يعود موفد الرئاسة الفرنسية المكلّف بالمساعدة على إنجاز الاستحقاق الرئاسي المعطَّل جان إيف لو دريان، إلى بيروت في أيلول المقبل، وسط تساؤلات كثيرة وشكوك تحيط بمهمته ونجاح ما يحكى عن حوار في أيلول. خصوصاً في ظل التصعيد والتهديد الذي يمارسه “الحزب”، واستعادته لمصطلحات تهويلية ووضعها في التداول الإعلامي من مثيل الحرب الأهلية وما شابهها، وإن حاول تغليفها بالتوازي بكلام عن تهدئة وحوار لا يمكن الاعتداد به طالما يأتي على طريقة “السمّ المدسوس في العسل”.
الجمود المسيطر على صعيد الاستحقاق الرئاسي، خرقته الرسالة التي تلقاها مجلس النواب من السفارة الفرنسية في بيروت، وتتضمن أسئلة إلى رؤساء الكتل النيابية ونواب مستقلين، تطلب إجابات حول تصوّرهم بشأن المهمات المطلوبة من رئيس الجمهورية المقبل، والمواصفات التي يفترض أن يتمتع بها، لمناقشتها لاحقاً مع لو دريان عند عودته المفترضة في أيلول المقبل.
هنا أسئلة كثيرة تفرض نفسها، انطلاقاً من أن مواقف الكتل البرلمانية والنواب المستقلين والتغييريين، فضلاً عن موقف محور الممانعة، معروفة ومعلنة. بالتالي، السؤال عن جدوى أي مقاربة للمسألة من زاوية حوار وما شابه، مشروع وفي موقعه الصحيح.
من الثابت أن تجارب الحوار مع “الحزب” كانت فاشلة بالمطلق، إذ لم يلتزم بأيٍّ من القرارات الصادرة عنها. من حوار ساحة النجمة في العام 2006، إلى حوار الدوحة العام 2008، إلى حوار بعبدا في العام 2014. سمة كل هذه الحوارات كان الانقلاب عليها من قبل “الحزب”، وآخرها حوار بعبدا، إذ يتذكّر الجميع كلمة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، فور التوقيع على بيان بعبدا: “بلّوه وشربوا ميّتو”.
إن كان التاريخ خير معلّم، فها هو لا يزال حيّاً. بالتالي، لا معنى لأي حوار مع “الحزب”، طالما لا يزال على منطقه ونهجه ومشروعه الهادف للسيطرة على لبنان نهائياً وإلحاقه كلياً بمحور الممانعة. والتجربة ماثلة أمام أعين الجميع، في كيفية استغلاله أي حوار، فقط لمزيد من كسب الوقت وتمييع القضايا الأساسية، ومزيد من قضم الدولة والسيادة والمؤسسات والقرار، وصولاً إلى تحقيق مشروعه.
المحلل السياسي أسعد بشارة، يوضح، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “لو دريان سعى بعد تسلُّمه مهامه كموفد للرئاسة الفرنسية، إلى تحقيق اختراق في المبادرة الفرنسية على صعيد الاستحقاق الرئاسي والتي وصلت إلى حائط مسدود. فامتنعت فرنسا عن التلميح بدعم معادلة انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام رئيساً للحكومة، وأصبحت هذه المعادلة وراء المبادرة الفرنسية”.
يضيف في هذا السياق، أن “لو دريان حاول في زيارتَيه إلى بيروت، الأولى قبل اللقاء الخماسي في الدوحة، وبعده، أن يرتِّب لفكرة الحوار”، مشيراً إلى أن “الموفد الرئاسي الفرنسي اصطدم، أيضاً قبل اجتماع الدوحة وبعده، برفض داخلي وبتحفُّظ عربي ودولي، وسط تقاطع على تأكيد أن الاجتماع مع (الحزب) على طاولة شكلية وصورية واحدة هو لمصلحته، وألا قبول مبدئي لأي فكرة حوار إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية”.
بشارة يؤكد، أن “المعارضة اتفقت، وهذا بالانسجام مع جوٍّ عربي ودولي، على أن لا حوار مع (الحزب) قبل انتخاب رئيس الجمهورية، وبعد انتخابه يمكن الحوار فقط حول موضوع السلاح، وأن تبسط الدولة سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية”.
بالتالي، “لو دريان سيأتي في أيلول، وهو يريد، من حيث الشكل على الأقل، أن يجمع في صورة واحدة (الحزب) وحلفاؤه والمعارضة”، وفق بشارة، الذي يعرب عن اعتقاده بأن “هذا لن يتمّ، لأن له مغزاً سيضعه (الحزب) على الطاولة، وسيستثمره لمحاولة فرض مرشحه والاستمرار بعملية الفرض”.
بشارة يعتبر، أن “أقصى ما يمكن أن يفعله لو دريان، هو أن يقرأ أوراقاً من كل الجهات حول مواصفات الرئيس. وبالطبع، المعارضة ستؤكد على هذه المواصفات، والتي تنطبق على ما ورد في بيان الدول الخمس في الدوحة، أي رئيس يطبِّق الدستور ويلتزم باتفاق الطائف والقرارات الدولية ويطلق الإصلاحات وغير منغمس في الفساد”.
يضيف: “المعارضة تعتبر أن بيان اللقاء الخماسي الأخير في الدوحة، يشكّل نموذجاً لمواصفات رئيس الجمهورية المطلوبة. مع التشديد على نقطة أساسية في هذا السياق، وهي أن بيان الدوحة الأخير صدر بموافقة فرنسية وبمشاركة وحضور لو دريان شخصياً. بمعنى أن المعارضة تقول للو دريان، نحن تبنَّينا بيان الدوحة حول مواصفات الرئيس، والذي صدر بمشاركتك وتوقيعك، بالتالي اذهب وتحدث مع الحزب”.