كتب جو حمورة في “المسيرة” – العدد 1743
المساعدات الدولية انطلقت بعد ساعات على التفجير
… عصفورين بحجر واحد!
تشكل المساعدات الدولية واحدة من المواضيع الأكثر إثارة في مجال العلاقات الدولية، كما في مجال مدّ النفوذ السياسي للدولة القوية في داخل تلك الضعيفة. هذا أسلوب قديم في مجال العلاقات الدولية، إلا أنه تزايد بشكل كبير في الأعوام العشرة الأخيرة وبات أداة مهمة في مجال العلاقات الدولية، حيث تُرسل المساعدات إلى الدول الواقعة تحت عبء أزمات إنسانية أو اقتصادية. وبذلك تكون أصابت “عصفورين في حجر واحد”: المساعدة الإنسانية الضرورية، ورهن مواقف الدول الضعيفة بمصالح تلك القوية.
4 آب 2020 كان الانفجار المدوّي في مرفأ بيروت. وكما الكارثية في الخسائر البشرية، كذلك على المستوى الاقتصادي. فقد خسر الاقتصاد اللبناني حوالى 15 مليار دولار، منها حوالى 4 مليارات كأضرار مادية مباشرة بحسب تقرير نشره “البنك الدولي” عام 2021. هول الكارثة الإنسانية والمادية دفع الكثير من الدول إلى المبادرة لمساعدة لبنان. البعض اختار المساعدة السياسية، كفرنسا مثلاً، التي أطلقت مبادرتها بعيد الانفجار بأيام قليلة، من دون أن تسفر عن أي شيء يُذكر. أما دول أخرى، فحركت طائراتها لرفد الشعب اللبناني المنهك بالمساعدات الطبية والغذائية واللوجستية والمالية.
في الساعات الأولى التي تلت الانفجار، دخلت لبنان مساعدات متنوعة من دول عدة، تم تسليم بعضها الى الحكومة فيما عَمِل بعضها مباشرة مع الشعب اللبناني، لتعود وتتدفق المساعدات في الأسابيع التالية وتزداد المبالغ المقدمة للبنان، كما الدعم المالي الضخم لمنظمات المجتمع المدني فيه.
في أول يومين من الانفجار، بادرت 25 دولة لمساعدة لبنان مباشرة وبشكل طارئ، وجلها مساعدات طبية وإنقاذية طارئة. وفي اليوم التالي، أرسلت دول أخرى مساعدات طارئة للبنان، وجلها مساعدات طبية ومادية.
كل هذه المساعدات لم تكن قادرة على تلبية إلا جزء بسيط جداً من حاجات لبنان بعد الانفجار، وهي مساعدات طارئة يمكن للدول أن تبادر الى تقديمها من دون موافقات برلمانية وحكومية فيها. لكن، ومع تقدم الوقت، باتت المساعدات أكبر وأكثر تنوّعاً، وقد بلغت في 21 آب 2020، ما مجموعه 192 طائرة من 42 دولة، وخمس بواخر من المساعدات الغذائية والطبية، بحسب بيان رسمي وزعه الجيش اللبناني.
قبل ذلك التاريخ بفترة، تعهد المجتمع الدولي خلال مؤتمر عقد بمبادرة من فرنسا بتقديم 298 مليون دولار كدعم إنساني للبنان وذلك برعاية الأمم المتحدة، وبشكل مباشر للشعب اللبناني. تلى ذلك عقد لقاء دولي ثانٍ أطلق فيه الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والأمم المتحدة خطة عمل للإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار تمتد على 18 شهراً، كما قدم المؤتمر حوالى 280 مليون يورو للشعب اللبناني.
إضافة إلى ذلك، زادت الدول، وخاصة الغربية والعربية منها، مساعداتها إلى لبنان، ولكن بشكل لا يجبرها على المرور بالسلطات اللبنانية، وذلك لمعرفتها المسبقة بمكامن الهدر والنهب في إدارات الدولة. تم تقديم مئات ملايين الدولارات للمنظمات غير الحكومية في لبنان، أكانت تلك الصغيرة منها أم الكبيرة، ما دفعها للمساعدة جيداً في عملية الترميم ودفع التعويضات والتكفل بشؤون غذائية وطبية وغيرها.
خلاصة الكلام، فقد أظهرت المساعدات وأرقامها أن أكثر من بادر لرفد لبنان بالمساعدات المباشرة وغير المباشرة كانت فرنسا، وبشكل فاق بأشواط الدول الأخرى، لا حباً بلبنان فقط إنما بشكل يلائم مصالحها السياسية في بيروت كذلك. ففي ذروة تقديم المساعدات الكبيرة للبنان، انطلقت المبادرة الفرنسية لحل الأزمة السياسية في البلد الصديق، وذلك بعيد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت. لم تفد هذه المبادرة كثيراً في إيجاد حل لأزمات لبنان المزمنة، إلا أنها ساهمت بتبيان تقارب في وجهات النظر بين فرنسا و”حزب الله” لا يزال وقعه مستمراً إلى اليوم وفي ملفات محلية عديدة.
استخدمت فرنسا مساعداتها الكثيفة للبنان في المجال السياسي، فأصابت “عصفورين بحجر”. لبّت نداء المساعدة الإنسانية للبنان، فحافظت على خيط متين من العلاقة القديمة معه، كما أنها استخدمت تلك المساعدات “الإنسانية” كمحفز لمبادرتها السياسية، لكنها اصطدمت بالفشل، وأثبتت صحة نبوءة الزعيم التاريخي لفرنسا شارل ديغول الذي قال في مذكراته عن هذه البلاد وبشيء من لوم الذات وتبرير الفشل: “اتجهت إلى الشرق المعقد، حاملاً أفكاراً بسيطة”.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]