بعيداً عن تبنّي او نفي ادعاءات المصادر الغربية والدولية عن المعلومات “المؤكدة” والموثقة عن هيمنة الحزب على حركة الذهاب والإياب والإستيراد والتصدير عبر المعبر الشرعي الرسمي اللبناني مطار بيروت الدولي، لا بد من الوقوف عند بعض المحطات حول الدور الذي لعبه الحزب في مطار بيروت وعلى طريقه، منذ الثمانينات وحتى كتابة هذا المقال. لعلنا نستخلص العبر والاستنتاجات وندحض أو نؤكد الإدعاءات أو الإشاعات.
-نبدأ من باكورة أعمال الحزب العلنية في 14 حزيران من العام 1985، في عملية اختطاف طائرة “تي دبليو أي” الرحلة 847، والذي كان بطلها حسب المعلومات عماد فايز مغنية… هذه العملية حطت على مرحلتين في مطار بيروت حيث غادر الخاطفون الطائرة الى محيط المطار ـ الملاذ الذي لا يزال آمنا لجماعة الخاطفين من عشرات السنين.
-في 19 آب من العام 1985, تم خطف الموظفين في المصرف المركزي أندريه شعيب، ألكسندر ديب، وجاك جرماني مع “مرافق أمني” وهم على طريق المطار… ولا يزال مصيرهم مجهولا.
وفي هذا الإطار من الواجب ان نستحضر ما حصل قبل 7 أيار 2008 عبر إثارة موضوع كاميرات المراقبة التي وضعها الحزب واكتشاف شبكات اتصالاته التي أدت الى إقالة رئيس جهاز أمن المطار وفيق شقير والتي تسببت بحرب ضروس سيطر فيها الحزب على بيروت في 7 أيار 2008 بالدم والحديد والنار دفاعا عن شقير والكاميرات والاتصالات…
وفي 3 أيار من العام 2008، ُحصلت “النهار” على المستندات المتصلة بقضية “تركيز كاميرات مراقبة لاسلكية في محيط مطار بيروت الدولي، والتي اثارها رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط. هذه المستندات هي مراسلات بين نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الوطني الياس المر حينها وقيادة الجيش – مديرية المخابرات عن هذه القضية. وتبين من مضمون المستندات وتواريخها أن المر وجه كتاباً الى قيادة الجيش – مديرية المخابرات هنا نصه:
“وردتنا معلومات عن تركيز كاميرات مراقبة لاسلكية في محيط مطار بيروت الدولي، ضبطت إحداها داخل حاوية، وموجهة في اتجاه مدارج المطار. يطلب اليكم رفع تقرير مفصل عن المعلومات المتوافرة والاجراءات المتخذة بصورة فورية”.
كذلك لا بد ان نذكر بما نقلته وثيقة من وثائق ويكيليكس عن رئيس مجلس النواب نبيه بري في 12 أيار من العام 2008 اذ قال: “نعم الحزب استخدم سلاحه المفترض انّه لمقاومة إسرائيل في الداخل ضد مواطنين لبنانيين ويجب التحقيق مع رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير لمعرفة دوره في السماح للحزب بتركيب كاميرات مراقبة في مطار بيروت الدولي”.
في 12 شباط من العام 2012، خطف المواطن جوزف صادر على طريق المطار، وللإضاءة على ظروف عملية الخطف والإحاطة بها لا بد من العودة الى ما نقلته صحيفة المستقبل في 13 كانون الأول من العام 2013 عن مصادر واسعة الإطلاع، أن “مضمون ملف اختطاف جوزيف صادر وبعض المعلومات الأولية، موجودة في محضر اجتماع اللجنة النيابية لحقوق الانسان التي ترأسها النائب ميشال موسى والتي حضرها عدد كبير من النواب من بينهم نواب الحزب والنائب سامي الجميل، والتي حضرتها زوجة صادر، فيما تولى اللواء أشرف ريفي شرح مضمون هذا الملف للنواب ما أدى الى سجالات مع نواب الحزب”.
وكشفت المصادر بعض المعلومات المتعلّقة بعملية الاختطاف، فأشارت الى أنه “سبق تنفيذ عملية الخطف أمور مثيرة للريبة، أبرزها إقدام عناصر من الحزب على الطلب من أصحاب المحال التجارية المنتشرة على طريق المطار قبل ثلاثة أيام من حصول الخطف، توجيه الكاميرات التي لديهم الى الأسفل كي لا ترصد الطريق العام، بحجة أن مسؤولين من الحزب يرتادون هذه الطريق”. وأوضحت أن “دورية لقوى الأمن الداخلي صودف وجودها في المكان تبعت السيارة الخاطفة باللوحة المزورة الى حيث انحرفت يميناً الى داخل الضاحية، وما لبثت أن توقفت بعد أن رفع الخاطفون السلاح بوجهها، ليصبح مصير صادر مجهولاً”.
في 19 أيلول من العام 2010 وصل المدير العام السابق للأمن العام في لبنان اللواء جميل السيد إلى مطار بيروت، وسط حماية الحزب الذي نظم له استقبالاً حاشداً، وفتح له صالون الشرف عنوةً على الرغم من الاستدعاء القضائي الصادر بحقه، للتحقيق معه في موضوع “تهديد” رئيس الحكومة سعد الحريري. كذلك فعل الحزب في استقبال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في 5 نيسان من العام 2023 حين أجاز لنفسه بما يملك من قوة السيطرة على المطار فتح صالون الشرف لهنيّة من دون مراعاة لا بروتوكول ولا أصول دبلوماسية ولا سيادية.
وخير من عبّر عن الوضع في مطار بيروت وغيره من المرافق تحت حكم الحزب هو النائب السابق محمد كبارة إذ قال في 14 كانون الأول من العام 2010: “إن الحزب يسرق الدولة اللبنانية، ويقطع أرزاق المواطنين، ويرفع نسبة البطالة تحت عنوان الدفاع عن المقاومة، التي بإسمها يدير الحزب شبكة تهريب عبر المنافذ الحدودية اللبنانية، البرية والبحرية والجوية، حارماً الخزينة من 60 بالمئة من جباياتها الجمركية، ولا أتحدث هنا عن الجبايات الأخرى التي يسرقها من الكهرباء والدوائر العقارية وغيرها، بل سأكتفي بالإضاءة على الجبايات الجمركية”. اضاف: “لا أتحدث هنا عن السلاح، بل أتحدث عن الواردات التجارية من جميع الأصناف، تحت ستار السلاح. هل يعلم الشعب اللبناني أن المرافئ الشرعية تخسر جباياتها لصالح الخط العسكري الذي يخترق سيادة وسلطة وحرم مرفأ بيروت، فتخرج كل الواردات والمستوعبات عبره لحساب الحزب من دون تسديد أي رسم أو جباية أو ضريبة، ثم تستقر في مخازن دولة ضاحية بيروت الخارجة عن سيادة لبنان.
وتوجه كبارة إلى رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء بالسؤال: “أتعرفان بوجود خط عسكري للحزب في مطار رفيق الحريري الدولي، يمر من منطقة الهنغارات التابع لقسم الشحن الجوي ليصل إلى ضاحية الحزب ذات السيادة عبر السياج الوهمي عند المدرج الشرقي. أتعلمان يا فخامة الرئيس ويا دولة الرئيس أن هذا السياج له بوابة عرضها 11 متراً، لها قفل لا يحتفظ أي مسؤول في مطار رفيق الحريري الدولي بمفتاحه؟ أيعلم اللبنانيون من يدير بوابة دولة الحزب في مطار رفيق الحريري الدولي وماذا يمر عبرها، وما يخسره لبنان جراء ذلك من جبايات”.
ليعود كبارة ويؤكد في 11 آب من العام 2013، أن مطار بيروت “مخترق من قبل الحزب من برجه إلى حماليه، مروراً بكل أقسامه”، ويلتقي كلام النائب السابق مع النائب الحالي وضاح الصادق الذي قال في 13 أيلول من العام 2023: “إن الحمّالين والتاكسيات في المطار أقوى من كل الأجهزة الأمنية”.
طبعاً ما أوردناه هو غيضٌ من فيض ارتكابات وسقطات الحزب في مطار بيروت وطريقه ومحيطه، وهو المعبر الشرعي المخترَق من مخترِقٍ معروف معلوم… فكيف الحال بالمعابر غير الشرعية المشرّعة لقوى الأمر الواقع الواقعة تحت أوامر و”تكاليف” وفتاوى ما وراء الحدود؟
اللهم إني بلّغت اللهم فاشهد.