كتب سيمون سمعان في “المسيرة” – العدد 1745
رأى الإقتصادي روي بدارو أن شهر أيلول لهذا العام لن يكون أسوأ من سواه أو من الأعوام السابقة. واعتبر أن التفاخر بتحويلات المغتربين عيب، لأنهم لو قيّض لهم البقاء في البلد ولو أمّنا لهم البيئة السياسية والأمنية والاجتماعية المناسبة للعمل، لأنتجوا في اقتصاده ضعف ما يرفدونه به من بلدان انتشارهم. وفي حديث لـ”المسيرة”، أكد بدارو أن تركيبة الحكم المنتظرة إما أن تكون سليمة مسؤولة وإلا نحن ذاهبون ليس فقط إلى الانهيار الاقتصادي إنما إلى الانحلال المؤسساتي الذي قد يُترجَم بسعر صرف لا سقف له. وشدد على أن مسؤولية التفلّت بسعر الصرف هي عند وزارة المالية التي عليها اتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط الوضع. ومن هذه الإجراءات طلب مؤازرة الجيش لضبط التهريب في المرفأ والمطار. ووصف منصة صيرفة بـ”العلبة السوداء”. ولفت إلى أن “حزب الله” كان يغض النظر عمّن يغطي رياض سلامة، والقرض الحسن كان يمكن وقفه فلماذا لم يفعل سلامة ذلك؟ وفي ما يلي نص الحديث:
روي بدارو، لطالما كان شهر أيلول مفصلياً لناحية الأعباء المعيشية وغيرها.. كيف تنظر إلى الفترة المقبلة لا سيما أنها على مفترق بين انتخاب رئيس وإعادة إحياء المؤسسات، أو استمرار الشغور ومزيد من الانهيار؟
لن يكون مفصلياً أكثر من سواه، ومهما زاد حجم الضغوط في أيلول لن تزيد أكثر مما حصل دفعة واحدة في السنوات الأخيرة. لقد بات المجتمع اللبناني اليوم خمس فئات وبات أكثر تأقلماً مع الوضع المستجد. فهناك مثلا فئة الذين يعملون لحسابهم الخاص ويتقاضون بالدولار، هذه الفئة ربحت من الأزمة وباتت في وضع أفضل من قبل. فئة الذين يتلقون إعانات من أهاليهم العاملين في الخارج (بين 7 و8 مليارات دولار)، وهناك من يفاخر بهذا المورد، إنما إلّا أن التفاخر بذلك عيب لأن هؤلاء ناس هجّرناهم، ولو قيّض لهم البقاء في البلد ولو أمّنا لهم البيئة السياسية والأمنية والاجتماعية المناسبة للعمل، لأنتجوا على الأقل ضعفي ما يحوّلونه إلى لبنان. وهناك فئة العاملين في القطاع الخاص الذين يتقاضون إما قسمًا من رواتبهم بالـ”فريش دولار” وقسمًا بالـ”لولار” ويصل عددهم إلى حوالى الـ800 ألف شخص، وهؤلاء ينظّمون إنفاقهم في محاولة لإطالة أمد رواتبه إلى أبعد فترة من الشهر. ورابعاً فئة العاملين في القطاع العام وعددهم حوالى الـ400 ألف شخص تقريباً منهم حوالى 120 ألف شخص من المتقاعدين، هؤلاء يواجهون صعوبة في تأمين معيشتهم. أما الفئة الخامسة من كبار السن والمعدمين والعاطلين عن العمل الذين وليس لديهم ودائع أو مدخرات وهم بأغلبيتهم يعانون مشاكل صحية ويصل عددهم إلى المليون شخص. وهؤلاء هم أزمة لبنان الكبرى. قد تأتي أعانات من جهات دولية مانحة لمساعدتهم، ولكن هذا يبقى ديناً على الدولة التي لا تعيرهم اهتماماً، ولذلك نحن بمواجهة أزمة أخلاقية قبل أن تكون مادية. من هنا الخوف الكبير ليس فقط في أيلول إنما أيلول وما بعد!
هل تعتبرون أن الحلّ يبدأ من انتخاب رئيس للجمهورية؟
نحن ذاهبون إلى خيار ليس فقط في انتخاب رئيس إنما هو في طريقة الحكم. فإلى جانب انتخاب رئيس هناك تسمية رئيس وزراء وتشكيل حكومة وبيان وزاري وتعيينات منها حاكمية مصرف لبنان وقريباً قيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي والنيابة العامة التمييزية، وغيرها من المواقع. هذه التركيبة ينتجها في شكل أساسي رئيس الجمهورية ورئيسا المجلس والحكومة، فإما أن تكون سليمة مسؤولة وإلا نحن ذاهبون ليس فقط إلى الانهيار الاقتصادي إنما إلى الانحلال المؤسساتي الذي قد يُترجَم بسعر صرف لا سقف له. ولذلك لا بد من إعادة النظر بحجم القطاع العام ودوره وحجم الحكومة ومهماتها المقبلة، فربما نحتاج إلى الاستغناء عن وزارات واستحداث أخرى. على سبيل المثال وزارة المالية التي يفضَّل أن تصبح وزارتين: وزارة الموازنة ووزارة الخزينة. إذ لا يجوز تسليم مفتاح الخزنة إلى المحاسب في الوقت نفسه.
روي بدارو، كان يتوقع اللبنانيون تفلّتاً في سعر صرف الليرة بعد شغور حاكمية مصرف لبنان، لكنها شهدت تحسناً ولو طفيفاً. ما تفسير ذلك؟
صحيح كان هناك من توقّع ذلك، لكن أنا كنت في جو أن سعر الصرف لن يتفلّت بعد انتقال الحاكمية إلى وسيم منصوري الذي التقيته في تلك الفترة وهو رجل قرار ونزيه يعمل بقناعاته لمصلحة البلد، وأنا أفتخر بصداقته. هنا لا بد من الإشارة إلى أن مسؤولية التفلّت بسعر الصرف ليست عند مصرف لبنان بل عند مجلس الوزراء وخصوصاً وزارة المالية، وهي لا تأخذ الإجراءات اللازمة لضبط الوضع. ومن هذه الإجراءات أقله واحد ليستقر الوضع فوراً، وهو طلب مؤازرة الجيش لضبط التهريب في المرفأ والمطار. فمداخيل هذين المرفقين المهمّين كافية لوحدها لتغيير كل المعادلة. في السابق أعتقد أنه كان هناك تلاعب في سعر الصرف من قبل الحاكم كما من بعض الصرافين ومن قبل مصرفَين أو ثلاثة. وما كان للدولار أن يصل إلى ما وصل إليه لو لم يكن هناك تلاعب. ومنصّة صيرفة تلك العلبة السوداء هي مسخرة كبيرة. وعندما أتى مسؤول من صندوق النقد الدولي وطلب الاستفسار عن آلية العمل في «صيرفة» فلم يُسمَح له. في الخلاصة يتبيّن أن سعر الصرف مستقر نسبياً للفترة القريبة المقبلة.
كيف تقرأ العقوبات الأميركية على سلامة لناحيتي المضمون والتوقيت؟ وإلى أين سيصل هذا المسار خصوصاً أنه يأتي بعد التحقيقات الأوروبية؟
كان هناك تباين في الرأي داخل الإدارة الأميركية حول مقاربة ملف سلامة، الأميركيون والأوروبيون يريدون كل الداتا والأسماء من رياض سلامة. هو وضع لنفسه هالة أنه صديق واشنطن، في الحقيقة واشنطن تريد أن يكون الجميع سواسية أمام المحاسبة. وإذا كان سلامة صادقاً فليتصرف بكل شفافية وليكن تحت المحاسبة.
روي بدارو، ماذا يريد الغرب؟
هناك استراتيجيتان محتملتان: إما تغيير تدريجي للمجموعة الحاكمة أو تصويب مسارها.
وهل يمكن أن يُرتجى من الفاسدين إصلاحاً؟
نحن أمام خيارين إما تغييرهم وإما تغيير سلوكهم. ويمكن أن يغيّروا سلوكهم تحت الضغط على أن تكون هذه مرحلة إنتقالية تأتي بعدها مجموعة حاكمة نزيهة تنقذ البلد. ومن الممكن تحت بند المحاسبة أن يُصار إلى تدفيع المسؤولين مبالغ مالية كما حصل في البنك اللبناني الكندي؟ ولتكن الأموال المدفوعة لخلاصهم جزءًا من المسترَدَّات المنهوبة وبداية تجميع لصندوق إعادة النهوض.
روي بدارو، وسط الكثير من الكلام عن الودائع بين من يبشر بإعادة لو قسم منها ومن يحسم خسارتها، برأيك ما مصيرها ومتى يُحسَم ذلك؟
يعتقد قسم كبير من الناس بأن الودائع ما زالت موجودة ويمكن استردادها، والصحيح أن قسماً غير قليل من ودائعنا تبخّر قبل الأزمة بسنوات عندما أصرّ الحاكم السابق رياض سلامة والحكومات المتعاقبة على دفعها دعماً لتثبيت سعر صرف الليرة عند عتبة الـ 1500 فيما كانت قيمتها الفعلية في العام 2015 حوالى الـ4000 ليرة مقابل الدولار. وقد أثرت ذلك في أحد اجتماعاتي في صندوق النقد الدولي وتمّ تأكيد ما قلت. عناد سلامة والحكومات هو ما أوصلنا إلى هنا وكلفنا 40 مليار دولار. والمتبقي من الدين ذهب نهباً وهدراً، وفي كل الوزارات والإدارات والمؤسسات من دون استثناء.
يتحدث كُثر عن ذهاب لبنان إلى النموذج الفنزويللي، هل تتوفر في الوضع اللبناني الحالي ما يدفعه حقاً إلى النموذج الفنزويللي؟
“يا محلى النموذج الفنزويللي، هونيك في بترول وحاكم واحد، هون ما في بترول ومية حاكمين”. والغاز الموعود إذا وجد واستُخرج فليس قبل 6 أو 7 سنوات.
بما أن الشيء بالشيء يُذكر، ماذا عن البترول وقد وصلت منصة الحفر. إلى أي مدى يعطي ذلك اطمئناناً للمستقبل وثقة بإمكان تحسّن الأوضاع؟
ربما هو حلم وربما لا، لكن كيف لهذه المجموعة الحاكمة التي أفلست البلد أن تساهم في بناء ازدهاره؟ يعملون على تأسيس صندوق سيادي، كيف ومن يضمن النتائج؟ لا ثقة بهؤلاء وإذا لم يغتنم الشعب الفرصة في الانتخابات المقبلة ويغيّر معظمهم لا أمل لا بالنفط ولا بسواه.
روي بدارو، تقرير “ألفاريز أند مارسال” الذي تسلمته السلطات اللبنانية مؤخراً، ما تعليقك عليه وماذا تتوقع أن يؤثر في مجرى الأحداث المالية في البلد؟
لم يكن دقيقاً ولا كافياً لا بالمدة ولا بالمضمون. هناك قضايا لم يتطرق لها بادعاء أن هناك سرّية مصرفية. لا بد من الكشف عن كل السرقات التي حصلت قبل ألفاريز ومارسال وتوسيع فترة التدقيق، هناك 8 سنوات ضائعة أي 5 سنوات قبل 2015 و3 حتى 2023. والتقرير لم يكشف كل شيء. فمن هو الحاكم الجديد الذي يملك جرأة اتخاذ مثل هذه القرارات؟ يجب إخراج كل الفضائح من خزائن مصرف لبنان وعندها يتبين أن سياسيين كثراً أخرجوا أموالهم من لبنان حتى في العام 2022، خصوصا ممن يجاهرون بمحاربة الفساد وادعاء النزاهة. ولا بد من الإشارة هنا بما يخص التدقيق الجنائي أن شركة “ألفاريز ومارسال” ليس هذا شأنها أو عملها، هناك شركات أفضل وصاحبة اختصاص لكن لم يُسمح لها بالوصول، لأن هناك مصالح في القضية.
بعد كل هذا العرض كيف ترى المستقبل وبماذا يمكن أن تُطمئن اللبنانيين؟
أقول لهم إن الحل ليس اقتصاديا وليس عند المختصين إنما هو عند الناس أنفسهم. أنتم بيدكم أن تغيّروا، أنتم أعدتم انتخاب من هدر أموالكم. استغلوا الاستحقاق الانتخابي المقبل وانتخبوا الأشخاص الصالحين والقادرين، أو كونوا منهم، وعندها يبدأ الإصلاح والنهوض.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]