هذا ما كانوا يريدونه تماماً، أن نحتفل بغيابه! أن نجعله بطلاً اسطورة أيقونة المقاومة اللبنانية لا يهم، المهم أن يغيب حضوره عن الساحة، وعندما يغيب الاسد، تسرح فئران وجرذان الزمان، وهذا ما يحصل.
مكتب التحرير في خبر جديد: “…سقط الحلم وارتفع البشير شهيدا”. هكذا دوى فينا الخبر منذ 41 عاماً. سقط الحلم وسقط عملياً آخر رئيس فعلي للجمهورية اللبنانية القوية، سقط حلم الواحد والعشرين يوماً، التي تحولت في خلاله الجمهورية الفاسدة المحتلة، الى دولة منتظمة مذعورة من سطوة القانون، ومن هيبة الحق ومن رئيس كلما تكلم او رفع اصبعه مهدداً العملاء والجبناء والمتلاعبين بمصير لبنان، تهاوى الفاسدون والمحتلون والمتورطون ذعراً، وارتفعت الجمهورية الى مصاف الجمهوريات العريقة.
لو حكم فخامة الرئيس بشير الجميل، سنواته الست المقررة بحسب الدستور، لما كان هناك ضباط متعاملون مع حافظ الاسد، يناشدونه أن يكونوا عناصر صغيرة في جيشه، ليكون الثمن كرسياً مخملياً في قصر بعبدا.
لو حكم فخامة البشير لما كانت حرب الالغاء ولا التحرير المزعومة، ولما دُمرت هيبة قصر بعبدا، ولما اعُتقل واغتيل ضباط في الجيش، ولما اضطهد شباب المقاومة اللبنانية، ولما استبيحت المناطق بجيش سوري جرار، أحكم قبضته الفولاذية على لبنان لسنين طويلة بستين الف جندي محتل.
لو جلس فخامة البشير الى كرسي بعبدا، لما بقي كرسياً من خشب، لا بل كان تحول عرشاً للكرامة، ومزاراً للشرفاء ولدول العالم قاطبة، ولجلس عليه لبنان قبله، معلناً نفسه انه دولة كبرى منتجة حرة تحدها الكرامة من الاتجاهات كافة، ويفوح ألقها وازدهارها في العالم كله.
لو حكم البشير، لكان الدستور اللبناني تطور وصيغ على مقاييس أحلام الشباب والأجيال الصاعدة، عبر ذاك الرئيس الشاب الطموح المجنون بوطنه، الحالم بجمهورية الـ10452 كلم مربع على مساحات الزمن والجغرافيا ونبض القلب وشغف العيون وليس أقل.
لو دخل البشير قصر بعبدا، لخرج هرولة كل الرعاع من لبنان، ولما تحكمّت بنا ميليشيا تابعة لايران تحتلنا بترسانة بحجم وطن، وتزرع الارض ارهاباً وتخلفاً، ولما تحكّم بنا الرعاع وتجار الاوطان، ولما أطفئت مصابيح مؤسسة كهرباء لبنان بالنهب والسرقة، ولما تحولت المالية الى وكر علي بابا والاربعين حرامي، ولما صار الفساد هو القانون المعتمد والنزاهة شر مطلق.
يا الهي لو حكم البشير لبنان، لما تجرأ احد على تفجير مرفأ بيروت، ولما صنع أحد مجده من احداث 7 ايار وما شابه، ولما افتعل حرب دمار شامل تحت حجة “لو كنت اعلم”، ولما وصل رئيس الى سدة الرئاسة كان يعلم بوجود النيترات وصمت، ولما تحول لبنان الى جزيرة متخلفة معزولة في الزمان والمكان.
لو حكم البشير سنواته الست المقررة، لكان لبنان انتقل من الظلام الدامس الى الضوء المطلق، كما يليق ببلاد الأرز وأرض القديسين والمقاومين، ولما كان تجرأ أحد على انتهاك حدودنا وسيادتنا وتحويلها الى ممرات للارهابيين والمهربين والنازحين المفترضين، ولما حاول أحد، مجرد محاولة التعدي على دور الجيش اللبناني وهيبته وكرامته، ولما انتهكت اسرائيل حدودنا ومياهنا، ولكانت الجمهورية استردت معتقلينا من اقبية سفاح الشام، ولكانت ألزمت العالم كله على محاكمته بجرائم ضد الانسانية في لبنان، ولكان الان مركوناً مذعوراً في زاوية سجن عفن كما اقبيته.
لو بقي البشير رئيساً لست سنوات، لكان أرسى نظام الدولة القوية التي كانت ستلزم الداخل والخارج باحترامها وربما تقليدها، ولكان اسلافه جميعاً ساروا على خطاه، لان من كان سيحكم من بعده ليس الرجل وحسب، بل الدستور والقوانين قبل الاشخاص كما هو الحال في اميركا واوروبا ودول العالم المتقدم.
من اغتال البشير في ذاك الـ 14 ايلول 1982، كان مذعوراً من كل ذلك، لأنه كان يعرف تماماً انه يغتال جمهورية الغد بكاملها، ودعكم من ذاك المجرم التافه المدعو حبيب الشرتوني، فذاك العميل ليس سوى اداة ذليلة بيد من هم أكبر منه بكثير بالتخطيط والاجرام، ذاك لم يكن اكثر من عبد ساقط في بلاط الذين اتفقوا على هدر دم من يعرفون انه كان سيمنع اياديهم من الامتداد الى سيادة لبنان وكرامة شعبه. فخطفوا انفاسه قبل ان يصبحوا هم في الغياب عن مصير لبنان واطماعهم القاتلة به.
منذ دوي تلك اللحظة، ونحن نقاوم على خطى البشير لنصل الى حلم الجمهورية، حلم الـ 21 يوما، وكل يوم يغتالوننا، يحطمون آمالنا، تمتد آياديهم الاثمة الى البشير الحي فينا، ويفشلون. ولو لم يفشلوا رغم فائض القوة والارهاب، لما كنا بقينا وصمدنا، وكل يوم كل يوم على مدار الايام نصرخ بشير حي فينا، ولو لم تكن هي الحقيقة لكان لنا الان رئيس جمهورية على شاكلتهم، ممانع ذليل ولكان كيان لبنان انتهى. هذا هو البشير الحي فينا الى الابد، المقاومة مستمرة وسننتصر وسيزولون.