدة متواطئة اعتنقت الذل والنهب وخيانة الوطن، بإدارة احتلال ما بعده احتلال، حوّل لبنان الى جزيرة بدائية معزولة في زمانها ومكانها عن جيرانها العرب، تحمل أسوأ سمعة في تاريخ البلدان على الإطلاق، وصار لبنان معهم المعتقل الكبير في زنزانة الإرهاب والتخلّف.

أخذتنا يومذاك اللحظة الرائعة المنتظرة منذ أكثر من 11 عاماً، ولم نتوقع كل ذاك المستقبل “الباهر” للإرهاب الذي ينتظرنا!! كان حسبنا أن الحكيم عاد الى الحرية، وأن ثمة رجلاً كبيراً مقاوماً سيحمل المشعل من جديد وينطلق بنا الى دروب النضال، وأن الصعب معه يهون، وأن مهما حصل طالما الحكيم خارج القضبان، يعني أننا سنكون أقوى… أو لعلنا سنكون نحن الأقوى.

أكثر من 11 عاماً تحت سابع أرض، وبدل أن يخرج جعجع ليعيش حياته سعيداً بعيداً من هموم هذه الأرض، خرج من جديد ليحمل بيارق المقاومة.

“في تلك المساحة الضيقة مارست قناعاتي كاملة”، قال في إحدى المقابلات إثر خروجه من السجن. وقناعات الحكيم كانت ولا تزال تحقيق سيادة لبنان وحريته الفعلية وليس بالشعارات، إنشاء جمهورية متقدمة متطورة لا يحكمها فاسدون ولا يديرها جاهلون، ولا يزنّرها سلاح غير شرعي، ولأجل تلك القيم دخل الاعتقال، ولما خرج عمل لأجل تلك القيم ولا يزال.

لما كان في السجن قلنا سنفعل أي شيء يخدم القضية والقوات والحكيم، وفعلنا قدر المستطاع، فعل القواتيون المستحيل ليكونوا على مستوى النضال التاريخي للمقاومة اللبنانية، وعلى مستوى اعتقال القائد، كل على طريقته، وكل في ضيعته ومدينته، فعلنا ما يمكن فعله، ولما نتعب أو نتراجع كنا نقول “يي الحكيم تحت الأرض يقاوم ونحن فوق الأرض نتذمّر”، فتعود وتنهض بنا الهمّة من جديد ونكمل مسيرتنا. لما خرج قال بعض منا، وأنا أولهم، “هلأ خلص قوات ونضال، حان وقت الحياة المتحررة من الهمّ”، وإذ بالرجل يأخذنا من جديد الى نضال أصعب أقسى يكاد يلامس المستحيل، حمل ذاك الشعار “ما بيصحّ إلا الصحيح” وقال لنا “يللا يا رفاق الى جبهات النضال لاسترجاع الجمهورية القوية”.

لا يرتاج الرجل ولا يريد لنا أن نرتاح قبل تحقيق الحلم الكبير، ومع الوقت اكتشفنا أن صحيح معه كل الحق، لا يصح إلا الصحيح، لكن الصحيح ذاك، تطلّب ويتطلّب بعد، الكثير من الصبر والحكمة والشجاعة، وهذه هي “العدوى” التي نقلها إلينا سمير جعجع، وأضف إليها هذا الكمّ الهائل من الهمّ! الهمّ على هذه الأرض، هذه الجمهورية، هذا التراب الذي يرتوي من دماء الشهداء أكثر مما يرتوي من ماء الشتاء ومواسم الفلاحين في أرض البركة والطيب. الصحيح الذي تبيّن لنا، أن الحرية الفعلية والتي دفع الحكيم ثمنها غاليًا جدًا، تتحقق حين يكون للجمهورية قائد مناضل نزيه منفتح يعمل لأجل جمهورية قوية، تعيد لبنان الى سكة البلدان المتطوّرة، مسيّجة حدوده بالجيش اللبناني، لا يُرفع فيها إلا العلم اللبناني، سلاحها شرعي واحد موحّد، لا ميليشيا تحكمها وترهبها، ولا فاسدون ينهبون خيراتها ويجيّرون قدراتها لحسابات العيلة والأبناء والحاشية. هذه حرية سمير جعجع التي عمل ويعمل لأجلها، وهذه هي الحرية التي لأجلها دفع الثمن من حياته وحياة الشباب المناضلين.

11 عاما و3 أشهر، جلس الحكيم في الاعتقال، ولم يتذمّر يوماً، من خلف القضبان كان يعدينا حرية وقوة، وفي المقابل لا يريد إلا ثمناً واحداً يستحقه القواتيون وكل المناضلين السياديين، وتستحقه هذه الأمة المنهكة تحت ضربات الاحتلال. الثمن الذي يحقق فعلا حرية الحكيم وكل السياديين، هو قيام جمهورية قوية تليق بتضحيات الأبطال، وتليق بتارخ لبنان، وتليق بتضحيات الشهداء، جمهورية قوية تخرجنا من المعتقل الكبير، وتعيدنا الى شمس الحرية.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل