كتبت جومانا نصر في “المسيرة” – العدد 1744
ويحدثونك عن الخيار ويستفيضون في الكلام…
مواصفات الرئيس، اللامركزية الإدارية، السلاح غير الشرعي، الصندوق السيادي، التحقيق الجنائي، لجنة تقصي الحقائق في جريمة تفجير المرفأ…
لكن ماذا عن المجتمع، ماذا عن شعب يعيش اللحظة ويكتفي بها عيشًا وطموحاً، شعب يتلهى بعبثية الحياة وشعب يحيا في غرفة العناية الفائقة ويدرك أن عمره يمر ببطء!
خيارنا أعلناه على الملأ منذ قيام الدهر… خيارنا الحرية. من أجلها قاتلنا واستشهدنا وهُجّرنا، ومن أجلها نناضل اليوم لاسترداد الجمهورية وعودة عمل المؤسسات وتحرير القضاء من نير عبودية السياسيين ومعرفة الحقيقة كل الحقيقة في جريمة تفجير مرفأ بيروت لترتاح أنفس 244 ضحية. نناضل وفي قلبنا وضمائرنا ذخائر شهدائنا القديسين بعدما أقسمنا ونحن ننثر التراب البارد فوق بلاطة الرخام أن خيارنا المقاومة، خيارنا الحرية… ونستمر.
خيارنا أن نبقى علامة فارقة في التاريخ لا مجرد سطور تُكتب على صفحاته وتطوى إلى أبد الآبدين. خيارنا تلك الجمهورية القوية التي من أجل حفنة من ترابها تمترس أجدادنا في الجبال الوعرة، قاوموا المماليك قاتلوا جمال باشا السفاح وشهدوا على إعدامات خيرة رجالات الوطن، قاوموا الانتداب ووقفوا في وجه الفلسطيني والسوري المحتل حتى اندحر ذات نيسان 2005. وكما وقفوا وصمدوا، كما نزلتم إلى الساحات غير سائلين عن حياتكم عن دمائكم عن عمركم عن أهلكم وفلذات أكبادكم، سنقاوم حزب السلاح ونسترد الدولة من براثن الدويلة.
شهداءنا، خيارنا هو هو. لم يتغيّر ولم نسمح بأن تتلاعب به رياح الغدر والسلطة ولم ينحنِ أمام إغراءات الفساد والفاسدين. من أجل الحرية كان خيارنا، وكانت القوات اللبنانية. ومن أجلها نستمر. فمسيرتنا هي المقاومة، ومقاومتنا هي الحرية.
ولنتذكر. تاريخنا الحضاري منذ 6000 سنة حتى اليوم حافل بالصمود والملاحم. أمهاتنا ما زلن يلدن أبطالاً. صحيح أن جحافل الأعداء تضاعفت، ولكن ما هم. فكل يوم يمر يكرّس ثباتنا بأرض الأجداد، أرضنا. وعلى رغم كل محاولات تدنيس خيارنا بالتعصب الأعمى بقيت الحرية خيارنا.
فالإنسان الحر هو الإنسان الملتزم والمقاوم. والمجتمع الحر هو المجتمع الذي لا يركع أمام أهواء بعض “الهبّات” الساخنة العابرة وتتحول قضيته عبثاً. والنظام الحر قبل أن يكون التزاماً على الورق هو التزام في الممارسة والرأي الحر هو الرأي المنبثق من قاعدة الالتزام والقناعة والإيمان وليس من قرارات من يدّعي أنه مسؤول!
القرارات تزول والمسؤولون يرحلون والأنظمة تتغيّر وموازين القوى تتعدل. أما موضوع الحرية فغير قابل للجدل. ومتى أصيبت الحرية في مقتلها فهذا يعني أننا قتلنا أنفسنا ودفنّا مجتمعنا أعمق من التراب…
وللتنبيه. معركتنا اليوم هي معركة وجود، وإن اختلفت الأسباب المباشرة لوقوعها عن أسباب سابقاتها، إلا أن أهدافها ومراميها واحدة، الحكم على الحرية بالإعدام هذا ما يهدف إليه أعداؤنا وهذا بالتحديد ما سنبقى ندافع عنه، فتنبّهوا…
إلى شهدائنا القديسين
حيثما ترقدون نعلم، وتعلمون أن مهمتكم لم تنته بعد وما حققناه حتى اليوم من حرية وسيادة هو من صنع أيديكم.
لقد أكدتم للعالم أن لبنان وُجد ليعيش كما يريد أبناؤه وليبقى كما يتمنى بنوه.
وإن نسوا أو تناسوا فلن ننسى أنه في لحظة من لحظات الزمن الأسود زمن الاحتلالات والحروب كنتم وحدكم واقفين على الجبهات، تقاسون البرد والصقيع، وكنتم القرابين على مذبح الوطن ليتمتع غيركم بـ”شمس” الأمن والأمان. فلولاكم لقُصف عمر الوطن.
إن نسوا أو تناسوا، الحقيقة ساطعة كما شمس أيلول المغمّس بالشهادة. فيوم حملتم البندقية لم يكن خياركم إلا الدفاع عن الأرض والوجود في وجه المحتل. لم تخضعوها للمساومات السياسية ولم تستعملوها خارج مهماتكم ومهماتها.
حملتموها يوم كان يعلوها غبار الخوف والتردد ويوم كان حملها جريمة لا تُغتفر، وإلقاؤها جانبا أنجع الوسائل. وهكذا وضعتموها في المكان المناسب وأنقذتم لبنان من براثن الطامعين.
واليوم بسلاح الالتزام والمواطنية الصادقة مستمرون في مسيرة الشرف والبطولة التي رسمتموها لإنقاذ هوية لبنان واستعادة الجمهورية.
وللذين نسوا أو تناسوا، للذين قرروا أن يصموا آذانهم، للذين تعاموا عن الحقيقة، نقول ونذكّر بأن خيارنا الحرية ولن نكون إلا في قلب الحقيقة والحرية.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]