كتب أنطوان سلمون في “المسيرة” – العدد 1743
المشكلة الوجودية لجوهر الدولة وديمومتها…
عودوا الى مقرّرات خلوة الجبهة اللبنانية!
“الغباء هو تكرار فعل نفس الشيء مرتّين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة” – ألبرت أينشتاين
للأسف هذا ما عشناه وعايشناه منذ نشأة لبنان الكبير قبل أكثر من مئة عام… وما زال اللبنانيون يمنّنون النفس أمام كل أزمة بحلول وعلاجات ومسكنّات مع تفشٍ سرطاني يضرب جسد الكيان ومكوّناته الحضارية الدينية والمجتمعية. فمراجعة سريعة لمحطات الأزمات السياسية والاقتصادية والعسكرية والدموية التي عايشتها الجمهورية اللبنانية منذ استقلالها والاتفاق على صيغتها وميثاقها، يبيّن لنا أن مقولة ألبرت أينشتاين صحيحة، لا بل إن نفس الشيء تكرّر أكثر من مرتّين وبنفس الأساليب ونفس الخطوات وما زال بعض المعنيّين ينتظرون نتائج مختلفة وهنا كانت مكلفة ودمويّة وما زالت.
فمن إعلان لبنان الكبير 1920 ورفض محافظات كثيرة لهذا الإعلان ورفض تلك المحافظات الخضوع لإحصاء 1921، مروراً باستقلال لبنان وصيغته عام 1943، والتي قال عنها الكاتب جورج نقاش في العام 1947 Deux negation ne font pas une nation، لتُظهر الأحداث لاحقاً وتكرارها بنفس الأسلوب ونفس الخطوات هشاشة هذا النظام غير المنسجم مع تطلعات ورغبات المجتمعات المكوّنة للوطن وغياب النظرة الواحدة للمصلحة اللبنانية البحتة. ومع دخول العوامل الخارجية وتفاعل بعض الداخل معها بشكل مناقض للبعض الآخر يثبت أن المشكلة كانت في نظام ما قبل الطائف – كما بعده – على الرغم من الصلاحيات التي كانت منوطة برئيس الجمهورية مثلا، وعلى الرغم ممّا سُمّي يومها بالمارونية السياسية، فرئيس الحكومة السنّي كان حاضراً ومعطّلا وضاغطاً وفارضاً لكثيرٍ من الأمور. فعلى الرغم من أن الدستور لم يعطه سابقاً هذا الامتياز إلا أنه مارسه بالعرف وبالقوة وبالاستقواء تارة بالطائفة ودار الفتوى واللقاء الإسلامي، وطوراً استقواء بالفلسطيني، وأطواراً أخرى بالسوري… فمن اعتكاف الرئيس رشيد كرامي من 24 نيسان 1969 الى 3 تشرين الثاني 1969 تاريخ توقيع اتفاق القاهرة… واستقالة صائب سلام في 10 نيسان 1973 بعد عملية فردان ومطالبته باستقالة قائد الجيش… ووقوف رئيس الحكومة مع الرئيس حافظ الأسد ومحمد أنور السادات الى جانب الفلسطينيين ضد الجيش اللبناني أثناء الاشتباكات التي وقعت في 2 أيار 1973 لمنع الجيش من بسط سلطة الدولة وفرض هيبتها… مما أدى لاحقاً الى توقيع اتفاقية ملكارت في 17 أيار 1973 والتي كانت مكمّلة لاتفاق القاهرة وممهدة للحرب اللبنانية التي اندلعت في 13 نيسان 1975.
وطبعاً أتت حادثة عين الرمانة يوم 13 نيسان 1975 وما لحقها لتؤكد تكرار نفس الشيء أكثر من مرة بنفس الأسلوب ونفس الخطوات مع نتائج أوخم وأفظع وأخطر… ويومها أيضاً، وقف رئيس الحكومة رشيد الصلح مع المنظمات الفلسطينية بوجه أحزاب الجبهة اللبنانية. فأثناء انعقاد جلسة لمجلس النواب تاريخ 14 أيار 1975، حمّل الرئيس الصلح الكتائب مسؤولية حادثة بوسطة عين الرمانة لتؤدي كلمته الى تدافش بينه وبين الرئيس أمين الجميل، قدّم من بعدها الصلح استقالته، ليتبعه رشيد كرامي مع “تمكنّه” من منع الجيش من النزول لوقف الحرب التي كانت في بدايتها بذريعة “الخوف من انقسام الجيش” الذي عاد وانقسم.
تدخل الخارج وعجز الداخل
عوامل كثيرة عادت ودخلت على الأزمة اللبنانية من سورية الى إسرائيلية الى عربية فدوليّة، إلّا أن النظام والتركيبة بقيتا عاجزتين عن حلّ يأتي من الداخل ولا يُفرَض من الخارج أو بفعل قوي على ضعيف أو مستقوي على مُسْتضعَف.
وقد عُقدت مؤتمرات وقُدمت مبادرات ومشاريع حلول وحلول “مفترضة” و”مفروضة” بحكم توازن القوى المختل وآخرها وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، وبقيت كلّها قاصرة ومقصّرة في الوصول الى الحل الحقيقي الجذري والمستدام وإيصال لبنان ومواطنيه حقيقة الى برّ الأمان والاستقرار.
صحيح أن اتفاق الطائف نقل السلطة التنفيذية من رئاسة الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً، ولكن الأصح أن رئيس الجمهورية كما يتبيّن من مراجعة تلك المحطات القليلة، لم يستطع أن يمارس سلطته التنفيذية يوماً – ما قبل الطائف – من دون عرقلة أو موافقة من رئيس مجلس الوزراء السنّي.. كما نشهد انقلاباً على الدستور والقوانين والمواثيق بحجج ميثاقية طائفية، وحتى مذهبية. فمصير أي استحقاق في لبنان محكوم ورازح تحت “فيتوات” طائفية مذهبية شاءت الظروف أن تكون “شيعية” اليوم بفعل وهج سلاح “حزب الله” الذي يحاول الحزب تقريشه في السياسة والرئاسة.
والصحيح أيضاً أن عجز “حزب الله” وحلفائه عن فرض سيطرته الكاملة على كل مفاصل الدولة اللبنانية، يُتَرجم بسيطرته اللامركزية سياسيًا وعسكرياً ومالياً ودينياً على نطاقات نفوذه منطلقاً للمشروع الأكبر المعلوم… لذلك يتحسس الحزب الى حد الجنون من مجرّد التلميح بإعادة النظر بالتركيبية وبالنظام، وخصوصًا عندما تأتي من خصومه الاستراتيجيين. كما أن الحزب يمنع على خصومه وحتى حلفائه مجرد التعبير عن خبيته من التجارب التي خبروها معه منذ العام 2000 مرورًا بالـ2005 والـ2006 والـ2008، وصولاً الى إصراره على فرض رئيس بالقوة والفوقية على اللبنانيين.
شكلية الرئاسة وإشكالية الوجود
وتدفع الخيبة واستشعار الأخطار الى إعادة التفكير وإعادة النظر والحسابات. من هنا كثر الحديث عن إلحاحيه وضرورة إعادة النظر في النظام والتركيبة الحاليتين الآيلتين للسقوط الحتمي لعلّة انتهاء الصلاحية وعدم مطابقة المواصفات أخلاقيًا ومؤسساتيًا ودستوريًا، ليصبح موضوع الرئاسة شكليًا وغير ذي قيمة أمام المشكلة الوجودية لجوهر الدولة والجمهورية وديمومتها أيًا كان شكلها وأيًا كان مَن على رأسها.
وعلى ما تقدّم، من المفيد إعادة القراءة والتمعّن في مقررات خلوة الجبهة اللبنانية في سيدة البير، والتي حضرها كل من أركان الجبهة: كميل شمعون، سليمان فرنجية، بيار الجميل والآباتي شربل قسيس “وعدد من رفاقهم في النضال”، والتي استمرت ثلاثة أيام من 21 – 23 كانون الثاني من العام 1977 ومنها: “اعتماد تعدّدية المجتمع اللبناني، بتراثاتها، وحضاراتها الأصيلة أساسًا في البيان السياسي الجديد للبنان الموحّد، تعزيزًا للولاء المطلق له، ومنعًا للتصادم بين اللبنانيين، بحيث ترعى كل مجموعة حضارية فيه جميع شؤونها، وبخاصة ما تعلّق منها بالحريّة وبالشؤون الثقافية والتربوية والمالية والأمنية والعدالة الاجتماعية، وعلاقاتها الثقافية والروحية مع الخارج وفقا لخياراتها الخاصة”. وبناءً على ما ورد نختم بالمثل الفرنسي: “Les bons comptes font les bons amis”
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]