شعب المأساة والتراجيديا يرسم سيناريوهات.. أين الحقيقة؟

حجم الخط

رافق انفجار مرفأ بيروت الكثير من الشائعات والأخبار المغلوطة (Fake News)، وذلك بشكل هستيري دمج بين الواقع والخيال وأضاء على سلسلة من المخاوف والآراء الاعتباطية لدى الناس والإعلام. لا لوم على الشعب اللبناني، صاحب المأساة وضحية الانفجار، إذ إن هول الحادث كان كافياً لوحده في خلق سلسلة من الشائعات والمؤامرات لا يزال بعضها مستمرًا حتى اليوم.

غالباً ما يكون التقييم الموضوعي صعباً عند وقوع حدث ما، فكيف إن كان الحدث الجلل هو انفجار هزّ مدينة بيروت وقتل مئات من أبنائها دفعة واحدة. الابتعاد زمنياً عن الحدث ضروري لمقاربة أكثر دقة له وما رافقه، فتتم إزالة الخبر الكاذب من بين سلة الأخبار الكثيرة والكثيفة التي صدرت بعد الانفجار.

اليد الإسرائيلية؟

بات من المؤكد أن سبب الانفجار هو وجود بضعة مئات من أطنان مادة نيترات الأمونيوم المخزّنة في مرفأ بيروت. هذا التأكيد يعود إلى تاريخ اليوم، إلا أن الأخبار الكاذبة انتشرت كثيراً بعيد وقوع الانفجار. واحد من هذه الأخبار يتعلق باتهام إسرائيل في تفجير المرفأ، خصوصًا مع قيام الإعلام اللبناني بنشر مقابلات مع أفراد ناجين “جزموا” بسماعهم لصوت طائرات حربية إسرائيلية قبل الانفجار. لا شيء يؤكد هذا الخبر على جميع الأحوال، لا رادارات الجيش اللبناني ولا بيانات الدولة والوزارات، ولا مواقف الساسة ولا الصحفيين الأجانب ولا الإسرائيليين.

في شائعة أخرى، راح اللبنانيون يتناقلون على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات الأخبار السريعة حول تصريحات لصحف إسرائيلية ومواقع إخبارية مزيفة تفيد باستهداف إسرائيل لأسلحة تابعة لميليشيا “حزب الله” في مرفأ بيروت. في الواقع، كانت كل هذه الأخبار كاذبة ولا أساس لها من الصحة، ولم تقم أي من المواقع الإسرائيلية بنشر أي أخبار مماثلة.

أخذت إسرائيل حيّزاً مهماً من الاتهام بعيد الانفجار وصيغ الكثير من المؤامرات حول هذا الأمر، لكن عادت وتلاشت هذه الاتهامات عندما ظهر أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله على الشاشة قائلاً إنه يستبعد ضلوع إسرائيل في الانفجار.

 

نوع الانفجار وأسبابه

مع تباطؤ التحقيقات وتخاذل الدولة وإداراتها في كشف ملابسات الانفجار، ورفض المتهمين المثول أمام المحقق العدلي في ملف المرفأ القاضي طارق البيطار، فُتح المجال أمام العديد من الشائعات والمؤامرات والأخبار الكاذبة حول نوع الانفجار وأسبابه، أكانوا أفراداً أم مؤسسات إعلامية. البعض راح، في الساعات الأولى من مساء الرابع من آب، إلى حد القول إن الانفجار كان نووياً، فيما غيرهم راحوا يقدمون مقارنات عن حجم ونوع الصاروخ الذي هبط من السماء إلى المرفأ، وقاموا بتركيب فيديوهات حول الأمر، جلّها مأخوذ من لقطات سينمائية أو وثائقيات متعلقة بالحرب لدعم نظريتهم.

لم تنفع كل هذه الادعاءات في تحريف الحقيقة القائلة إن ما أدى إلى الانفجار هو خلل داخل المرفأ، وسوء إدارة واستعمال للصلاحيات وقلة مسؤولية في العمل، ومئات الأطنان من المواد المتفجرة المخزنة بشكل سيء في العنبر رقم 12. وهنا لا بد من الإشارة الى دور “حزب الله” وكافة الأجهزة السياسية التابعة للمنظومة والأمنية في تخزين مواد نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 والتكتم عنها الى أن وقعت الكارثة.

من عايش تلك اللحظات الأليمة من تاريخ بيروت ولبنان، قد سمع على الأرجح بعض التسجيلات الصوتية التي وصلته وانتشرت بكثافة بعيد الانفجار. هذه التسجيلات تتحدث باسم هيئات صحية أو مؤسسات طبية واجتماعية مرموقة تدعو الناس للفرار من بيروت لأن الغازات الإشعاعية الناتجة عن الانفجار ستتسبب في اختناق الناس. لم يختنق أحد جراء إنبعاثات الانفجار، وتبيّن أن كل ما أرسل من تسجيلات صوتية كان مختلقاً من أفراد وبشكل إرتجالي. على المنوال نفسه، أُرسل الكثير من التسجيلات الصوتية تحذر باسم الجيش اللبناني من حدث أمني بعد الانفجار، لتعود المؤسسة العسكرية وتنفي هذه الأخبار بعد ساعات.

لم يحدث أي شيء أمني بعد وقوع الانفجار، فيما كان اللبنانيون يتسمّرون أمام شاشاتهم من هول صدمة الانفجار، أو يساعدون قدر الإمكان في البحث عن الضحايا تحت الركام.

 

التضامن الدولي مع لبنان

ظن اللبنانيون أن كل دول العالم تكترث حقاً لما يجري في بيروت. البعض نشر صورًا لإضاءة أحد الأهرامات المصرية بالعلم اللبناني، وآخرون لمعالم سياحية سورية وفرنسية وغيرها تمت إضاءتها بالأرزة. تبيّن في الأيام التالية أن شيئاً من ذلك لم يحدث، وجل ما نُشر كان صوراً قديمة أو أخرى مركبة يستطيع أي يافع يملك هاتفاً ذكياً من تصميمها.

من ناحية أخرى، نشر الإعلام السوري، وبخاصة بعض صفحاته الإلكترونية غير الرسمية صوراً لسيارات إسعاف طبية قادمة من سوريا إلى لبنان، كما زيارات للرئيس السوري بشار الأسد لبعض المصابين في المستشفيات حيث زعمت أنهم لبنانيون قدموا للاستشفاء جراء الانفجار. اكتشف اللبنانيون سريعاً أن هذه الصور قديمة وتعود بضع سنوات، وتمت في فترات سابقة ومناسبات مختلفة لا علاقة للبنان بها.

كذلك الأمر، عمد محبو الإسلام السياسي في لبنان، وتحديداً تلك الحركات التي تدور في فلك تركيا، لنشر ادعاءات تقول إن الإهراءات التي انفجرت كان قد بناها العثمانيون “عربون محبة للشعب اللبناني”. إلا أن الحقيقة سرعان ما انجلت وعرف الجميع أن الإهراءات قد بُنيت في أواخر الستينات من القرن الماضي، وذلك بعد غياب السلطنة العثمانية بحوالى نصف قرن.

انتشرت الشائعات والمؤامرات والأخبار المغلوطة بعيد الانفجار، واستمر الكثير منها في مخيّلة الناس مشكّلاً جزءًا من أفكارهم ومعلوماتهم، ويركنون إليها عند الحديث والحوار حول الانفجار وما جرى بعده. شعب المأساة اللبناني يحب التراجيديا، ولا مأساة أسوأ مما حل ويحلّ به كل يوم، وما التراجيديا الدائمة إلا مصير الشعوب التي تهوى الخبر المثير على الحقيقة العادية والمرّة.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل