كتبت ألين الحاج في “المسيرة” – العدد 1744
جرعة أمل لأهالي المفقودين في السجون السورية
قيومجيان: مبادرة “القوات” خطوة لمعرفة مصيرهم
أم رشيد اللداوي، أم عزيز، أم دانيال صوراتي، أم رياض وجاكلين… أسماء وأسماء لأمهات باغتهم الموت قبل أن يودعوا للمرة الأخيرة رفات أحبائهم. رحلن وهن يحملن صور أولادهم المخفيين والمفقودين في السجون السورية ولعل اللقاء بهم حصل! وباستثناء جمعية المعتقلين في السجون السورية وجمعية “سوليد” ومن تبقى من الأهالي لا أحد يسأل، وإذا ما طُرِحَ السؤال يكون التالي: أين رفاتهم؟ مسار شائك وطويل رافق، على مدى عقود، ملف المعتقلين اللبنانيين في غياهب السجون السورية، قبل أن يخرج من عنق الزجاجة قرارٌ أممي يحمل في طياته بصيص أمل لعائلات عانت الأمرّين وهي تناضل في سبيل معرفة مصير أبنائها الذين حرموا جوراً متعة الحياة.
الأكيد أن صرخات وعويل وبكاء الأمهات لم يصل إلى مسامع القيمين على الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنما رضخوا للضغط المكثف الذي مارسته عائلات المفقودين السوريين إلى جانب مجموعات ومنظمات لفتح هذا الملف والكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرًا في سوريا منذ العام 2011 . وبوصول “كلمة السر” أصدرت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار قراراً يقضي بإنشاء مؤسسة هي الأولى من نوعها تعمل على كشف مصير ما يُقدّر بنحو 100 ألف شخص في عداد المفقودين أو المخفيين قسرًا خلال الحرب الأهلية في سوريا. وتضيف في بيانها أنه يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة “توفير وسيلة لإعمال حق العائلات في معرفة الحقيقة من خلال إنشاء مؤسسة تركز على الضحايا مكرسة لتزويدهم بالإجابات التي طال انتظارها حول ما حدث لأحبائهم”.
توصيف المفقودين اللبنانيين في السجون السورية على أنهم “مخفيون قسرًا”، ضرورية لأن هذه التسمية تحفظ حق أهلهم بمعرفة مصيرهم، وملاحقة الموضوع والحصول على تعويضات، فضلاً عن حق الضحية، وهم ليسوا معتقلين، لأن السلطات السورية لم تتعامل معهم على هذا الأساس، وإلا كانت منحت ذويهم حق الحصول على أذونات لزيارتهم في “المعتقلات”.
وفي هذا الإطار، تميّز مصادر في الأمم المتحدة بين “الإخفاء القسري” والاعتقال”، موضحة أن “الإخفاء يعني أنه تم خطف شخص بمعرفة الدولة أو قوى الأمر الواقع، بينما المعتقل هو شخص محروم من الحرية ومعروف مكان وجوده ومعترف بوجوده”، وهذا ما لا ينطبق على اللبنانيين الذين لم تعترف سوريا بوجودهم في سجونها.
أدركت “القوات اللبنانية” أن القرار الأممي، استثنى فعلياً المفقودين اللبنانيين في السجون السورية باعتبار أنه مضى على اختفائهم أكثر من إثني عشر عامًا، إلا أنها تلقفته بجدية لتنطلق منه نحو تحدٍّ لا يقلّ صعوبة عن تحديات المرحلة السابقة في هذه القضية الإنسانية.
وأكد عضو تكتل “الجمهورية القوية” ومسؤول العلاقات الخارجية في حزب “القوات اللبنانية” النائب ريشار قيومجيان لمجلة “المسيرة”، على أهمية قرار الأمم المتحدة: “لقد أعطانا جرعة أمل لضم ملف اللبنانيين المفقودين في السجون السورية”.
وعلى الأثر رسم حزب “القوات اللبنانية” خارطة طريق كما أوضح قيومجيان لضمان حق الأسرى والمعتقلين في السجون السورية بالكشف عن مصيرهم، مضيفاً “هذا واجبنا لأن عدداً كبيراً من الرفاق والمواطنين يقبعون ظلماً في السجون السورية”.
وشرح خطوات المبادرة: “في المرحلة الأولى، يتم التحضير لعريضة تطالب بضم ملف اللبنانيين المفقودين في سوريا إلى اختصاص المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية السورية”، مؤكداً أن العريضة ترتكز على مسوّغ قانوني وأسباب موجبة “نحن نملك لائحة موثقة بأسماء 622 معتقلاً لبنانياً في السجون السورية على رغم نفي السلطات اللبنانية الأمر، ونسعى اليوم لضمها إلى العريضة ودعم الملف بها”.
في المرحلة التالية يستتبع الإعلان عن العريضة بتوقيع أكبر عدد من النواب والجمعيات والقضاة وآخرين عليها، كما أوضح قيومجيان، على أن تُرسل في المرحلة الأخيرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش وإلى ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا.
وإذ لم ينفِ قيومجيان صعوبة المهمة الجديدة، أكّد أن الجهود داخل حزب “القوات” تتضافر لإنجاحها من قبل جهاز العلاقات الخارجية في الحزب، إضافة إلى الدائرة القانونية وجهاز الشهداء والمصابين والجرحى.
كذلك أوضح أن مبادرتهم تزامنت مع حركة تقوم بها “جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية” على أمل التوصل إلى النتيجة المرجوّة.
مبادرة نحو الأمام
بدوره، كشف رئيس “جمعية المعتقلين اللبنانيين السياسيين في سوريا” المعتقل اللبناني السابق في السجون السورية علي أبو دهن أنه كان في سويسرا يشارك في أحد الاجتماعات الخاصة بالمعتقلين في السجون السورية عند تلقيه خبر صدور قرار الأمم المتحدة معرباً عن سعادته به.
يروي أبو دهن لـ”المسيرة” أن وفداً من الجمعية برئاسته التقى، فور عودته إلى لبنان في التاسع من تموز، مسؤولة الأمم المتحدة في بيروت وتم الاتفاق على إرسال وثيقة إلى الأمين العام موقعة من قبلها تلحظ نقطتين “عدم تحديد سنوات الاعتقال وعدم ذكر جنسية المعتقلين”، مؤكداً أن الأمين العام للأمم المتحدة تسلّمها. ويلفت الى أهمية أن تجتمع الجمعية برئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع لطرح مبادرتها والعمل على تعزيزها، لما لـ”القوات” من باع طويلة في مواكبة تحركاتهم.
وإذ ينوّه بسرعة استجابة “القوات” لمطلب الجمعية، يشير الى أنه فوجئ خلال مشاركته في الاجتماع مع المعنيين بالملف في حزب “القوات اللبنانية” بمدى جهوزيتهم في هذا الإطار على رغم مرور أيام قليلة على قرار إنشاء المؤسسة المستقلة من قبل الأمم المتحدة.
ويكشف أبو دهن أيضاً عن الخطوات التي سبقت اتخاذ الأمم المتحدة قرار إنشاء المؤسسة المستقلة، “نُظمت مؤتمرات في الدول الأوروبية وتحديداً ألمانيا وسويسرا إضافة إلى تركيا شارك فيها سوريون وحقوقيون من عدة دول، من بينها لبنان الذي كان لي شرف تمثيله، وذلك بالتعاون مع أفراد من عائلات المعتقلين السوريين في السجون السورية للعمل على إنقاذ أبنائهم”. كما يوضح بأنه نقل إلى المشاركين صورة تحركات الجمعية لإيصال صوتها إلى الأمم المتحدة ما حدا “بالأخوة السوريون إلى تلقف الأمر والعمل جدياً بهذا الاتجاه”.
انتشار السوريين بأعداد كبيرة في كافة الدول الأوروبية بعد الحرب في بلادهم ساهم “في تشكيل رأي عام ضاغط على المجتمع الدولي”. ويكشف أبو دهن الى أن نحو ثلاثة ناشطين سوريين كانت لهم اليد الطولى في إيصال المشروع إلى الأمم المتحدة وإصدار قرار إنشاء المؤسسة المستقلة.
بالتوازي، ينتقد تقصير الجالية اللبنانية في هذه القضية، خصوصاً وأنها تضم أفراداً باتوا “في موقع القرار دولياً ويمكنهم الوصول إلى الأمين العام للأمم المتحدة أسرع من الجالية السورية” على حد قوله.
تأخذ الإجراءات والتحركات مجراها حماية للحرية والحق الإنساني، فيما لا تزال السجون السورية المظلمة تخفي خلف أسوارها عذابات أسرى لبنانيين سيقوا من دون وجه حق إلى مصير مؤلم، وقد كُتب على عائلاتهم عذاب من نوع آخر وهم يصارعون العمر والصعوبات الجمة لإنقاذهم.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]