الوجه الثاني من العُملة في خطاب “الأمين العام”

حجم الخط

من البديهي أن يكون الفعل صورة ناصعة لكل فكرة أو مبدأ ينادي به صاحبه أو يدعو إليه أو يشجع عليه كما أنه من البديهي التدقيق في العلاقة بين “القائل والمقول” وفي الصلة بين القول والقائل والفعل والسلوك… وغالباً ما تكون نتائج هذا التدقيق سلبية.

في تاريخ 24 تموز من العام 2023 أطل الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في الليلة السابعة من عاشوراء ليعبّر بخطاب توجيهي لمؤيديه بطريقة الوعظ  والإرشاد، عن أمور كثيرة تدفعنا الى اعتماد اسلوب التدقيق والتحقيق الآنف الذكر.

لقد ركّز نصرالله على “أن المعركة التي تخاض على الوعي والفهم والقناعات قائمة منذ بدء الخليقة”… وهذا صحيح إذ إن الوعي والفهم والقناعات هي بنات العقول والمنطق، والفهم هو من أعمال تلك العقول وذاك المنطق وهنا نستذكر الليلة السابعة أيضاً من ليالي عاشوراء في 11 تشرين الثاني من  العام 2013 إذ قال نصرالله: “فعندما نأخذ القرار، أو نمشي في أي درب، أو ندخل إلى أي ساحة، أو إلى أي ميدان أو إلى أي قتال، نحن لا نلجأ إلى عقولنا، ولا إلى علومنا ولا إلى مستوانا العلمي، ولا إلى ولا إلى…. نحن نلجأ إلى فقهائنا وكبارنا ومراجعنا، الذين هم على أعلى مستوى من الفقاهة والعلم والاجتهاد والتقوى والورع والأمانة والوعي أيضاً”.

ليكمل نصرالله قوله: “الحرب الفكرية والإعلامية أشدّ وأخطر من الحروب الأخرى العسكرية والاقتصادية، لأنها تستهدف عقل الإنسان ووعيه وقناعاته وكل ما يشكل سلوكه وموقفه… لطالما عمل أهل الباطل على عدم السماح لأهل الحق بإيصال صوتهم ومنطقهم إلى الآخرين”، وهنا أصاب نصرالله بقوله كما لم يصب حزبه ومحوره بأدائه التخويني التهديدي وحملاته الفكرية والإعلامية على معارضيه من سياسيين وقضاة ومحامين وإعلاميين وصحافيين وأصحاب رأي وفكر، والأمثلة على ذاك الإداء كثيرة لا ضرورة لتعدادها.

يشير نصرالله في الخطاب نفسه الى “أن أهل الباطل يعملون على إخفاء الحقائق عن الناس وحجبها وتغييرها، فيصبح المقاوم إرهابياً، ويصبح كيان العدو كياناً ديموقراطياً يرعى حقوق الإنسان في فلسطين”.

هنا يتذكر القارئ كيف أن كل معارض لمحور نصرالله وحزبه هو “مشروع عميل” أو “مشروع شهيد” مهدد بالاغتيال “على أيدي العدو الإسرائيلي”.

ويعطي نصرالله مثالاً كيف أنه “في لبنان حاولوا خداع الناس بأن مشكلتهم هي مع المقاومة، وأنهم إذا تخلوا عنها سوف تتسحن أحوالهم، ويزدهر اقتصادهم، ولو تخلوا عن المقاومة لخسرنا كل شيء.. لكن الناس لم يتخلوا عن المقاومة على الرغم من المصائب الاقتصادية والمعيشية منذ العام 2019، وبقيت بيئة المقاومة ثابتة وصلبة”.

هنا حصر الأمين العام للحزب الناس الذين لم يتخلّوا عن المقاومة، “على الرغم من المصائب الاقتصادية والمعيشية”، ببيئة المقاومة التي بقيت ثابتة وصلبة، علماً أن ثبات وصلابة بيئة “الحزب” هو مثار جدل كبير داخل أروقة وأزقة الجدار الحديدي لمنطقة نفوذ الحزب، وهنا يغيب “الشعب” عن خطاب نصرالله “التجميلي”.

يتحدث نصرالله مستاءً من “قلب الحقائق وبث الشائعات والاتهامات، والتقارير الإخبارية التي يتم ترويجها ضد الحزب”، وطبعاً لم يذكر أو يتذكر محاولات قلب الحقائق في الاغتيالات والتفجيرات، وآخرها تفجير مرفأ بيروت وليس آخرها تهديد مسؤول الأمن في الحزب للقاضي بيطار بـ”القبع” مع ما يحمله القبع من معاني قانونية وجسدية وحتى دموية.

وأخيراً نلفت الى حديث الأمين العام للحزب عن سقوط “الزعم” الذي يقول بان الجيش الإسرائيلي لا يُقهر… وهنا تماهى النظام الأمني السوري ـ اللبناني سابقاً والحزب لاحقاً مع العدو في الشعور الخاطئ بفائض القوة ودوام النصر والغلبة مع ما كان يقال عن “الوجود السوري الضروري والشرعي والموقت”، وما بشّر به نصرالله عشية تظاهرة 8 آذار من العام 2005 عن الأكثرية الشعبية التي تتمسك بالاحتلال السوري ليأتِ الرد المُسقِط لهذا “الزعم” في 14 آذار وفي 26 نيسان من العام 2005.

واليوم لو يستمع نصرالله الى عظته في الليلة السابعة من عاشوراء لـ”يَعتَبِر” ويحاذر الوقوع في ما وقع فيه العدّو لا سمح الله… وليحترم “مقاومة” من يخالفه الرأي ويعارض سلاح حزبه بوعي وإدارك وفهم كما يؤلّه هو مقاومته.

ونختم في ذكرى عاشوراء بقول الإمام زين العابدين علي بن الحسين: “خير مفاتيح الأمور الصدق. وخير خواتيمها الوفاء”.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل