في كل مرة يتعرض فيها لبنان لأزمة سياسية أو أزمة حكم أو أزمة أمنية، يسارع البعض لاستبدال تطبيق الدستور اللبناني بطاولات حوار يجتمع حولها رؤساء الأحزاب، وتكون إمّا بمسعى داخلي وإمّا بآخر خارجي، إلا أن هذه الحوارات كانت دائماً تنتهي بإرساء ممارسات جديدة في الحكم، أو الفشل.
إذا أردنا استعراض بعض محطات طاولات الحوار التي شهدها لبنان في الداخل والخارج، بعد الاستقلال وإعلان الميثاق الوطني العام 1943، لا بدّ من التوقف عند مبادرة العام 1958 لحل الأزمات عبر الحوار، لكن هذه المحاولة فشلت في توقيف الأزمة، ولم ينتهِ الأمر الا بتدخل عسكري للجيش الأميركي. في العام 1969، شهدت الساحة اللبنانية نزاعات وصراعات وبسببها تم توقيع اتفاق القاهرة لتدارك الحرب التي اندلعت في العام 1975.
خلال الحرب اللبنانية شهدت الساحة اللبنانية على نقاشات عدّة منها في العام 1975، كحوار القاهرة ومبادرة هيئة الحوار الوطني، وكانت في العام 1976 القمة الإسلامية المسيحية، وفي العام 1981 مؤتمر بيت الدين، كما شهدت الساحة اللبنانية على هيئة الانقاذ وحوار الرياض في العام 1982، ومؤتمر جينيف في العام 1983. وكان مؤتمر لوزان في العام عام 1984. كل هذه النقاشات لم تنجح ولم تصل الى حل للازمة اللبنانية، حتى العام 1989 مع توقيع اتفاق الطائف وتوقف الحرب وإقرار وثيقة الوفاق الوطني.
بعد انسحاب جيش الاحتلال السوري من لبنان في العام 2005، عادت المبادرات الحوارية وأولها في العام 2006 من خلال دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى عقد طاولة حوار توصلت الى حلّ بعض النقاط، لكنها لم تتمكن من القضاء على الأزمة التي نعيشها، وتوالت اللقاءات. في العام 2007 عقد مؤتمر سان كلو، وفي العام 2008 اتفاق الدوحة الذي أرسى قاعدة جديدة على مستوى إدارة الحكم. في العام 2011 وبدعوة من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، عقدت طاولة حوار في بعبدا خرج عنها وثيقة وبعض النقاط التي لم تطبق. كل هذه الحوارات لاسيما تلك التي جرت بعد العام 2005، لم توصل الى نتيجة، والسبب أنه بعد اتفاق الطائف الذي لم تنفذ بنوده وخاصة بند نزع سلاح الميليشيات، تم الإبقاء على سلاح “الحزب” الذي يفرض من خلاله، سياسة الدولة اللبنانية، أضف الى ذلك، أن هذا الحزب لديه مشروعه الخاص وأجندته الخاصة وسياسته التي يطمح اليها غير آبه بما يمر به البلد وما يعانيه الشعب اللبناني.
وبظل الأزمة الرئاسية التي نعيشها اليوم، يعاود الطرف الذي عرقل تطبيق بنود كل الاتفاقات السابقة، الى معزوفة “الحوار” وكأن ليس للبنان أي دستور يطبق، وبعد أن “لحس إمضاءه” بكل الحوارات السابقة ومشى، وقال لنا وبالفم الملآن “بلّوا المقرارات واشربوها”، يأتينا اليوم من جديد بمعزوفة الحوار، علّه يفرض علينا أو يخضعنا أو يؤمن بعض المكاسب بعد هزائمه المتتالية التي لحقت به.
لم يكن الحوار يوماً الا لمن كان أهلاً للحوار، فالممانعة وبعد كل التجارب التي مررنا بها، أكدت لنا أنها ليست أهلاً للحوار وأن حواراتها هي فقط لتمرير الوقت واستحصال المكاسب، أو فرض مرشح ما أو سياسة معينة.
هل من اتُهم باغتيال الشهيد رفيق الحريري وبأكثر من 20عملية اغتيال ومحاولة اغتيال، هو أهل للحوار.
هل من خبأ النترات في مرفأ بيروت، مفجراً العاصمة وحمى المتهمين وهدد القاضي بيطار “بالقبع” هو أهل للحوار؟
هل من نزل في 7 أيار لقتل الأبرياء في بيروت هو أهل للحوار؟
هل من تحوم حوله شبهات اغتيال الرفيق الياس الحصروني أهل للحوار؟
هل من عمد الى تشريع التهريب بحجة المقاومة هو أهل لحوار؟
أي حوار مع هذا الحزب والمحور الذي يديره لن يوصلنا الى نتيجة، فمشروع “الحزب” أصبح مكشوفاً: مشروع ايراني يعمل على تدمير الدولة والجمهورية لفرض أجندته الخاصة على اللبنانيين بالقوة من خلال الترهيب والقتل والاغتيال…
التطاول على الدستور بهذه السياسات المبطنة تحت عنوان الحوار لن يبني بلداً ولن يوصلنا الى جمهورية قوية. وحده تطبيق الدستور هو الحل ولا حل يعلو عليه، وانتخاب رئيس للجمهورية يكون من خلال تطبيق الدستور عبر عملية ديمقراطية تجري تحت سقف البرلمان بالاقتراع وليس عبر فرض الرئيس من خلال طاولة حوار، لم توصلنا يوماً الى نتيجة!