شكّل نزوح المواطنين السوريين من بلادهم، نتيجة شنّ النظام حربا غير مسبوقة ضد شعبه، أزمة إنسانية كبيرة وخطيرة لم يشهد تاريخ الإنسانية مثيلاً لها في العصر الحديث، وقد نزح الكثير من السوريين الى بلدان الجوار كما وصلوا الى بلدانٍ تفصلها عن بلادهم البحار والانهار والجبال والوديان والعوائق الطبيعية والحدودية والادارية والامنية. وقد كان للبنان حصّة الاسد من هذا النزوح، في الوقت الذي يرزح فيه تحت أزمات مالية واجتماعية وسياسية وعدم استقرار وجودي.
وتميّز هذا النزوح بإطالة أمده المؤامراتية والمقصودة، فالنظام السوري الذي واجه رفض شعبه له بالقتل والمجازر، عمد عن تخطيط لتهجير الشعب السوري وصولاً الى تغيير ديمغرافية سوريا وتطهير المواطنية السورية من أصحاب الأرض اصلاً، مقترفاً أكبر جريمة يشهدها العالم في القرون الماضية.
عاون النظام السوري في حسْنِ تنفيذ جريمته ضد الإنسانية الذراع العسكري اللبناني لمحور الممانعة، الا وهو حزب الله. إن من يحمل حالياً لواء الدفاع عن لبنان بوجه القرارات الأوروبية الخاطئة، قد بدّى بقراره الدخول في الحرب ضد الشعب السوري، مصلحة محور المُمانعة وأيديولوجيته الفئوية الفقهية على مصالح لبنان العليا، وقد ساهم في نزوح فئةٍ معينة من الشعب السوري الى داخل لبنان، مُشرّعاً الحدود اللبنانية السورية لكافة أنواع التهريب بدل أن يسمح للجيش اللبناني بضبطها.
امّا وقد حصل ما حصل، واتسعت رقعة الحرب السورية وتضاعفت أعداد النازحين الهاربين من مجازر وبطش قوى محور المُمانعة فقد وقف حزب الله مُمانعاً مع حلفائه لجهود تنظيم النازحين في مخيماتٍ، بهدف تركهم متفلّتين في الشوارع والازقّة والحقول، لاستخدامهم ورقة ضغط على اللبنانيين، وحجةً لطرح ضرورة التطبيع مع النظام السوري وتسليمه مُجدّداً مفاتيح الازمات اللبنانية وادخاله في سوق البازرات الداخلية اللبنانية.
وما زاد الطين بلّة رفض الحزب لمقترحات اطراف سياسية لبنانية معارضة له، كالقوات اللبنانية والتي طرحت تجميع كافة النازحين السوريين من قبل القوى الأمنية اللبنانية والجيش اللبناني وإبلاغ الحكومة اللبنانية للأمم المتحدة باستلامهم بشكل انساني وآمن على الحدود وداخل الأراضي السورية وتنظيم أوضاعهم هناك، ولكن إقامة حزب الله العسكرية في مدنهم وقراهم وسهولهم حالت من دون عودتهم من الأراضي اللبنانية الى بلادهم، ليؤكد مُجدّداً ان الحسابات الإقليمية لمحوره الأيديولوجي تحكم قراراته وتتحكّم بعقله، وتفوق أهميةً لديه وبأشواط عن حياة اللبنانيين وارزاقهم.
ويأتي حزب الله أخيراً وبعد كل هذا الأداء المتخلّي عن المصلحة اللبنانية، والمتمسّك بمخططات المحور ليحمل راية الدفاع عن الوجود اللبناني بوجه قرارات الاتحاد الأوروبي الجائرة بحق لبنان، مدّعياً حرصه وخشيته على لبنان، علماً أنه بأعماله المذكورة لم يكن أقل تجنّياً على اللبنانيين. يعتقد حزب الله واهماً بانه بهذه البهلوانيات الإعلامية يستطيع تحويل غضب الشعب اللبناني من الوجهة الصحيحة، أي ضد أعماله وممارساته غير الشرعية، الى وجهة أخرى وهي الضرر الناتج عن الوجود السوري غير الشرعي في لبنان.
إن القضية لا تحتاج لكل هذه الاستعراضات المُبتذلة، وما على حزب الله إلا أن يطلب من حكومته ووزرائه أن يُقدموا فوراً على أخذ القرار السياسي الاستراتيجي لإنهاء هذه الازمة والقيام بكافة الاتصالات الأممية والثنائية مع النظام السوري، لفرض عودتهم وإعلام جميع الجهات بأن قرار إعادة المواطنين السوريين القاطنين بشكل غير شرعي قد أُخذ لبنانياً ومدعوم من كافة اللبنانيين من دون استثناء. فليتوقّف الاستغلال والاستهلاك للوقت القاتل، وليتوقّف الدجل لأن استمرار الوجود السوري المتفلّت على الأراضي اللبنانية يُهدّد الجميع.
سقطت صفة النازحين عن المواطنين السوريين الذين هجّرهم محور حزب الله الى لبنان، وباتوا الآن رهينة حسابات هذا المحور الذي يلعب من خلالهم لعبةً تضليلية وتجهيلية لإزاحة الأنظار عن مسؤولية تسبيب بمآسي الشعوب المُمتدة من طهران والى بيروت. وإن من سقط ضميرياً أمام هذه الشعوب وخاصةً الشعب اللبناني وإن كان الان يُقدم على عمل مُلزم لتخليص لبنان من هذه الازمة فهو فقط، يُكفّر قليلاً عن ذنوبه، ونحن فقط ندعو له بالتوفيق، فإنه مسار طويل أمامه ليصطلح مع لبنانيته.