كما كل أيلول من كل عام، خلعت معراب ثوب السياسية اليومية المثقل بهموم اللبنانيين وأزماتهم، وانصرفت الى حيث الوفاء، ولا شيء غيره، تقديراً وانحناء لشهداء المقاومة اللبنانية. وفاء ليس لمن بذل حياته وحسب، فالسيادة المزنّرة بالشهادة، لفتها تضحيات جرحى ومصابي حرب ومعتقلين ومفقودين، موجودون دائماً وأبداً في خبز القواتيين اليومي، لتبقى لنا الحرية، التي إن عدمناها في هذا الشرق المظلم عدمنا المستقبل والحياة.
لتبقى لنا الحرية، شعار هذه السنة. ولعله أكثر الشعارات واقعية. لتبقى لنا حرية شعب يرفض الخضوع والحلول الوسطية، لتبقى لنا حرية مقاومة لا تخاف الموت ولا تهابه من أجل الحياة، لتبقى لنا حرية مناضلين لم يستسلموا فجعلوا من الخطر “قوات”.
وكما في كل قداس شهداء، يجدد القواتيون المقاومون من أجل مستقبل وطنهم، الأحد 3 أيلول من معراب، فعل الإيمان الأحب الى قلوبهم بأن الشهداء هم الخميرة في معجن المقاومة المباركة، لتبقى لنا الحرية التي كللت بنشيد خصص للمناسبة كتبه الشاعر نزار فرنسيس ولحنه الملحن رواد رعد.
يؤكد الملحن رواد رعد الذي ترعرع في بيئة مسيحية ناضلت حتى الاستشهاد أن قداس شهداء المقاومة اللبنانية يعني له الكثير، كقداس وكذبيحة إلهية، إضافة الى مشاركتنا الصلاة مع من ارتفع الى فوق ويصلّي لنا من عليائه كي نجتاز المحنة التي نعيشها، فيما نحن أيضاً نشاركهم الصلاة لراحة أرواحهم ونفوسهم.
ويرى عبر موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، أن الشهيد يعني له الكثر لأنه في وقت من الأوقات كانت مسيحيتنا تنتهك، مضيفاً: “صحيح أن يسوع قال من ضربك على خدك الأيمن در له الأيسر، لكن هذا لا يعني أنه يجب أن نتلقى الصفعات من دون أن يكون لدينا أي ردة فعل”.
يشدد رعد على أنه مدمن على هذا النوع من الأعمال والألحان، لأنها تفرحه وتعطيه الأمل بضرورة الوصول الى الهدف، خصوصاً أن الفن مقاومة ونضال من نوع آخر، مشيراً الى أنه يتفحص في صور الشهداء التي يحملها الأهل في كل مشاركة له بالذبيحة الإلهية في معراب، فيستعيد قدسية تلك المرحلة. ويتابع: “معظم الناس كانوا يقاومون وهم بغالبيتهم الساحقة من المثقفين والأكفاء، ليس حباً بالقتال إنما إيماناً بقضية ودفاعاً عن وجود، وفي اليوم التالي كانوا يعودون الى أعمالهم تشبثاً بالحياة”.
وعن تعاطفه مع هذه المناسبة، يلفت رعد الى أن أصوله الفلسطينية يوم اغتصبت أرضه ولم تجد من يقاوم عنها، جعلته يتمسك بقضية المقاومة اللبنانية وشهدائها، إذ أن أرض لبنان تنهب اليوم وهناك من يناضل من أجلها، وهو لن يقف متفرجاً، متوقفاً عند صمود رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي اعتقل تحت الأرض 11 عاماً من أجل قضية دافع عنها بشرف.
يضيف: “أحترم نضالات القوات اللبنانية وأحترم أكثر صمودهم وإصرارهم على الاستمرار في مسيرة النضال. منذ وقت طويل حتى اليوم، تعمل القوات بطريقة واضحة ملتزمة بالخط المقاوم والسيادي، ودماء الشهداء الذين سقطوا لا يجب أن تذهب هدراً، ما يعني أنه يجب علينا الوقوف الى جانبها وقفة نضال، لأن هذا الحزب وهؤلاء الشهداء جعلونا نقدّر مقاومة الطغيان والظلم”.
يوضح أنه عندما يلحن للقوات اللبنانية ولمن ناضل من أجل لبنان، فهو يفعل ذلك انطلاقاً من أحاسيسه لأنه يشعر بما يشعرون هم به، لكن اذا أراد تلحين أغنية أو نشيد من بيئة وعقيدة مختلفتين عما يؤمن هو به، فإنه يلحن ضمن الخطوط التي يريدونها وليس ضمن خطوطه، جازماً بأنه لا يخشى إطلاقاً على مستقبله ولا على الفنانين الذي يتعامل معهم طالما يقدم لهم ألحاناً ناجحة.
الملحن رواد رعد المتجدد دائماً، لا يخشى تكرار نفسه في أناشيد “القوات اللبنانية” الذي لحن عدداً كبيراً منها، إذ ينظر الى من سبقنا في نسج الثقافة الفنية أمثال المدرسة الرحبانية التي أعطتنا 500 سنة موسيقية الى الأمام، علماً ألا أغنية تشبه الأخرى، مشدداً على أنه يجدد نفسه كل يوم.
رعد المؤمن بلبنان ومستقبله، يؤكد أن الوصول الى أهدافنا ليس بالأمر السهل، فالضوء الذي يلوح من النفق دونه عقبات وصعاب، مضيفاً: “لو لم أكن واثقاً من نفسي وآملاً بالمستقبل، لما كنت وصلت الى ما أنا عليه اليوم، وهذا ينطبق على لبنان. أملي وإيماني كبيرين بلبنان وثبات هذا البلد لن تزعزعه الخضات، ومن يؤمن بهذه العناوين سيحققه هدفه حتماً”.