بين أيلول الشهادة وتشرين الوفاء.. قضية معمّدة بالتضحيات

حجم الخط

كتب شارل جبور في “المسيرة” – العدد 1744

يتزامن احتفال “القوات اللبنانية” بقداس شهداء المقاومة اللبنانية هذا العام مع الانتخابات الحزبية التي تجري في 29 تشرين الأول، إذ ما يكاد ينتهي القداس حتى يبدأ العدّ العكسي للانتخابات التي تمثِّل رسالة إضافية للشهداء بأن القضية التي استشهدوا في سبيلها مصانة من الفريق الذي يراكم وطنيًا وقواتياً وفاءً لشهادتهم من أجل وطن آمن وحرّ ومستقرّ.

أسوأ ما قد يصيب الشهيد وأهله وبيئته يكمن في تخلّي الفريق الذي استشهد عن طريقه عن خطه الوطني والسياسي، وأكثر ما يعزِّيه أن هذا الفريق لم يحد قيد أنملة عن المبادئ والثوابت والمسلّمات، وما زال على أهبة الاستعداد للشهادة والنضال دفاعًا عن وجود وحقّ في العيش بحرية وأمان وكرامة وعنفوان، والشهادة ليست ترفاً ولا خيارًا، لأن من يُعطي الحياة وحده يأخذها، ومن يحبّ الحياة لا يضحّي بحياته، إنما تشكل واجبًا إنسانيًا دفاعًا عن الهبة الإلهية بالحياة الحرة والتي لا يحق لأي مخلوق مخالفتها ومعاكستها من خلال استعباده الناس وإجبارهم على الخضوع لتوجهاته المخالفة لقوانين الحياة والطبيعة والدول الديموقراطية.

الهدف من إحياء هذه المحطة السنوية ليس نبش صفحات الحرب ولا الاستعراض ولا القيام بواجب، إنما ينمّ عن فعل إيمان يحيا في قلوب القواتيين وعقولهم ووجدانهم أنه لولا هذه الشهادات لكانت أهداف الخصوم تحقّقت وأصبحت حكمًا مبرمًا، والأهم يبقى في هذه النخوة التي لولاها لكانوا أعداء البلد والإنسانية حكموا وتحكّموا بلبنان منذ زمن بعيد، وبالتالي هذه المحطة هي الجزء الأساس من ماهية “القوات اللبنانية” ووجودها ودورها.

وأما الرسائل التي توجهها “القوات اللبنانية” في هذه المحطة فهي عديدة وأهمها يكمن بالتالي:

الرسالة الأولى إلى الشهداء بأن استشهادهم محفور بالوجدان ويحكم مسار “القوات” ومسيرتها، ولن تكلّ ولن تملّ قبل تحقيق الأهداف التي استشهدوا من أجلها.

الرسالة الثانية إلى القواتيين بأن قيادتهم لا تتخلّى عن قضية معمّدة بالشهادة وعلّة وجود “القوات” هذه القضية بالذات، ولا تعدهم بالمن ولا بالسلوى، إنما بمزيد من النضال والتضحية والشهادة في سبيل الوطن الذي استشهد في سبيله من سبقهم إلى دنيا الخلود.

الرسالة الثالثة إلى المسيحيين واللبنانيين بأن لا خوف على لبنان الذي استشهدت من أجله قوافل من الشهداء، ولا خوف في ظل وجود “القوات” وأمثالها على استعداد للتضحية بالغالي والرخيص دفاعًا عن إنسان وحرية ووطن.

الرسالة الرابعة إلى أعداء لبنان، الذين يخطفون قراره ويمنعون قيام دولة فعلية ويعملون على تغيير هويته، بأن مصيرهم، مهما طال الزمن أو قصر، الزوال، ومواجهة مشاريعهم الهدامة والكارثية لن تتوقّف قبل سقوط هذه المشاريع وهزيمتها على أرض لبنان.

تستمد “القوات اللبنانية” القوة من شهدائها ومسيرتها المجبولة بالشهادة والتضحية والنضال والثبات على المبادئ والمسلّمات، وقيمة “القوات” أنها لم تبدِّل حرفاً واحدًا من كلمات القضية المكتوبة بحبر القناعة والإيمان والالتزام والدم دفاعًا عن لبنان، وفي هذا السياق بالذات تأتي الانتخابات الداخلية في 29 تشرين الأول لتتوِّج مسيرة طويلة بدأت عسكرية وانتقلت نضالية رفضًا للاعتقال والحلّ والاحتلال وتواصلت سياسية بعد عودتها إلى الحرية في العام 2005. والسؤال الذي يطرحه البعض: لماذا الآن وفي هذا التوقيت وليس قبل أو بعد ذلك قررّت «القوات» الدعوة لانتخابات حزبية داخلية؟

والإجابة مردها إلى سببين:

السبب الأول يرتبط بظروف البلد المتفجِّرة وغير المستقرة والتي شهدت اغتيالات وانقلابات واستخدام للسلاح ومواجهات كادت تهدِّد الإنجاز الذي تحقّق مع خروج الاحتلال السوري للبنان، وقد طغت مواجهة هذه الأحداث الوجودية والخطيرة على ما عداها، خصوصًا أن “القوات” وُجدت للدفاع عن لبنان وشعبه، ولكن عندما وجد رئيس الحزب أن البلاد دخلت في مرحلة من الستاتيكو على المستوى الوطني رأى أنه من الضروري إنجاز الاستحقاق الانتخابي الداخلي.

السبب الثاني يتعلّق بمزيد من تحصين الوضعية القواتية التي وصلت إلى تمثيل غير مسبوق في تاريخ القوات، والانتخابات الحزبية تشكل هدفاً أساسيًا في هذا الاتجاه، حيث أن التراكم الكبير الذي تحقّق على مدى الـ18 سنة الأخيرة بحاجة إلى الصيانة والمتابعة بإشراف القيادة التاريخية لهذا الحزب ومتابعتها الدقيقة بعد أن أوصلت “القوات” إلى الحزب الأول مسيحيًا وحجر الزاوية وطنيًا، وان تكون الأولى مسيحياً يعني أن المشروع السياسي الذي تحمله استعاد الصدارة متغلّباً على مشروع الدويلة والذمية والمصلحة السلطوية، وأن تكون عمود المعارضة الفقري في المواجهة الوطنية يعني أنها كما دائمًا رأس الحربة عن المشروع اللبناني.

وعليه، فإن أهمية الانتخابات الحزبية القواتية تكمن في ثلاثة أبعاد أساسية:

البعد الأول يزاوج بين تتويج ما حقّقته من تراكم وتمثيل وحضور وثقة وتحصينه، خصوصًا أن “القوات” هي الحزب الوحيد الذي واصل تقدمه منذ العام 2005 من دون توقُّف، والحزب الوحيد الذي لم يتأثر بشعار «كلن يعني كلن»، فكانت نتيجة انتخابات العام 2022 أفضل من انتخابات 2018، وكل انتخابات أفضل من الأخرى في دليل عملي على تجربة تواصل صعودها من دون سقوف، فيما الأحزاب الأخرى إما تراجعت وإما بالكاد حافظت على وضعيتها، وهذا ما يسجّل لـ”القوات” مقارنة مع غيرها، والفضل في ذلك يعود إلى قيادتها وثبات خطها ونهجها وقناعة الناس بصوابية مواقفها وممارستها.

وتجربة “القوات” في صعودها المتواصل تشكل نموذجا يدرّس على مستوى العمل الحزبي وتطوره، وكيف أن الوضوح والثبات والشفافية لا بدّ من أن تفعل فعلها.

البعد الثاني يتعلّق بالتنافس بين القواتيين على موقع القيادة، وهذا التنافس ليس على المشروع السياسي، لأن كل قواتي يحمل الهمّ نفسه والقضية نفسها والمبادئ ذاتها والتطلّعات عينها، وليس على غرار رئيس أحد التيارات الذي تحدّث عن مشروعين داخل تياره، فيما الجامع بين “القوات” هو المنطلقات الفكرية الواحدة والتطلّعات الواحدة والأهداف الواحدة، وصلابة “القوات” متأتية من تاريخها ومقاومتها ونضالها. والانتخابات لا تميِّز بين قواتي وآخر، إنما تفسح في المجال أمام تصويت القواتيين لمن يعتبرونهم من رفاقهم أن لديهم القدرة الأكبر على حمل مشروع “القوات” والتعبير عنه.

البعد الثالث يتصلّ بأنه للمرة الأولى سيكون الى جانب التكتل النيابي الذي يمثِّل “القوات” على مستوى الدولة ومؤسساتها، ستكون هناك قيادة حزبية منتخبة تمثِّل القواتيين على مستوى تطلعاتهم الحزبية – السياسية، وكل ذلك تحت قيادة رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع.

ويبقى السؤال عن نظرة “القوات” إلى الانتخابات النيابية والحزبية، لأن نظرتها تختلف عن غيرها، فلا تخوض الانتخابات النيابية سعيًا لسلطة ومراكز ونفوذ ومواقع، إنما تخوضها في سياق مواجهة سياسية منعًا لوضع الممانعة يدها على الدولة كلها، ولأن طابع المواجهة هو سياسي فما عليها سوى أن تُعدّ العدة لأفضل مواجهة تمكّنها من الاستحواذ على أكبر كتلة تاريخية تستطيع من خلالها دحر مشروع الممانعة لمصلحة المشروع اللبناني القائم على الحرية والسيادة وفلسفة الدولة لا العصابات والفوضى.

ولا تخوض “القوات” الانتخابات الحزبية سعيا وراء وجاهة أو فولكلور سياسي، إنما تخوضها بهدف مزيد من تمتين الوضعية القواتية وتحصينها في سياق المواجهة الوطنية التي تخوضها دفاعًا عن القضية اللبنانية، ولم تكن يومًا النظرة إلى المراكز في “القوات” إلا زيادة الوزنات في تحمُّل المسؤولية والجهد والتعب، وعلى رغم الحيوية الموجودة دائمًا في “القوات”، فإن الانتخابات الحزبية ستؤدي إلى مزيد من الحيوية والدينامية تتويجًا لمسيرة القوات التاريخية ومواصلة النضال حفاظاً على لبنان التاريخي.

شارل جبور ـ رئيس جهاز الإعلام والتواصل في “القوات اللبنانية”

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل