الصالات في موسم الاصطياف: عناوين “لهّابة” ومقاعد تنادي روّادها

حجم الخط

كتبت جوزفين حبشي في “المسيرة” – العدد 1743

قد لا يكون الموسم الصيفي ملائمًا جدًا للأفلام السينمائية، فالصالات “تصيّف” عادة في أشهر آب تحديدًا، ومعظم الإصدارات الجديدة، المحلية والعالمية، تنتظر شهري أيلول وتشرين الأول للنزول الى الساحة بكل قوة. ولكن… هذا لا يعني أن بين آب والسينما عدم استلطاف، فمجموعة كبيرة من الأعمال السينمائية عنّونت أفلامها باسم الشهر اللهاب. وإليكم بعضًا من أهم هذه الأفلام.

August: Osage County

عادة يكون ختامها مسكا، ولكني سأفتتح بفيلم August: Osage County لأن الختام سيكون لبنانيًا، ولأن هذا الفيلم الأميركي هو من أفلامي المفضلة لاعتبارات عديدة أهمها القصة والنص الرائعين والتمثيل المبهر لكل من ميريل ستريب وجوليا روبرتس وايوان ماكريغور وجولييت لويس. فيلم من نوع الدراما والكوميديا السوداء، صدر في العام 2013، وبلغت تكلفة إنتاجه حوالى 25 مليون دولار بينما حقق أرباحا تُقدّر بـ31.580 مليون دولار. هو مقتبس عن مسرحية تريسي ليتز الشهيرة بالعنوان نفسه، والفائزة بجائزة بوليتزر، وقد تولى ليتز بنفسه كتابة سيناريو الفيلم وحواراته، بينما أدار الإخراج جون ويلز وكما ذكرت سابقاً الفيلم من بطولة ميريل ستريب  وجوليا روبرتس اللتين رشحتا لجائزة أوسكار، الأولى في دور رئيسي والثانية في دور مساند. كما فاز الفيلم بجائزتين في مهرجان هوليوود السينمائي، وتم ترشيحه للعديد من الجوائز الأخرى. تدور الأحداث في شهر آب، وتحديدا في مقاطعة أوساج، حيث سنتعرف تباعًا الى حياة أفراد عائلة ويستون وأسرارهم الكثيرة وفضائحهم الأكثر، فالقصة تتمحور حول الشاعر بيفرلي ويستون (سام شيبرد) المدمن على الكحول والمتزوج من فايلوت (ميريل ستريب في أحد أقوى أدوارها) المصابة بالسرطان وسليطة اللسان والمدمنة بدورها على العقاقير المخدرة. بيفرلي قام بتوظيف خادمة من أجل الإهتمام بفايلوت، ولأنها من أصل هندي فهي لا تسلم من تعليقات فايلوت المليئة بالعنصرية. يبدأ الفيلم مع إختفاء  بيفرلي، فتحضر بناته الثلاث وتبدأ المشكلات والأسرار بالظهور تباعًا.

Sometime In August

من ألمانيا، فيلم Sometime In August، وهو من نوع الدراما، تم إنتاجه في عام 2009، عن نص، سيناريو وإخراج لسيباستيان شيبر، وبطولة ماري بومر وميلان بيشيل وأندريه هنيك وآنا بروجيمان. يروي الفيلم قصة توماس وهانا، وهما زوجان سعيدان إستقرا في الريف، ولكن علاقتهما ستتوتّر عندما سيزورهما شقيق توماس وقريبة هانا. الفيلم مستوحى بكثير من التصرّف من رواية “اهتمامات اختيارية” للكاتب يوهان فولفجانج فون جوته سنة 1809، وعُرض للمرة الأولى في قسم المنتدى في مهرجان برلين السينمائي الدولي التاسع والخمسين، وفاز بالجائزة الكبرى في مهرجان كابورغ السينمائي.

Rhapsody in August

كيرا كوروساوا هو أحد أفضل وأهم المخرجين وكتّاب السيناريو اليابانيين والعالميين في تاريخ السينما. أفلامه كثيرة وتمتاز عادة بجماليتها المشهدية، والإهتمام في خلق علاقة بين الصورة والصوت. وقفتنا معه ستكون من خلال فيلمه Rhapsody in August من إنتاج عام 1991، وهو قصة ثلاثة أجيال في عائلة يابانية ما بعد الحرب وردود أفعالهم على القصف الذري لليابان. يعيدنا الفيلم الى عام 1945 لنتابع قصة كين المرأة العجوز التي فقدت زوجها في الهجوم النووي على ناغازاكي، ويأتي حفدتها لزيارتها خلال شهر آب. تكتشف أن لديها أخ يعيش في هاواي ويريدها أن تزوره قبل وفاته، ولهذا الأخ إبن يُدعى كلارك (يؤدي دوره النجم ريشارد غير) نشأ في أميركا كوروساوا كان قد عرض دور كلارك في الأصل على جين هاكمان، الذي رفض لأسباب صحية. وبعدما قرأ ريتشارد غير السيناريو، أعجب بالدور وطلب تأديته، ولكن كوروساوا كان مترددًا في البداية في إسناده إليه نظراً لسنه وصورته. وفي شهر تشرين الأول من عام 1990، قام غابرييل غارسيا ماركيز بزيارة إلى مدينة طوكيو، وكان ذلك في فترة تصوير كوروساوا الفيلم. ماركيز الذي كان قد عمل في النقد السينمائي لعدة لسنوات قبل أن يبدأ بكتابة الروايات، أجرى مع كوروساوا حواراً إستمر لست ساعات، تحدث فيه عن الفيلم وقال: “لم يحدث من قبل أن قمت بتصوير مشاهد واقعية صادمة تبيّن أنها غير محتملة، ولا تشرح في مضامينها وبحد ذاتها رعب المأساة وهولها. ما أردت أن أصوّره هو الجروح التي خلّفتها القنبلة الذرية في قلوب أبناء شعبي، وكيف بدؤوا بالشفاء منها تدريجياً. أذكر بوضوح يوم إلقاء القنبلة، وما زلت إلى الآن غير قادر على تصديق أن هذا قد حدث فعلاً. لكن الجزء الأسوأ مما حدث هو أن الشعب الياباني اختار أن ينسى الواقعة بكل أهوالها وفداحتها، وأن يعيش حالة من فقدان الذاكرة الجماعي”.

مشروع “بيروت… آب 2021”

ما قاله كوروساوا يعيدنا الى ما عانيناه نحن أيضا كلبنانيين في 4 آب من عام 2020. نحن أيضا تم تفجيرنا، وللأسف يحاولون جعلنا ننسى ونستمر في حياتنا وكأن شيئا لم يكن. تفجير 4 آب لم تتغاضَ عنه السينما، فقد تم إعداد كثير من الأفلام والسلسلات “الدوكو ـ درامية” التي وثّقت بالدم والوجع والدمار معالم المدينة والناس. أفلام عديدة سبق أن توقفنا عندها في أعداد سابقة وسنذكر منها اليوم مشروع “بيروت… آب 2021” الذي تم تنفيذه في الذكرى الأولى للتفجير، وهو مجموعة أفلام قصيرة، إستعاد صنّاعها كل على طريقته مأساة بيروت وسكان بيروت في 4 آب 2020.

من هذه الأفلام “إعلان حرب” للمخرج إيلي داغر، الذي ركّز على فكرة أن  الانفجار كان فورياً، ولكن طاقته المدمّرة لم تتلاشَ أبدًا. “فالطاقة لا تختفي ولا تزول، بل تنتقل من شيء إلى آخر. تتشتّت في داخلنا، لتتحوّل إلى غضب وألم وأمل ويأس. لكن في كلّ صباح، يصرخ النور في وجهنا لننهض من الفراش مع مرور الأيام. لقد ترك الانفجار جرحًا مفتوحًا… فأين ستذهب كلّ طاقته؟”

أيضا من مجموعة الأفلام القصيرة، فيلم “زهور زرقاء عديمة الرائحة تستيقظ قبل أوانها” للمخرج بانوس أبراهاميان، وفيلم “ورشة” لجان كلود بولس، حيث نراه يمشي مع كلبه في حي عالق في إعادة الإعمار. في رحلته، وهو يتذكر تفاصيل من الثانية التي كادت أن تكلفه حياته، يتساءل عن الحياة، الموت، وسيناريوهات “ماذا لو” لم يكن مكانه في ٤ آب.

“مينرفا” للوسيان أبو رجيلي، استعاد قصة مينرفا التي توفيت بعد ثمانية أيام من تفجير بيروت بسبب إصاباتها البليغة، وصدمة إبنها ومعاناته مع المسار البيروقراطي الطويل والعبثي لنظام متخاذل لم يشمل والدته كضحية للتفجير.

بدورها المخرجة سارة قصقص استعادت خلال 6 دقائق من مدة فيلم “اضطراب”، الصدمة التي عاشتها من خلال لقطات من ذاكرتها المشتّتة. تُرافق هذه اللقطات أصوات الناجين، حيث يحاولون التعامل مع حزنهم الجماعي.

“أخطبوط”

صحيح أن هذا الفيلم الختامي لا يحتوي كلمة آب في عنوانه، ولكنه مسكون بما حصل في 4 آب في لبنان، وبكافة الآثار المدمرة على الروح قبل الجسد. إنه فيلم “أخطبوط” للمخرج الشاب كريم قاسم، الفائز بالجائزة الأولى لبرنامج “تخيّل” (المُكرَّس للأفلام الفنية الإبداعية والمبتكرة)، في الدورة الـ34 لـ”مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية”. فيلم “أخطبوط” جال على مهرجانات عديدة، وكان لي شرف إدارة النقاش حوله بعد عرضه في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدّة في دورته الثانية، واستطاع أن يؤثر بكل من شاهده على رغم خلوّه من الحوارا . يقول كريم قاسم “لا شيء يستدعي الكلام، فالكارثة أكبر من أنْ يرويها ضحاياها الناجون (أهُم فعلاً ناجون؟) من موتٍ يُخيِّم على المدينة وفضائها”… كريم كان قد وصل من نيويروك إلى بيروت في 3 آب 2020، أي قبل يوم واحد من التفجير، استعدادا للعمل على فيلم جديد. اضطر يومها للإقامة في فندق مقابل لمرفأ بيروت، بسبب إجراءات عزل كورونا. وقبل وقوع التفجير، جاءت أمه لزيارته وجلسا معًا على الشرفة ومعًا ظنّا أنهما لن ينجوا من الإعصار البركاني الذي ضرب بيروت. ولكنهما نجوَا بأعجوبة، وعندها قرر كريم تغيير فكرة فيلمه، ليعمل على “أخطبوط” آخر. لقد قرر التقاط كل أحاسيس الوجع والإحباط والخيبة والخوف التي يعيشها سكان بيروت التي تعرضت لأبشع تفجير، وتعرضوا معها لأبشع أنواع العنف النفسي قبل الجسدي.. سكان أشبه بالزومبي، لا يتكلمون، يتنفسون، يتحركون، يأكلون، يشربون، ينامون، يستيقظون، يعملون كآلات مبرمجة على فراغ تام، وكأن التفجير أبقاهم على قيد الحياة جسديا فقط.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل